عام 1994 سألت د. أحمد مرسى أستاذ الأدب الشعبى المعروف في قاعات الدرس بكلية الآداب جامعة القاهرة، عن الفارق بين كلمة الشائعة وكلمة الإشاعة. فأجابنى بأدائه الدرامى الجذاب قائلا: "انت تقابلنى عدة مرات في الأسبوع وتتلقى منى العلم، فتخيل أنك ذهبت إلى قريتى التى ولدت فيها وقالوا لك إن أحمد مرسى رابط فردتين جزمة ومعلقهم في رقبته ولابس جلابية مقطعة وبيجرى ورا العيال في الحارة.. هتصدق؟" قلت له: لأ طبعا، قال لى: لماذا؟ فأجبت: لأنه شيء غير منطقى وليس له أساس، كما أننى أعرفك جيدا. هنا كشف لى أستاذى الفارق بين الكلمتين، وأن كلمة "شائعة" مشتقة من كلمة شاع أى انتشر وهى فعل لازم، أما كلمة "الإشاعة" فهى مشتقة من كلمة أشاع وأنها فعل متعدٍ. والحقيقة أنه في الحوار الدارج بين الناس ليس هناك فارق جوهرى بين الكلمتين فكلاهما يؤدى نفس المعنى، وهو نشر قصة ما دون دليل أو مستند او مصدر موثوق به إما لأهداف سياسية أو إعلامية ما أو لتحطيم المعنويات مثلا، والمثير في مجتمعنا المصرى أننا صرنا متخصصين في نشر الشائعات، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، بل وصرنا نجوّد ونبتكر سيناريوهات يعجز أبرع كتاب السيناريو في العالم عن صياغتها وترتيبها، حتى ولو كان ذلك لمجرد التسلية، حتى أنها صارت تعتمد على المثل الشعبى الشهير "عرفت انها كدبة منين؟ قالك من وسعها"!! السيء في الأمر أن مفجر وناشر تلك الشائعة نوعان: الأول جاهل بمدى الأذى الذى يتعرض له الطرف المشاع عنه الخبر، مثل شائعات وفاة الفنانين مثلا وآخرهم البديع حسن حسنى ومن قبله الرائع صلاح عبدالله، فهو لا يعلم مدى الأذى النفسى لهؤلاء الذين يراهم مجرد مشخصاتية لا يكفون عن حصد أجولة الجنيهات والدولارات، ولهذا ليس هناك مانع من اتخاذهم وسيلة للتسلية، أما النوع الثانى، فهو ذلك القاصد والمتعمد لإطلاق شائعة بهدف تحقيق أذى مادى ومعنوى لطرف ما، وهو ما حدث قبل ايام مثلا مع د. محمد سعد طبيب الأطفال المعروف لأكثر من 3 عقود ولكل من يتعامل معه بأنه شديد الغيرة على مهنته وعلى صحة أبنائه من المرضى، حتى أنه لا يجد غضاضة من تعنيف الأم المهملة بأسلوبه الكوميدى ابن البلد، ورغم انى لم أكن أحبذ كتابة الشائعة في هذه السطور حتى لا اساهم في نشرها إلا اننى مضطر لذلك حتى أوضح كم تفاهتها وسذاجة مؤلفها، فقد انتشرت على الفيس بوك حكاية تقول: " واحدة ست قاعدة وشايلة ابنها منتظره دورها... جت لها واحدة من الموجودين بعدها في الدور.... منتقبة ومعاها طفل... بس لفاه لفه غريبة... وقالت لها: لو سمحتى يا أختى ... ابنى تعبان وجوزى حالف عليا ما أروحش للدكتور ... ممكن تخديه تكشفيله وأنا هاقولك هو عنده ايه وتشرحى للدكتور ؟؟؟؟ الست على نياتها قالت لها ماشى ... طب وابنى ؟؟؟؟ قالت لها : خليه معايا على ما تتطلعى من جوة الست المنتقبة ادتها ابنها بلفّته ... و أخدت ابن الست الغلبانة من إيده و التانية دخلت للدكتور ...... بتحط الولد علشان يكشف عليه ... وبترفع اللفه لأنه كان ملفوف جامد قوي ... لقيت هى والدكتور كااااااااااااااارثه الطفل ميت !!!!!!!!! ومفتوح من عند زوره لحد تحت بطنه ... متفرغ من جسمه كل أعضاءه صرخت وطلعت تجرى على الست المنقبة .... لقتها أخدت ابنها .... وفص ملح وداب فضلت تصرخ بس مين يسمع ... الست التانيه منتقبة ... ومستحيل تقدر توصل لها، و راح ابنها منها قدام عينيها.... الحكاية دى حصلت بالفعل عند دكتور اسمه محمد سعد فى المهندسين للى حابب يتأكدأنا بنقلها للإفادة علشان كلنا بنروح عيادات اطفال ... ومبنبقاش وخدين خوانة ... والله انا باكتب وقلبى بيتقطع على الطفل اللى راح و نهايته بدون اعضاء ... وعلى التانى اللى زمانه حصّله بنفس المصير المؤلم ده ...... وعلى الأم اللى ربنا عالم حالها ايه دلوقتى أرجوكوا خدوا بالكم ....... دى حاجة جديدة في مهنة و تجارة قذرة فى طرق خطف الاطفال وحسبى الله ونعم الوكيل فى السفاحة دى... وياااااارب تقع قريب و تشوف المصير الأسود ده".. إلى هنا انتهت الحكاية، وطبعا لن يصدق عقل كل ما قيل بسبب عدم منطقيتها، فكيف تترك أم طفلها المريض مع سيدة غريبة لكى تدخل للطبيب بابن تلك السيدة الغريبة؟ فايهما أهم بالنسبة لتلك السيدة؟ وكيف يتم لف طفل بطريقة غريبة دون ان تراه السيدة فاعلة الخير ولو حتى ترى وجهه أو تسمع أى صوت له؟ فعلى الأقل من المنطقى أن تصطحب السيدة ابن النتقبة دون أن تترك ابنها، بل ستدخل بهما معا للطبيب، وإذا افترضنا حدوث كل ذلك فكيف كان الطبيب سيصمت رغم أنه من أصحاب الصوت العالى في الحق، خاصة امام أى تهاون في صحة طفل مريض. والحقيقة ان تجربتى مع الأطباء الحقيقيين المعروفين بإنسانيتهم ودماثة خلقهم لا تتعدى اصابع اليد الواحدة، فالدكتور محمد سعد هو أحد أهم أطباء الأطفال في مصر اليوم، وما حدث معه إما لغيرة مهنية من أحد الأطباء المنافسين أو محاوله لإلهائه أو تشويه صورته نظرا لآرائه المعادية لكل ما يحدث حولنا من أحداث عبثية في الوطن. ولعل تلك الشائعة لم تكن إلا فرصة لالتقاط الأنفاس من ضغوط العمل والضحك بملء الفيه باعتبارها مجرد نكتة لن تقدم ولا تؤخر في مسيرة طبيب بحجم هذا الرجل، والكثيرين من أمثاله في مجالاتهم المختلفة، ولكننى أنصح مروجى الشائعات بإنشاء جروب على الفيس بوك يحمل اسم "شائعات دوت كوم" وأن تكون مرتبة ترتيبا أبجديا حتى يسهل على كل منا البحث عن اسمه والشائعة المحاكة عنه ويضحك قليلا قبل بدء عمله تماما مثلما نقرأ في الصحف "حظك اليوم".. هههههه. لمزيد من مقالات باسم صادق