تمر ثورة يناير بمنعطف خطير تتعرض فيه لخطر التصفية, يساعد علي ذلك تفرق قوي الثورة, وتعدد الاجتهادات في صفوفها بما يشل حركتها ويضعف تأثيرها علي الصراع الجاري حاليا حول الثورة ومستقبلها, كما يساعد علي ذلك تراجع المساندة من الرأي العام لشباب الثورة في سعيهم إلي مواصلة الضغط علي السلطة من خلال الحشد الجماهيري في الجمع المليونية لانتزاع مكاسب جديدة تضمن استمرار قوي الدفع للثورة وتحقيق مطالبها الأساسية. إن ما يجري الآن في ميدان التحرير وشارعي قصر العيني والشيخ ريحان دليل واضح علي أن الثورة تمر بمنعطف خطير, كما أن المناقشات الجارية والإقتراحات التي تطرح يوميا وتتغير من لحظة إلي أخري حول مستقبل الثورة تؤكد هذه الحقيقة وتدعو الجميع إلي وقفة تأمل ومراجعة للنفس لإستخلاص الدروس والعبر مما جري وأوصل البلاد إلي ما هي عليه الآن من تمزق. وعلي الجانب الآخر فإن السلطة ممثلة في المجلس الأعلي للقوات المسلحة مطالبة بإعادة النظر في النهج الذي اتبعته حتي الآن في التعامل مع الأحداث, وما ترتب علي ذلك من الزج بالجيش المصري في مهام أمنية ليست من اختصاصه, مما يهدد بالانتقاص من مكانته لدي الشعب المصري, خاصة أن هذا الجيش لم يتورط طوال مائتي سنة تقريبا في أي مواقف مماثلة وحرصت قيادته أن يكون دائما درعا للشعب وحاميا للوطن. تتحمل كل الأطراف كامل المسئولية عن تجاوز هذا المأزق وضمان استمرار الثورة يستوي في ذلك شباب الثورة والأحزاب والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمجلس الأعلي للقوات المسلحة, ولعل الاقتراحات التي طرحت في الأيام القليلة الماضية والتي تدور كلها حول إنهاء المرحلة الانتقالية في أسرع وقت ممكن بإجراء إنتخابات مؤقتة لرئاسة الجمهورية في يناير أو فبراير2012 تفتح الطريق أمام تحقيق هذا الهدف. هناك من يقترح أن يتولي رئيس مجلس الشعب منصب رئيس الجمهورية المؤقت لمدة ستين يوما تجري بعدها انتخابات رئيس الجمهورية, وهناك من يقترح أن تجري انتخابات مجلس الشوري في مرحلة واحدة وليس ثلاث مراحل يتم بعدها انتخاب رئيس الجمهورية في موعد أقصاه شهر مارس2012 وهناك من يقترح تعدبل الإعلان الدستوري لإلغاء مجلس الشوري والبدء فورا بعد إنتهاء المرحلة الثالثه من إنتخابات مجلس الشعب في تنظيم إنتخابات رئاسة الجمهورية. هذه الإقتراحات المتعددة تصب كلها في مجري واحد هو انتهاء المرحلة الإنتقالية أوائل عام2012 وتسليم السلطة إلي مجلس تشريعي منتخب ورئيس جمهورية منتخب وعودة الجيش إلي مهامه الأصلية في حماية الأمن القومي وحدود البلاد, يقف مطلب استمرار الثورة وتحقيق أهدافها الرئيسية خلف مسألة انتهاء المرحلة الإنتقالية مبكرا لأن استمرار النهج الحالي في إدارة المرحلة الإنتقالية بما ترتب عليه من مخاطر وتداعيات يهدد بتصفية الثورة كما أوضحت من قبل, ولن يتحقق هذا الهدف ما لم تتوحد كل القوي السياسية والشعبية والشبابية خلف مطلب استمرار الثورة وتعبئ قواها من أجل الضغط الفعال ليتحقق هذا الهدف وهو ما يحتم علي هذه القوي أن تؤسس جبهة استمرار الثورة وأن تضم إلي هذه الجبهة كل القوي والفعاليات التي تناضل الآن في كل الميادين من أجل استمرار الثورة. يجب أن تضم هذه الجبهة القوي الإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية, واستعادة الوحدة النضالية لهذه القوي كما كان عليه الحال في يناير وفبراير2011, إن إستعادة الوحدة النضالية لكل قوي الثورة شرط ضروري لضمان إستمرار الثورة. المقصود باستمرار الثورة هو تصفية النظام السياسي القائم واستبداله بنظام سياسي جديد يحقق السيادة للشعب, ويقيم سلطة الشعب علي أسس ديمقراطية, ويعيد بناء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والأمنية والاقتصادية بما يحقق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ولكي يتحقق هذا التحول الديمقراطي في مصر يتعين إنجاز المهام الأساسية الآتية: 1 استكمال انتخابات مجلس الشعب والاعتراف من جميع القوي بنتائجها باعتبارها تعبيرا عن الإرادة الشعبية في هذه المرحلة وممارسة مجلس الشعب لدوره في إصدار القوانين ومراقبة الحكومة وتحديد السياسات العامة بإعتباره السلطة التشريعية2. تشكيل لجنة إعداد الدستور وفق معايير استرشادية تتوافق عليها كل قوي الثورة لضمان أن تأتي هذه اللجنة تعبيرا عن كل مكونات الشعب المصري وفئاته الاجتماعية لضمان أن يجسد الدستور الجديد إرادة هذا الشعب ومصالحه المشتركة والانتهاء من عمل اللجنة بأسرع وقت ممكن والالتزام بتطبيق الدستور الجديد فور الانتهاء من إعداده بتشكيل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والسياسية وفقا لأحكامه3. انتخاب رئيس الجمهورية من خلال انتخابات تنافسية ديمقراطية تعزز الثقة برئيس البلاد باعتباره رمزا لسيادة الدولة وحكما بين السلطات. 4 ضمان الاستقلال الكامل للسلطة القضائية باعتباره شرطا ضروريا للانتقال بالبلاد إلي الوضع الديمقراطي المنشود.5 التزام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتسليم السلطة إلي هذه المؤسسات فور انتخابها. ومن خلال هذه المهام الأساسية فإن العديد من الإجراءات يجب أن تتخذ لضمان الانتقال من الوضع الحالي إلي النظام السياسي الجديد وفي مقدمتها: إعادة هيكلة أجهزة الأمن بما يكفل ممارستها لدورها في إطار الإلتزام بسيادة القانون وحقوق المواطنين وكفالة أمن المجتمع وأمن المواطنين في الوقت نفسه. الإفراج فورا عن كل المعتقلين وإلغاء الأحكام الصادرة بحق المدنيين من المحاكم العسكرية وإعادة محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعي والتوقف عن إحالة المدنيين إلي محاكم عسكرية. وضع نظام عادل للأجور يقوم علي حد أدني1500 جنيه شهريا بما يكفي لإعالة أسرة من أربعة أفراد في معيشة كريمة, وحد أقصي لا يتجاوز خمسة عشر ضعف الحد الأدني. إعطاء أولوية وفق جدول زمني محدد للتجاوب مع مطالب الفئات الإجتماعية المتعلقة بالظروف المعيشية. إن استمرار الثورة ليس فقط في الجوانب السياسية ولكنه يشمل أيضا الجوانب الإقتصادية والإجتماعية والأمنية والتشريعية بما يشعر المواطنين أن ما خرجوا من أجله يوم25 يناير يتحقق علي أرض الواقع. ومن واجب كل القوي السياسية والشعبية والشبابية أن تعمل بكل إخلاص وأن توحد جهودها من أجل هذا الهدف حتي لا تضيع أرواح الشهداء وآلام المصابين سدي. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر