حقبة' رجال مجلس الشيوخ' في السياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية, تختلف عن غيرها من الحقب السابقة في القدرة علي تجميع كل خيوط اللعبة في يد واحدة وإعادة بناء التوجه الإستراتيجي في منطقة بالغة الأهمية مثل الشرق الأوسط وهو ما يفعله اليوم جون كيري وزير الخارجية وشاك هاجل وزير الدفاع بخبرات من عضويتهما السابقة في مجلس الشيوخ والتعامل مع شئون المنطقة وملفاتها الحرجة لسنوات. في ظل الإطار الأكثر شمولا للسياسة الأمريكية في المنطقة, كانت زيارتا كيري وهاجل لعدة دول من بينها مصر وإسرائيل ودول خليجية تعبيرا عن التوجه لبناء صورة أكبر للوضع في الشرق الأوسط مع اتساع بؤر التوتر وإختلاط الأوراق في سوريا وليبيا والأراضي الفلسطينية واليمن والعراق والوضع الداخلي المرتبك في مصر- الأهم بالنسبة للسياسة الأمريكية في المنطقة اليوم. والمعروف أن كيري كان يرأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بينما خدم هاجل في لجنة الإستخبارات وفي المجلس الإستشاري للرئيس حول الإستخبارات. في الطائرة التي أقلته من القاهرة إلي أبو ظبي بعد ختام محادثاته مع وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي ثم الرئيس محمد مرسي, قال هاجل للصحفيين المرافقين أن الوضع في سيناء كان علي رأس القضايا التي بحثها مع كبار المسئولين المصريين مشيرا إلي قلق واشنطن من العناصر المسلحةMilitancy في المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل إلي جانب قضايا أخري كثيرة منها بالقطع الوضع الداخلي وصعوبة التوافق السياسي بين السلطة والمعارضة وهو ما يهدد فرص دعم الولاياتالمتحدة لعملية التحول الديمقراطي. مصدر مقرب من الزيارة قال ل الأهرام إن هاجل جاء إلي القاهرة بخبرة سابقة من التعامل مع مسئولي ملف العلاقات العسكرية بين البلدين بسبب وجوده في الكونجرس الأمريكي, وهو ما سهل كثيرا أجواء اللقاءات مع المسئولين العسكريين بينما كان اللقاء مع الرئيس مرسي هو الأول بينهما مما أفسح المجال أمام الوزير الأمريكي أن يتعرف أولا علي الرئيس الجديد ثم يجدد علي مسامعه الموقف الأمريكي الداعم للتحول الديمقراطي والتحفظات علي الوضع الراهن. وقد ترك الوزير هاجل الباب مفتوحا أمام مصر لطلب حصص بعينها في إطار برنامج المساعدات العسكرية البالغ3.1 مليار دولار لتعزيز قدراتها لمحاربة الإرهاب سواء كانت برامج تدريب أو معدات وهو ما ينسجم مع تصريحات مسئولين مصريين في الفترة الماضية من أن القيادة العسكرية المصرية هي القادرة علي التعامل مع الموقف في سيناء وينصب الموقف الأمريكي في دعم الجيش المصري في وقت تمر المنطقة بتفاعلات وتحديات من بينها الظهور القوي لجماعات مسلحة تهدد كيان الدولة نفسها وأمن الحدود ومواجهة العصابات الإرهابية. وفي شأن ما سبق, تبدو القيادة المسلحة المصرية في مرحلة' التقييم لإحتياجاتها' حسب مصادر أمريكية. ورغم حساسية الموقف الداخلي في مصر إلا أن المؤسسة العسكرية الأمريكية لا تبدو متوترة إزاء ما يحدث نتيجة وجود خيارات عديدة أمام السياسيين للتعامل مع الموقف الإقتصادي المتدهور والإنسداد السياسي وعدم رغبة السلطة في تحقيق التقارب المطلوب مع المعارضة وبالقطع الضغط السياسي هو أحد أدوات الإدارة الأمريكية ومنها التلويح بقرض' مسيس' من صندوق النقد الدولي ومنها, أيضا, التقارب مع المؤسسة العسكرية التي تراها واشنطن عنصرا لا يمكن الإستغناء عنه في تحقيق الإستقرار في المنطقة خاصة في ظل إلتزام القيادات العسكرية بالتعهدات الدولية وهو الجانب الذي أبرزته وسائل إعلام أمريكية في الأيام الأخيرة بإعتبار أن معادلة ضمان أمن إسرائيل والحفاظ علي المصالح الحيوية الأمريكية وأهمها حرية المرور في قناة السويس أهم عناصر تقييم العلاقة بين الدولتين. والأهم في زيارة الوزير' هاجل' ما سوف يرفعه للرئيس الأمريكي باراك أوباما حول الجلسة الأولي له مع الرئيس مرسي والتي يمكن أن تسهم في بناء تصور- يضاف إلي ما رفعه جون كيري- عما يجري في البلاد بعد شهور من التخبط وعدم الفهم الأمريكي للتطورات الجارية وظهور مشكلات حقيقية في طريقة إدارة الدولة وأوليات الحكم وقصور في التعامل مع مقدمات الأزمة الإقتصادية. من ناحية أخري, المهمة الأكبر في جولة هاجل, التي شملت إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات' كانت وضع اللمسات الأخيرة لصفقات سلاح جديدة مع إسرائيل والسعودية والإمارات بقيمة01 مليارات دولار والتي يري محللون في واشنطن أن الهدف منها هو تقوية القدرات العسكرية لدول حليفة في مواجهة التهديد الإيراني بعد نجاح طهران في تحقيق تقدم في عمليات تخصيب اليورانيوم وفقا للتقارير الإستخبارية الغربية. وتركز الصفقات الجديدة علي توفير حماية أكبر للبنية التحتية لصناعة البترول في دول الخليج المحتمل أن تتعرض لهجوم إيراني لو شنت إسرائيل- أو الولاياتالمتحدة- هجوما ضد المنشأت الإيرانية. في المقابل, تحصل إسرائيل علي إمكانيات أكبر للتزود بالوقود جوا تمكنها من توجيه ضربات جوية لإيران عند الضرورة وتجاوز طول المسافة بين البلدين. أنجز' هاجل' في قضية تسليح دول حليفة وإنعاش المجمع الصناعي-العسكري الأمريكي بصفقات جديدة, وفي المقابل مازالت العملية السياسية في مصر والوضع في سوريا والأمن في سيناء ملفات مفتوحة علي مصاريعها تصب في مصلحة تدخل أمريكي أكبر في صناعة القرار السياسي رغم إدعاءات تحرير صناعة القرار في دول كبري بالمنطقة- بعد الإنتفاضات الشعبية.