رغم أن اليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت لهجوم بقنابل نووية علي مدينتي هيروشيما ونجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية عام1945, إلا أنها رفضت منذ ذلك الحين أن تمتلك نفس السلاح الذي قتل الآلاف من أبنائها. وظل موقفها ثابتا عبر عشرات السنين بالرفض التام للاستخدام العسكري للطاقة النووية رغم أن اليابان تعد من أكثر الدول تقدما في التكنولوجيا النووية وتستطيع امتلاك سلاح نووي في أقل من أسبوعين إذا ما تم اتخاذ قرار سياسي بذلك نظرا لامتلاكها كل مقومات صنع قنبلة نووية وفقا لما يؤكده الخبراء. واليوم تقع اليابان في حيرة ما بين خيارين متناقضين, الأول هو التخلي عن الطاقة النووية درءا لمخاطر ذلك النوع من الطاقة واستجابة للمطالب الشعبية المتصاعدة بوقف الاعتماد عليها, خاصة بعد وقوع كارثة فوكوشيما النووية جراء زلزال وتسونامي ضربا البلاد في مارس2011 وتسببا في تسرب إشعاعي من محطة فوكوشيما داتشي النووية في أسوأ حادث نووي منذ كارثة مفاعل تشيرنوبل الروسي عام1986. كما تواجه السلطات اليابانية أيضا ضغوطا متزايدة من قبل المنظمات المحلية المناهضة للطاقة النووية والتي تعمل بقوة في اليابان وتحشد لمظاهرات ضخمة يشارك فيها آلاف اليابانيين. ويواجه ذلك الخيار الكثير من الصعوبات أولها أن اليابان تعتمد علي الطاقة النووية في الحصول علي30 % من إمدادات الكهرباء في البلاد ولذلك فإن التخلي عنها يعني ضرورة اللجوء إلي مصادر أخري للطاقة مثل استيراد كميات هائلة من الغاز الطبيعي والفحم مما سيؤدي حتما إلي زيادة العجز في الميزان التجاري وإلي تقليص قدرتها علي الوفاء بالتزاماتها الدولية نحو الحد من انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة, فضلا عن خسارة مليارات الدولارات حال إغلاق جميع المفاعلات النووية نحو52 مفاعلا التي يعمل بها آلاف الأشخاص. الخيار الثاني هو تطوير أسلحة نووية لمواجهة التهديدات الإقليمية المتمثلة في الصين وكوريا الشمالية, فرغم أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن الشهر الماضي عن التزام بلاده بالدفاع عن اليابان من خلال' المظلة النووية' الأمريكية بعد اجراء كوريا الشمالية تجربتها النووية الثالثة, إلا أن القيادة اليابانية لم تعد تستطيع الاعتماد علي واشنطن وحدها في حمايتها من جيرانها خاصة كوريا الشمالية التي تقع الأراضي اليابانية بالكامل في مدي صواريخها التقليدية وغير التقليدية وتزيد خطورتها في المنطقة يوما بعد يوم. أما الصين فإن تنامي قوتها العسكرية في المنطقة يهدد بلا شك الأمن القومي الياباني خاصة مع استمرار الصراعات بين بكين وطوكيو حول الجزر المتنازع عليها, فضلا عن أن بعض المحللين يعتبرون اليابان هدفا قديما ومستمرا لطموحات التوسع الصينية في آسيا. فهل ستشهد السنوات المقبلة تحولا في الموقف الياباني السلمي من الطاقة النووية وهل ستتخلي عن ميراثها الدولي الطويل في عدم امتلاك أسلحة نووية؟.