يتأكد الآن يوما بعد الآخر ومن خلال الممارسة أن جماعة الإخوان المسلمين ليست مجرد تنظيم سياسي يقبل تداول السلطة مع الآخرين من خلال الانتخابات, بل هو مشروع شامل صاغه الشيخ حسن البنا ويتابع تنفيذه قادة الجماعة جيلا بعد جيل, وقد دفعوا ثمنا غاليا من حرياتهم ودفع بعض قياداتهم حياته ثمنا لوفائه لهذا المشروع, الذي يبدأ ببناء الفرد المسلم إلي الأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم وصولا إلي الدولة الإسلامية, ليس في مصر فقط بل الدولة الإسلامية الكبري التي تشمل العديد من دول العالم. ومن هنا فإن سلطة الإخوان المسلمين الحالية ليست مجرد إدارة مؤسسات الدولة فترة محددة يودعون بعدها السلطة إذا خسروا الانتخابات, بل هي عملية جوهرها التمكين لأنفسهم في مؤسسات الدولة وفي المجتمع, تشمل بناء مؤسسات موازية تمكنهم في الوقت المناسب من إقامة دولة موازية للدولة المصرية. ومن هنا أهمية الانتباه لتصريحات وسلوكيات تبدو فردية, لكنها في الحقيقة جزء من هذا المشروع الذي وضع أسسه الشيخ حسن البنا ويجري تنفيذه الآن بكل همة, لأنه أساس مراحل قادمة في مشروع أممي محدد الملامح. وغالبا ما يتراجع أصحاب هذه التصريحات أو السلوكيات عندما يكون رد الفعل ضدها من المجتمع قويا. أود أن أشير هنا بشكل خاص إلي تجربة الثورة الإيرانية التي خاضت صراعا طويلا نسبيا ضد نظام الشاه استغرق عدة سنوات نجحت خلالها قوي الثورة الإسلامية في بناء مؤسسات موازية أو أجنحة موازية داخل مؤسسات الدولة إلي درجة أن كل معسكر من معسكرات الجيش الإيراني كانت له قيادة مزدوجة تمثل إحداها نظام الشاه وتمثل الأخري قوي الثورة الإسلامية, وتعمق الانقسام داخل معظم مؤسسات الدولة العسكرية والمخابراتية والإدارية والاقتصادية وفقد نظام الشاه قدرته علي السيطرة وأصبحت كل مؤسسات الدولة تقريبا ساحة مفتوحة للصراع علي النفوذ بين الطرفين. هكذا عندما هرب الشاه وعاد الخوميني إلي البلاد كانت الثورة متمركزة في معظم مؤسسات الدولة قبل انتقال السلطة, أما في مصر فإن الثورة الشعبية لم تستغرق أكثر من ثمانية عشر يوما تولي السلطة بعدها جزء من النظام القديم هو المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي مكن الإخوان المسلمين من الفوز بالأكثرية في مجلس الشعب من خلال إجراء الانتخابات أولا, ودخلت مصر مرحلة انتقالية من مارس2011 حتي الآن يطبقون خلالها مشروعهم بالاستيلاء علي الدولة ومؤسساتها أو ببناء مؤسسات موازية. تأتي في هذا الإطار الدعوة إلي إنشاء جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, التي تفتئت علي سلطة الدولة في علاقتها بالمواطنين وعلي حرية المواطن, لم تكن الدعوة لإنشاء هذه الجماعة مجرد تصريح هنا وهناك, بل كانت هناك محاولات عملية لقيام جماعات معينة بهذا الدور في عدة محافظات. كما يأتي في هذا الإطار إسناد عملية توزيع الخبز وبعض المواد التموينية لجماعات من حزب الحرية والعدالة لإيجاد بديل لوزارة التموين واكتساب شعبية في الوقت نفسه تفيدهم في أثناء الانتخابات. وهناك توجه لتفعيل مواد في قانون الجمعيات الأهلية لإنشاء كيان يسمح لجماعة الإخوان المسلمين بممارسة نشاطها طبقا لتصور مؤسسها باعتبارها جماعة دينية وحركة سلفية وجمعية أهلية وناديا رياضيا وحزبا سياسيا, أي الجماعة الشاملة التي تمارس النشاط في هذه المجالات لتكتسب شرعية الوجود بهذا التكوين الشمولي الذي لا ينافسها فيه أي كيان آخر, والذي يتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية التي استقرت علي أن تكون الأحزاب السياسية مؤسسات ديمقراطية لتداول السلطة, والجمعيات الأهلية مؤسسات ديمقراطية لتقديم خدمات للمواطنين أو الدفاع عن مصالحهم, أو لممارسة نشاط تربوي أو دعوي, وعدم قيام الأحزاب السياسية علي أسس دينية. يدخل في هذا الإطار أيضا تعديل قانون الأحزاب السياسية ليسمح بقيام الأحزاب علي أسس دينية وبذلك تكتسب هذه الأحزاب ميزة عن الأحزاب الأخري في المنافسة الانتخابية. علي أن أخطر ما تواجهه مصر في سعي جماعة الإخوان المسلمين للهيمنة علي الدولة أو إنشاء تكوينات موازية لها هو إيجاد بدائل موازية لأهم مقومات الدولة المصرية وهي الجيش والشرطة والقضاء, فقد تكرر الحديث عن إنشاء حرس وطني أو حرس ثوري يضم مجندين من القوات المسلحة تسند إليه مهام خاصة يتم اقتطاعها من مسئوليات الجيش أو الشرطة ويتم بذلك تأسيس كيان مواز للجيش والشرطة يتم الاستناد إليه في تعزيز نفوذ الجماعة وحلفائها. ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل, فإن أصحاب هذه الدعوة لا يتحدثون عن كيفية إنشاء هذا الحرس الثوري, ولا يفصلون مهامه, أو يحددون الجهة التي يتبعها, وكيف تتشكل قيادته. وقياسا علي تجربة إيران فإن الحرس الثوري هو أداة الإسلاميين لضمان استمرار سيطرتهم علي الحكم ومواجهة أي تهديد خارجي, وهو في الحقيقة جيش كبير مدعم بأحدث الأسلحة ولا يقل في قدراته القتالية عن الجيش الإيراني, بل هو مؤسسة عسكرية موازية للجيش يمكن استخدامها في الوقت المناسب لحماية سلطة الإسلاميين ولا تختلف عن هذا كثيرا محاولات السيطرة علي القضاء ابتداء من خفض سن المعاش من70 إلي60 سنة لعزل أكثر من ثلاثة آلاف قاض لديهم خبرات تولدت من ممارسة تزيد علي ثلاثين سنة ليحل محلهم محامون ينتمون إلي الجماعة, وبذلك تتم أسلمة القضاء. و هناك أيضا توجه أساسي لإحلال القضاء العرفي محل المحاكم الحالية. وقد قامت الجماعة بتنظيم دورات تدريبية للآلاف من أعضائها في الفصل في المنازعات ينتشرون في كل أنحاء البلاد, ويدعون المواطنين إلي الاكتفاء بحل المنازعات فيما بينهم من خلال المجالس العرفية. هذه التحركات لإنشاء مؤسسات موازية تحل محل مؤسسات الدولة المصرية الحديثة هي دعوة للعودة بالبلاد إلي الخلف والتخلف عن مواكبة العصر, وباب للهيمنة سوف يدفع ثمنه الشعب المصري غاليا. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر