هل واشنطن عاصمة لدولة مارقة نوويا؟ واقع الحال أنها ليست علي هذا النحو فحسب, بل إنها عاصمة لدولة مرائية نووية إن جاز التعبير.. لماذا وكيف؟ في ألأيام القلية المنصرمة كانت الأخبار المتواترة من العاصمة الأمريكية تشير إلي تخصيص الرئيس الأمريكي باراك أوباما, الحائز علي جائزة نوبل للسلام لمبلغ عشرة مليارات دولار من أجل تطوير القنابل النووية الأمريكية المنتشرة في القارة الأوروبية.. هل نحن إزاء أوباما آخر غير أوباما إصدار عام2010 م؟ أولا يتوجب الإشارة إلي أن القارة العجوز, لا تزال الخلفية الإستراتيجية النووية للولايات المتحدة, ففيها تتراكم الرءوس النووية. وعودة إلي السؤال المتقدم, نعم هو أوباما آخر غير الرجل الذي تعهد في عام2010 بإيقاف توسيع دائرة الانتشار النووي والأسلحة النووية حول العالم, ومن خلال الامتناع عن تطوير رءوس حربية نووية جديدة. تبقي الازدواجية الأمريكية أبدا ودوما هي الفاعل والمحرك الأول لآليات الحكم في هذا البلد الإمبراطورية, وهذا ما يتضح لقارئ ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية الأخيرة, لاسيما فيما يتعلق بحديث المليارات العشرة للنووي الأوروبي, وكيف أنها سوف تستخدم في صيانة وتطوير قنابل من نوعيةB61 ناهيك عن مليار آخر سوف يخصص لتركيب أجنحة جديدة لهذه القنابل, ما ستمنحها ميزة إستراتيجية تتمثل في إمكانية تحميلها ومن ثم إطلاقها من الطائرات المقاتلة الحديثة من طرازF35, ولا تتوقف خطط أوباما النووية عند تطوير ما هو قائم بل وضع خريطة لنشر قنابل نووية أمريكية محسنة علي الأراضي الأوروبية بحلول عام2019 .2020 كيف يمكن للمرء أن يثق في أي رؤية أمريكية وهي علي هذا النحو من الثنائية المتناقضة إلي أقصي حد ومد؟ فلينظر القارئ إلي مواقفها من فكرة إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وكيف أنها وقفت حجر عثرة في طريق المؤتمر الذي كان مقررا انعقاده في ديسمبر2012, والسبب واضح ومعروف, حماية إسرائيل. تنادي واشنطن صباح مساء كل يوم بحتمية تقليص مخاطر الأسلحة النووية من حول العالم, ولهذا نراها تتداعي باكية شاكية من كوريا الشمالية وإيران, وهي تعلم علم اليقين أن الأولي لا مقدرة حقيقية لها علي تهديدها, والثانية بعيدة حتي الساعة عن الدخول إلي مرحلة الإنتاج النووي الفعلي, وبين هذه وتلك تتعامي عن تقديرات تتراوح ما بين60 إلي400 سلاح نووي إسرائيلي. هل تدفع واشنطن العالم للتسلح نوويا لا لإخلاء الكرة الأرضية من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة الذرية؟ ذلك كذلك دون مراء, وقد قيل ذات مرة أن أمريكا بوش الابن قد احتلت العراق, لا لأن صدام حسين كان يمتلك أسلحة نووية, بل لأنه لم يكن يمتلكها بالفعل, ذلك أنه لو حازها كما الحال في كوريا الشمالية, لما جرؤت قواتها علي الاقتراب منه, والناظر لما جري في الأسابيع القليلة الماضية يري ويدهش كيف أن واشنطن أجلت من بعض مناوراتها لتهدئة الأجواء وتلطيفها مع كوريا الشمالية, رغم أن ما لديها من أسلحة خفية وظاهرة, تقليدية ونووية كفيل بسحق ومحق بيونج يانج من علي وجه الخريطة الآسيوية. في إحدي رواياته الخالدة يحدثنا الأديب الروسي الكبير أنطون تشيخوف بالقول إنه: إذا قلت في الفصل الأول أن هناك بندقية معلقة علي جدار الحائط, فإنك في الفصل الثالث حتما ستسمع دوي رصاصها من حولك ما يعني حتمية استخدامها وبالقياس فإنه طالما بقيت الثنائية الأمريكية النووية قائمة فإن الساعين لحيازتها حتي لا يعلقوا في أعواد المشانق شرقا وغربا سيزداد عدهم, وربما يجد لهم المرء أعذارا منطقية. علي أن الكارثة الحقيقية التي تهدد الزرع والضرع من حول الأرض تتمثل في أنه لا توجد إرادة حقيقية عالمية لفرض حظر عالمي علي الأسلحة النووية, ذلك أنه مادامت هذه الأسلحة موجودة, فهناك احتمال حقيقي جدا أن تستخدم, وأي استخدام لها سيأتي بعواقب كارثية, إنسانية وبيئية. ما الذي تحتاجه الإنسانية في القرن الحادي والعشرين حتي تتجنب أهوال السباق النووي القادم ولاشك لاسيما بين الأقطاب الدولية القائمة كما الحال مع الولاياتالمتحدة والأقطاب القادمة كالحال مع الصين وغيرها من عواصم دول البريكس, عطفا علي موسكو التي لم تغب عن ناظري واضعي الاستراتيجيات الدولية حول العالم؟ هناك حاجة لثلاثية من الحكمة والرحمة والشجاعة من أجل بناء مجتمع عالمي للسلام والإبداع. كم دمعة من أعين وكم آهة ألم كانت مليارات أوباما العشرة الأخير تقدر أن تمسحها أو تزيلها أمن وأمان الإنسانية لا يهمان أوباما, انه رجل الحروب السرية والسلام لا دالة له عليه وهذه هي متناقضة القدر في رجل يحمل جائزة نوبل للسلام. لمزيد من مقالات إميل أمين