وجه جديد للولايات الأمريكيةالمتحدة يكشف عنه المؤرخ والكاتب الأمريكي إيران شاليف في كتاب عنوانه: الصهيون الأمريكي: العهد القديم كنص سياسي منذ الثورة و حتي الحرب الأهلية. والكتاب يكشف أن أمريكا التي اعتادت أن تخاطب العالم من فوق منبر ليبرالي متحرر من قيود الدين وتنتقد من خلال تقرير الحريات الدينية ما لا يرضيها من ممارسات في دول العالم الثالث, وتعلي قيمة الحرية والتقدم علي كل ما سواهما بدأت تاريخها كدولة دينية دستورها هو العهد القديم. بل والأكثر من ذلك أن تاريخ هذه النزعة الدينية أخذ يخفت شيئا فشيئا إلا أننا مازلنا نستطيع أن نراه في عدد من القضايا الحالية علي سبيل المثال منها زواج المثليين والعقبات التي تقف في سبيل تشريعه. صحيح أنه بين سطور الكتاب يمكنك أن تقرأ أسباب قوة التحالف الأمريكي الإسرائيلي التاريخية, إلا أن المثير للسخرية في الأمر هو أن الكاتب الإسرائيلي إيران شاليف يريد أن يقول بطريقة غير مباشرة إن أمريكا وهي الدولة العظمي ما هي إلا صورة ثانية من دولة إسرائيل الدينية. ويستشهد علي ذلك بمقولة جاءت علي لسان ابراهام لينكولن ذكر فيها إن الأمريكيين هم شعب الله المختار. وليس لينكولن فحسب, فالكتاب مكدس بالإشارات للعديد من الساسة الذين ذكروا في أكثر من مناسبة أن أرض الولاياتالمتحدة هي أرض الميعاد. ومن بين رسائله غير المباشرة أيضا في الكتاب, يقول شاليف إن الأمريكيين لم يتبعوا المنهج الإسرائيلي في تأسيس الدولة إعجابا منهم بالروح الدينية أو التزاما بتعاليم المسيح, لكنهم استخدموا الدين سلما لتحقيق أغراضهم السياسية وغطاء للكثير من جرائمهم التاريخية, وعلي رأسها قضية العبودية. بل, و يسخر منهم في هذا الصدد بالتحديد لأنهم احترفوا التبرير لهذه الجرائم الإنسانية وادعوا زورا وبهتانا أن المسيح نفسه لو كان يعيش معهم هذه الأيام لفعل ما كانوا يفعلون, وطلبوا من كل من يتهمهم بمخالفة الدين أن يشير إلي نص واحد في الإنجيل ينهي عن العبودية.(!!) ويشير إلي أن هذه المرحلة التي استخدم فيها الأمريكيون العهد القديم كنص سياسي انتهت بعد الحرب الأهلية, حيث طوي الآباء المؤسسون للولايات المتحدة هذه الصفحة من حياتهم لتتسلم الأجيال التالية عهدا جديدا تنادي فيه شعوب العالم إلي الاقتداء ببلادهم في الحرية والليبرالية وحقوق الإنسان و الديمقراطية... وعدم خلط الدين بالسياسة.. لكن شاليف لا يقصر الأمر في كتابه علي مجرد كشف هذا الوجه الأمريكي الذي ربما لا يعرفه الكثيرون, بل اجتهد ليشرح أسباب لجوء الأمريكيين للنموذج الإسرائيلي. وكان السبب الرئيسي من وجهة نظره هو أن الآباء المؤسسين في أمريكا ربما أرادوا في بداية رحلتهم العالمية أن يستجدوا مشاعر العالم, والأهم من ذلك أن يرسخوا في نفوس أبناء شعبهم الجديد أن ما يقومون به هو مهمة سماوية يجب علي الجميع طاعتها و الالتزام بها لأن في ذلك التزاما بالدين نفسه. ومن ثم وفقا لشاليف عمد الأمريكيون إلي مسح الخطوط الفاصلة بين الدين والسياسة لحشد المشاعر من أجل مصالح دنيوية بحتة.. ويشير الكاتب الإسرائيلي إلي: كيف كان الخطاب الديني العاطفي مهيمنا علي لهجة الساسة الأمريكيين في ذلك الوقت, ويضيف أن العديد من كتب التاريخ الأمريكي لم تستح من توثيق تلك الفترة من حياة الشعب الأمريكي. بل, وكانت تتفنن في توصيف قادة أمريكا بأوصاف مؤسسي إسرائيل, حتي أن إحدي هذه الكتب أطلق علي جورج واشنطن اسم جدعون الأمريكي, وكان يطلق علي الأراضي الأمريكية إسرائيل الثانية.. ربما يبدو الكتاب في مجمله في الوهلة الأولي أنه مجرد سرد لحقائق يعرفها الكثيرون أو مجرد رصد لأحداث تشابه ظروف نشأة الدولتين. لكن أهم ما يحمله الكتاب هو تلك الرسائل الموجهة من الاسرائليين إلي الأمريكيين بأنهم هم الأصل في نشأة القوة العالمية العظمي ولايجب النظر إليهم في يوم من الأيام علي أنهم طالبو دعم أو مساندة لأنهم أصحاب اليد العليا. في الوقت نفسه ربما يحمل الكتاب رسالة إلي كل موهوم بأن الحلم الأمريكي نظيف الأيدي طوال الوقت.