بعد سنوات من غياب مجموعة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن النقاش العام في مصر, عادت المؤسسات المالية المثيرة للجدل للظهور بقوة في الجدل السياسي الداخلي بعد أن لجأت الحكومات المصرية بعد الثورة إلي الروشتة الدولية من جديد, أملا في الحصول علي شهادة اعتماد تمكنها من الوصول إلي الأسواق المالية الكبري للحصول علي قروض بتكاليف وفوائد أقل. في كتاب صدر قبل شهور قليلة, يرصد إريك توسين رئيس لجنة شطب ديون العالم الثالث الواقع مقرها في بلجيكا, وداميان ميليت المتحدث باسم المجموعة في فرنسا60 سؤالا عن المؤسستين الدوليتين وديون العالم النامي ويسعون للإجابة عنها من أجل إنارة الطريق أمام دور تلك المؤسسات علي الساحة الدولية ونقدم اليوم عرضا موجزا لأهم القضايا التي وردت بين دفتي الكتاب الذي ترجم عن الفرنسية في نيويورك وصدر عن دار نشر مونثلي رفيو بريس يقدم الكتاب من خلال13 مدخلا رئيسيا إجابات عن أسئلة متصلة بجوانب العلاقة بين الديون والتنمية وحقوق الإنسان وأصل قضية الديون في العالم الثالث وأزمة الديون وعمليات الإصلاح الهيكلي التي يشرف عليها البنك والصندوق الدوليين واللاعبون الأخرون علي الساحة العالمية مثل نادي باريس وهيكل ديون العالم النامي وخطايا السياسات القائمة وتعليق الديون وشطبها والأبعاد المختلفة لعمليات الشطب وتقديم سياسات بديلة. يطلق الكتاب من مقدمته صرخة ضد عبء الديون المتراكمة علي الدول الفقيرة والنامية التي خلفت أزمة كبري في عام1982 ثم عمليات استخدام الديون كأداة سيطرة في يد الدول الغنية وإيجاد نمط جديد من الاستعمار العالمي ويقول مؤلفا الكتاب إن أخر مبادرات شطب الديون كانت في قمة الدول الثماني الكبري عام2005 ولم تغير من الأمر في شيء ومازال العالم النامي في حاجة إلي علاج حاسم حيث تشير الخبرات الدولية إلي أن دول عديدة تسقط من جديد في هوة الديون بعد شطب حصص من ديونها وتزيد عمليات الشطب من تعميق الديكتاتورية في بعض المجتمعات ما لم يكن هناك حل لاختلالات مهمة مثل توزيع عادل للثروة علي المستوي العالمي وللمنتجات الملحة وبدائل أخري لعمليات التمويل. في الإجابة عن السؤال الأول الخاص بتعريف الدول النامية يشير الكتاب إلي أن الاقتصادي الفرنسي ألفريد سوفي هو صاحب تعبير العالم الثالث في مقال نشره في مجلة لو أوبزرفاتور الأسبوعية في14 أغسطس عام1952 فيما يري المؤلفان أن مصطلح العالم النامي يضم مجموعتين الأولي هي الدول الواقعة في وسط وشرق أوروبا وتركيا ووسط اسيا والثانية هي دول العالم الثالث في الجنوب, ومن بين السكان البالغ عددهم6.5 مليار نسمة يوجد84% في الدول النامية فيما لا يمثل العالم الثالث أكثر من19% من الناتج العالمي ودول المجموعة الأولي5% والدول الأكثر تقدما76%. من الناحية العملية, السياسات الليبرالية الجديدة التي تروج تحت غطاء العولمة تؤدي إلي منافع جمة للعالم الأول حيث تحصل الدول الثرية علي الحصة الأعظم من الأرباح وهو ما يتضح في نسب دخل الفرد في العالم النامي ومن بينها بلد كبير مثل مصر. ويقول المؤلفان إن الديون كارثة علي الدول الفقيرة والنامية التي تعاني اقتصادياتها من الهشاشة. ففي عام2000, كانت خدمة الديون تمثل38% من موازنات دول جنوب الصحراء الكبري ولو اتبعت الدول النامية الروشتة الصارمة للبنك والصندوق الدوليين, فإن تلك الدول ستقوم بخفض الاتفاق العام علي قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والصيانة والاستثمار العام في مشروعات توجد وظائف مثل الاسكان بينما القطاعات التي تتأثر هي الأمن والدفاع. ومن أجل توفير العملة الصعبة لدفع الديون فإن الحكومات تطالب بتوفير العملة الصعبة عن طريق المزيد من عمليات بيع الموارد الطبيعية للدول الغنية.. وهي دائرة لا تفلح الدول النامية والفقيرة في الخروج منها بسهولة وتزيد من نزيف الاقتصاد! في موضع آخر, يجيب الكتاب عن الأدوار التي يلعبها صندوق النقد الدولي فيقول إن الصندوق تأسس عام1944 بموجب اتفاقيات بريتون وودز من أجل تحقيق الاستقرار المالي العالمي من خلال تنظيم تدفق رءوس الأموال, وهناك مجلس تنفيدي من24 مديرا, ويحق لثماني دول هي الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا والسعودية واليابان والصين وروسيا تعيين مديرين والباقي من مجموعات إقليمية. ولا يتمتع الصندوق بمناخ المؤسسات الديمقراطية حيث كل دولة عضو يستوجب أن تدفع مقابل العضوية وحصتها تتوقف علي مكانتها الجيو-سياسية والاقتصادية, وفي فبراير2008 وصل حجم أموال الصندوق إلي362 مليار دولار ثم وصلت إلي750 مليار دولار قبل ثلاثة أعوام. وبخلاف البنك الدولي, يقوم الصندوق بعمليات الإقراض وفقا لشروط توافق عليها الدولة العضو الراغبة في القرض, وهي الآلية السيئة السمعة المعروفة بإسم برامج الإصلاح الهيكلي ولا يقوم الصندوق بصرف دفعات مالية إلا بعد التأكد من قيام الدولة المقترضة بالإصلاحات المطلوبة وهي النقطة الخلافية اليوم في بلد مثل مصر تسعي لقرض من الصندوق ويتباري المسئولون في نفي وجود شروط بينما واقع الحال ان الصندوق يدار باعتباره مصرف مالي يقدم القروض مقابل شروط محددة. وقيمة القروض علي الصندوق تراجعت إلي.26% اعتبارا من عام2010 في مقابل1.27% في السابق فيما يقوم الصندوق بمحاسبة الدول الغنية علي الأموال التي يقترضها منها علي فائدة.25%( ربع في المائة) فقط حيث يستخدم الصندوق.1% في دفع الرواتب والإنفاق علي الأعمال اليومية للمؤسسة المالية العالمية. والمعروف أن الولاياتالمتحدة تملك16% من القوة التصويتية بالصندوق تليها الدول الكبري والسعودية)3.16%( بينما تملك المجموعة التي تقودها مصر)3.20%( والمجموعة الإفريقية بقيادة كينيا)3.01%( وأقل المجموعات للدول الفقيرة تقودها رواندا ب1.39% فضلا عن عدد كبير أخر من المجموعات في الصندوق تملك حصصا متفاوتة ولكنها أقل من حصص الدول الكبيرة بطبيعة الحال. ورغم أن الأهداف المبدئية لتأسيس الصندوق كانت مشجعة بحكم أن تروج للتوازان المالي العالمي إلا أن الواقع تحول بالمبادئ إلي شيء أخر تماما يتناقض مع تلك المبادئ حيث تناقضت سياسات الصندوق- علي سبيل المثال- مع فكرة تشجيع توظيف العمالة في الدول الصناعية وفي الدول النامية وأصبح الصندوق بإيعاز من وزارة الخزانة والدول الصناعية في الشمال أكثر تدخلا في التوجهات السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء. وقد ساند الصندوق عملية التحرير الكامل لتدفق رءوس الأموال ويري خبراء الأسواق المالية أن حرية التدفقات المالية هي واحدة من أسباب الأزمات المالية التي تضرب الدول الناشئة والنامية حيث روج الرفع الكامل للقيود علي حركة الأموال للمضاربات رغم أن هناك مادة في تأسيس الصندوق تتيح للدول الأعضاء تبني الإجراءات التي تنظم التدفقات المالية ويقول جوزيف ستجليتز العالم الشهير إن الصندوق روج بشكل خاطئ لفكرة أن تدخله قد ساهم في وضع نهاية للركود الأسيوي في نهاية عقد التسعينيات بينما واقع الأمر أن كل ركود تكون له نهاية حتمية وما فعله الصندوق هو تعميق الأزمة الأسيوية وليس العكس. أما عن مناطق تدخل الصندوق في سياسات الدول فهي ثلاث: المراقبة والمساعدة المالية والدعم الفني. وتجربة العقود الخيرة تشير إلي أن صندوق النقد الدولي ورغم الاجتماعات والمداولات السنوية للدول الأعضاء قد فشل في توقع أو مجابهة الأزمات المالية الكبري التي بدأت بشكل واضح بعد عام.1994 وقال تقرير لجنة ميلتزير التي أنشأها الكونجرس الأمريكي عام2000 إن الولاياتالمتحدة والدول السبع الكبري قد استخدموا الصندوق الدولي كأداة لتحقيق أهدافها السياسية.. وأن المساعدات المالية وخطط الإنقاذ التي اعتمدها الصندوق للدول الأعضاء قد ألحقت ضررا بالغا بالدول النامية والشعوب التي كافحت من أجل الخروج من الفقر قد فوجئت بالقضاء علي أحلامها وتبخر ثرواتها ومدخراتها وخراب المشروعات الصغيرة وتشريد عمالها دون شبكات ضمان اجتماعي لحمايتهم. وكل تلك التداعيات والسياسات المضطربة جعلت صندوق النقد يدخل القرن الحادي والعشرين في صورة غير مرضية وهو ما عجل بتخلص كثير من الدول النامية من قيود الاقتراض وسياسات الصندوق بدفع قروضها والتوقف عن طلب النصيحة مما دفع الصندوق في عام2008 إلي بيع كميات من مخزون الذهب لتمويل المحفظة المالية الخاصة به. صندوق النقد علي مدي أكثر من60 عاما هو مادة مثيرة للحنق والجدل في دول كثيرة, ولكن الخروج من قبضته ليس بالمسألة الهينة في ظل الاختلال الواضح في النظام المالي العالمي وسوف يستمر الدور الملتبس حتي تتغير قواعد اللعبة- حسب ما ورد في الكتاب الزاخر بالمعلومات وإجابات وافية عن أسئلة محيرة.