مع دخول الأزمة السورية عامها الثالث, وضلوع أطراف إقليمية ودولية في التحكم في مسارها, بعدما أثبتت التجربة المخزية أن مصير ومستقبل شعوب الدول التي أرادت التحرر من استبداد أنظمتها الداخلية مرهون بدور خارجي تتحدد أبعاده وفقا لأهمية الدولة وموقعها في نطاق الصراع العربي الإسرائيلي. وتلك هي خصوصية منطقة الشرق الأوسط التي تقع في مرمي المشاريع الأمريكية( الوريثة للمشاريع البريطانية- الفرنسية) لاختراق المنطقة. ويعد التطور الأهم في مسار الأزمة ضلوع إسرائيل طرفا مباشرا في النزاع السوري بعد الغارة التي شنتها مؤخرا علي سوريا بذريعة حماية أمنها من الأسلحة غير التقليدية التي بحوزة النظام والتي تخشي من انتقالها لحزب الله, ويبدو أن إسرائيل كانت تسعي أيضا نحو استفزاز النظام السوري وجره إلي الضلوع في مواجهة عسكرية من أجل اختبار القدرة الدفاعية السورية واستدراج إيران إلي المستنقع السوري لإستنزاف قدراتها خاصة مع اقتراب الانتخابات الإيرانية. إلا أن ذلك التطور يحمل دلالات عدة أخري بحاجة إلي إعادة استقراء المشهد السوري الداخلي برؤية مغايرة لما تم طرحه منذ إندلاع الثورة الشعبية حتي إنحراف مسارها نحو صراع واقتتال داخلي, من أجل معرفة الموقف الإسرائيلي من الصراع الدائر في سوريا. ومن أجل عدم خلط الأوراق, فإنه يجب التأكيد بداية أنه علي الرغم من وجود شبه اتفاق علي أن شخصنة النظام السوري في عائلة الأسد خلقت منه نظاما ديكتاتوريا, مما أدي إلي انتشار الفساد في جميع مفاصل الدولة السورية, ومن ثم كانت المطالب الشعبية بالتغيير مطلبا مشروعا, وأن إطلاق الرصاص علي شعب أعزل يعد جرما لا يمكن أن يمر مرور الكرام حتي ولو تم اختراق ذلك المسار السلمي من قبل جهات كانت تريد إشعال الوضع الداخلي. إلا أنه علي الجانب الأخر يجب التريث كثيرا حول ما يتردد من أن النظام السوري كان ممانعا مارقا, ذلك الاتهام الذي وجه أيضا لحزب الله الذي خاض حروبا مشرفة ضد إسرائيل, وتم الترويج لذلك من خلال إثارة قضية الجولان. في الواقع هناك فارق واضح بين نظام يكتاتوري مثل العديد من الأنظمة العربية, وبين نظام ممانع وليس حليف لإسرائيل تلك هي محور الإشكالية التي بحاجة إلي مراجعة قبل أن نسقط جميعا في غيابات إعادة تشكيل إسرائيل لمنطقة الشرق الأوسط وفقا لقاموس جديد من المفاهيم يسقط منه مفهوم المقاومة والممانعة, استهدافا للمنظومة القيمية التي يكتسي بها الجسد العربي, وبدونها سنصبح جميعاعرايا بعد أن تكسونا إسرائيل بمفاهيم تطبيعية لن تزيدنا إلا خسرانا عظيما. وكانت تلك المغالطة بمثابة الفرصة التي انتهزتها العديد من الدول في الحرب النفسية الموجهة ضد النظام السوري, سعيا لاختراق سوريا وتحويل مسار المطالب الاحتجاجية السلمية إلي نزاع مسلح بين أبناء الوطن الواحد من خلال إطلاق فتاوي تجيز الجهاد ضد النظام علي أسس طائفية من أجل سراب( الديمقراطية والحرية) علي الرغم من أنه لم نسمع مطلقا فتاوي بإجازة الجهاد داخل الأراضي الإسرائيلية, علي الرغم من تهويد الأراضي الفلسطينية وانتهاك حرمة الأقصي الشريف كما حدث مؤخرا!. تلك إزدواجية ربما تكشف عن حقائق مخزية تدور في فلك الانتقام وتخليص حسابات مع النظام السوري, فالشماتة تلك هي السلاح الذي وظفته إسرائيل جيدا من خلال علاقتها المتشابكة مع العديد من الحلفاء الإقليميين. ومن ثم فإن اتهام النظام السوري بأنه كان عميلا لإسرائيل يمكن اعتباره افتراء بالرجوع إلي التاريخ الذي يثبت أن سوريا كانت دائما في مرمي الاستهداف نظرا لمواقفها الرافضة للإنصياع للضغوط الصهيو- أمريكية, كما أنه لا يمكن إنكار الدور الهام لسوريا علي جبهات أخري, مثل فلسطين ولبنان والعراق, والدليل علي ذلك محاولة إسرائيل الاستفادة من غياب الدور السوري في القضية الفلسطينية من أجل دفعها نحو حافة الهوية, وذلك من خلال مبادرة تبادل الأراضي مع إسرائيل.