ربما كان من المناسب في هذه اللحظة استدعاء رائعة الأديب الراحل المبدع الدكتور يوسف إدريس أنا سلطان قانون الوجود, والتي حكي فيها عن الحادثة الشهيرة في بداية السبعينيات في القرن الماضي, عندما هاجم الأسد سلطان مدربه الشهير محمد الحلو, وعقره, فمات! لماذا استدعاء هذه الحادثة تحديدا في هذه الأيام؟ ربما للشبه الكبير بما جري آنئذ وما يجري هذه الأيام, وبتلخيص شديد, فإن الأسد سلطان, عندما نظر في عيني مدربه الحلو الذي رباه صغيرا وأطعمه وكبره فلمح نظرة الخوف التي لم يرها عنده من قبل, هاجمه, وأسقطه أرضا, ثم عقره, فأرداه. هل نلوم الوحش الكاسر لأنه هجم, ثم عقر؟كيف وهو الحيوان الذي وظيفته القتل؟ تلك غريزته, وهذه طبيعته التي فطر عليها... وما كان قد منعه عنها إلا خوفه من الرجل الكبير, فعندما تبين له أن الكبير يخاف, ويرتعش, ويموت من الرعب في داخله, كان لابد أن يسقطه.. وهكذا حال الدول, والشعوب, والوجود كله, ولهذا سماه الراحل المبدع إدريس قانون الوجود, وسلطان هو قانون الوجود, تلك هي لعبة الخوف والتخويف, التي فقدناها في مصر الآن, فتقافزت علي أكتافنا الفئران! المدرب الحلو, والأسد سلطان, والجمهور, كلهم جميعا في سيرك. والدنيا سيرك كبير. والقانون واحد. هو الخوف, الأسد في السيرك يخاف مدربه لأنه يؤمن بداخله أنه في اللحظة المناسبة سيعاقبه, وسيهزمه, فإذا انقلبت الآية, وخاف المدرب من الأسد, هجم الأسد هجمته المنتظرة, والتهم المدرب التهاما, وكذلك تفعل الجماهير, عندما تفقد خوفها من القانون, يستيقظ بداخلها التمرد, وتصحو الهمجية, وتسود الفوضي, ويتفشي الخوف, في داخل القفص, تخاف الأسود من الكرباج, وخارج القفص, يخاف الناس من القانون, فإن سقط الكرباج( القانون) سقطت الهيبة, وسقطت معها الدولة.. هذا هو قانون الوجود!لماذا إذن استدعينا حكاية يوسف إدريس, والمدرب الحلو, والأسد سلطان؟ لأن السيرك المصري( وما الحياة كما قلنا إلا سيرك كبير!) يجري فيه الآن شيء شبيه, والتفت حواليك لتري, ولتنتابك رعشة الخوف المميتة التي انتابت المدرب الحلو, فسقط بين أنياب الأسد. أليس كل شيء حولنا يموج بالفوضي؟ إليك الأمثلة: عندما يتجرأ المتجرئون علي أفراد الجيش, فيخطفون أبناءه, ثم يهرع ولاة الأمر إلي الخاطفين يستعطفونهم ليتركوا الجنود. هل حدث هذا من قبل عندنا؟ الجيش كان دائما خطا أحمر, إنه خيمتنا الأخيرة, هكذا كان قانون الوجود في مصر دائما, والآن, ها هو الخوف المميت يصيبنا, فكان لابد للأسد ان يهجم, ليفترس الدولة!هل سمعتم من قبل عن مريض, يأخذونه إلي المستشفي ليتلقي العلاج, فبدلا من الاستجابة للطبيب, ينهض ليضرب الطبيب, ويحطم المستشفي؟ هذا ما يحدث في مستشفياتنا الآن, لقد تحولت إلي سيرك, وغاب القانون. وهل رأيتم طرقاتنا وشوارعنا, وكيف انتفض فيها وحش الفوضي والهمجية, حتي اننا بتنا نترحم علي أيام الأربعينيات والثلاثينيات, عندما كان في مصر دولة؟ كنا في لحظة ما, قد قبلنا فكرة أن الدولة فاسدة, وأن جميع مؤسساتها قد أصابها الترهل, وضربها العطب, كنا نحسب أن هذا هو الشيء الطبيعي, وأن مبدأ إخطف واجري هو قانون اللعبة, فتسابقنا جميعا في لعبة الخطف, حتي وصل الأمر بنا إلي اللهاث الآن علي خطف السلطة, وكنا نعتقد أن اللعبة ستدوم, لكن ها نحن الآن نستيقظ, لنكتشف أن الدولة كلها ستضيع, وسيحترق السيرك بمن فيه, لا أحد سيفوز, الكل خاسرون, لماذا؟ لأننا لعبناها ونلعبها خطأ. إن الخوف من القانون هو أساس اللعبة, وضمانة بقائها. فإذا ضربنا القانون, هجمت الفوضي, وسقط المدرب, وانطلقت أسود الغاب تنهش لحومنا.. وهاهم يفعلون! يوسف إدريس كتب هذه الفقرة العبقرية في قصته القصيرة, فاقرأوها, لعلكم تستفيقون. قال: حين ينجح الجميع, المجتهد والغشاش, والمزور والأبله والنابغ, حين يصبح لا فرق, حين تمضي الحياة بامتحان لا يرسب فيه أحد, ولا يتفوق أحد, ماذا يبقي من الانسان؟ صحيح يا يوسف.. ماذا بقي لنا بعد أن سادت الفوضي, وعربد الفاسدون, لصوص المؤسسات والفرص والأراضي؟ نحن نخالف قانون الوجود, وإذا كان مسموحا في الغابة الفسيحة بأن يفترس القوي الضعيف, فإننا في حياة البشر لنا قانون آخر, تسير بمقتضاه كل الدول المحترمة, فتنجح وتتقدم, فإذا استمر الحال بنا هكذا, بلا قانون, ولا عدالة, ولا نظام, ولا شرطة, ولا تعليم, ولا إعلام كفء, فلا تلومن الوحش عندما يهاجمك, فيسقطك.. ثم يعقرك, فيرديك! لمزيد من مقالات سمير الشحات