عندما يكون انتهاك الحقوق قاعدة وليس استثناء, وحين يتراجع أمل شعب في تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية, يظل فقراء هذا الشعب وطلائع مناضليه في أشد الحاجة إلي رجال قانون ينذرون أنفسهم من أجله. وكان المحامي الذي رحل قبل أيام سيد فتحي أحد أبرز كتيبة المحامين النبلاء الذين عاشوا حياتهم متطوعين للدفاع عن كل من تتعرض حقوقه للانتهاك. لم يعش الراحل الكريم أكثر من45 عاما. ولكنه قدم خلال هذا العمر القصير نموذجا رائعا للمحامي الذي يعمل بدأب وإصرار ليكون القانون في صف المظلومين والمستضعفين, ويتصدي لاستخدام التشريع أداة للعصف بهم. وما أسهل أن تدوس السلطة والأقوياء والأثرياء علي حقوق الشعب وضعفائه وفقرائه في غياب دولة القانون, التي لايزال المصريون يبحثون عنها منذ أن لجأ الرئيس الراحل أنور السادات إلي استخدامها شعارا في محاولته تأسيس شرعية بديلة عن تلك التي ورثها عن الزعيم جمال عبد الناصر وثورة23 يوليو. وقد بدأت ظاهرة محامي الشعب النبلاء في تلك الفترة حين أصبح استخدام قوانين مقيدة للحريات وسيلة أساسية للقمع, بعد أن كان تعطيل هذا القانون هو أداة القهر.وكان الراحل الذي تطابق اسمه مع سلوكه نبيل الهلالي أبرز هؤلاء المحامين في تلك الفترة التي اشتد فيها القمع ضد اليسار سعيا إلي تصفية ما بقي حينئذ من ثورة23 يوليو. وليست مصادفة بأي حال أن يكون سيد فتحي هو تلميذ نجيب الهلالي وحامل رسالته والأمين علي مؤسسته( الهلالي للحريات), التي أنشئت ليس فقط تخليدا لسيرته النضالية العطرة ولكن أيضا لاستمرار الدور الذي بدأه وفريق متزايد من محامي الشعب النبلاء الذين ينذرون حياتهم أو قسما كبيرامنها للدفاع عن المظلومين والمقهورين ومساندة المعتقلين منهم سواء بسبب نضالهم النقابي أو إصرارهم علي حقوقهم الاجتماعية أو التعبير عن مواقفهم ومطالبهم السياسية. ولذلك يطلق علي محامي الشعب النبلاء هؤلاء لقب أحباب الغلابة. وقد فقدنا واحدا من أبرزهم برحيل سيد فتحي الذي لم يتأخر يوما عن أداء رسالته, ولم يسع لحظة إلي أضواء تسلط عليه أو شهرة تستعبد الكثير من المعنيين بالعمل العام. فقدم درسا بليغا ونموذجا للعمل الشاق من أجل الحق في زمن يضيع فيه هذا الحق ويندر مثل ذلك العمل النبيل من أجله. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد