وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    تعرف على استخدامات شات جي بي تي    نتيجة الشهادة الإعدادية البحيرة 2024.. موعد الظهور وكيفية الحصول على الدرجات    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل اكثر كفاءة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    الخميس آخر يوم فى الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تبشر المواطنين    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    جدول مباريات الدوري المصري اليوم والقنوات الناقلة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون.. بين الدعوة والسياسة
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 04 - 2013

خرج الإسلاميون الذين استطاعوا أن يصبحوا في عقود قليلة أكثر التيارات تأثيرا ونموا في العالم الإسلامي من رحم الربيع العربي, وأدت ثورة25 يناير لدخول أبناء الحركات الإسلامية للساحة السياسية,
وتبدلت مواقع الإسلاميين من صفوف المعارضة إلي مقاعد الحكم والسلطة, ومن الاشتغال بالدعوة إلي الانخراط في السياسة.
وكانت النتيجة أن تعرضت الدعوة لكثير من الضربات المتلاحقة نتيجة بعض الممارسات المضطربة لبعض المنتسبين للتيار الإسلامي, والتي أصبحت سببا في الهجوم علي الدعوة والدعاة, فضلا عن تأثير الخلاف والآراء المتناقضة بين الإسلاميين أنفسهم, وصاحب ذلك فتاوي وآراء تتحيز لطرف علي آخر, وكل ذلك أفقد الثقة في بعض من يتصدون للدعوة, وهو ما حذر منه علماء الإسلام الذين تباينت آراؤهم حول تأثر الدعوة باشتغال الإسلاميين بالسياسة.. ففي حين اتهم فريق السياسة بأنها سحبت البساط من تحت أقدم الدعاة, استنكر آخرون الدعوات التي تطالب بفصل الدين عن السياسة مؤكدين أن الإسلام دين ودولة يشمل كل نواحي الحياة, ورفض الجميع أن تنسب أخطاء بعض أبناء الحركة الإسلامية للدين نفسه, لأنها أخطاء بشر ولا يمكن لبشر مهما كان أن يكون حكما علي الإسلام. لأن الإسلام هو الحكم علي الجميع.
وفي ظل تباين الآراء بين المنتمين الي الحركات الإسلامية حول الانتقال من الدعوة إلي الله داخل المساجد الي المنافسة في حلبة السياسة وما احدثه من انشقاقات واختلافات عديدة داخل كيان الدعوة, نستطلع آراء علماء الدين حول مستقبل الدعوة الإسلامية بعد اشتغال الكثير من الدعاة بالعمل السياسي, ونتساءل هل الإخفاق في تحقيق نجاحات سياسية يأتي خصما من رصيد الدعوة الإسلامية, أم أن مستقبل الحركات الإسلامية موقوف علي مدي فاعلية دورها في الحياة السياسية في المرحلة المقبلة, وكيفية تعاملها مع الفصائل السياسية التي تختلف معها في الأفكار والتوجهات والمعتقدات.
في البداية يقول الدكتور زكي عثمان الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر أنه بعد ثورة25 يناير وقعت خلافات وإختلافات كثيرة في مجال الدعوة, وإذا كانت الاختلافات مقبولة, فإن الخلافات في مجال الدعوة مرفوضة ولا نقبلها بأي صورة من الصور, لأن الخلاف دائما يؤدي إلي التنازع والتقاطع والتشرذم والفوضي, وهذه الأشياء تعتبر من أكبر المعوقات في مجال الدعوة, وهذا ما تجلي بعد ثورة25 يناير, فوجدنا في المساجد هرجا ومرجا وتعاركا وشجارا بين الدعاة وبين الجماهير, وذلك بعد ان أقحم الداعية نفسه في خط يشوبه السواد والظلام أو بالأدق خط منحرف, لذلك فإنك لا تجد آذانا واعية للدعاة بل إن الجماهير والمصلين في الكثير من الأحيان يجبرونهم علي النزول من علي المنابر, وهذا يرجع إما إلي وجود تيارات تسعي لذلك أو تنفخ نار الفتنة وإما أن يكون الدعاة ليسوا علي بصيرة في توجيه أمورهم والاستفادة من جوانب دعوتهم.
ويلفت الدكتور زكي عثمان إلي أنه قبل وبعد الثورة كانت بوادر الفتنة تخرج ما بين التحليل والتحريم والتكفير والتفسيق وما بين إخوان وسلفيين وجهاديين وجماعات إسلامية ومتصوفة وأزهريين, وأصبحنا في بؤر فساد كلامي ولم تعط الدعوة ثمارها, فالمساجد تحولت إلي سياسة وأصبح الدعاة يدفعون الثمن غاليا ولم يجدوا مادة التأثير العاطفي لأن القلوب قد تشبعت بالسياسة والخلاف والتنازع والفشل, ولن أكون مبالغا حينما أقول إن الدعوة فقدت كثيرا من العناصرالإيجابية التي من الممكن أن تحرك المجتمع وتصحح ما أصابه من خلل وفوضي مدمرة, وأصبحت الدعوة بذلك لا تقدر علي علاج النفوس والقلوب المريضة ولا الأحاسيس المتبلدة, بل صارت الدعوة في واد والدعاة في واد آخر يمتلئ بالهموم والكروب, وإذا تساءلنا: هل قدم الدعاة حلولا لهذه المشاكل المتراكمة؟ كانت الإجابة: لا, لأنهم يواجهون تيارات تحتاج إلي سباح ماهر والمهارة تتمثل في فقه الواقع الذي غاب في الوقت الحالي.
التناقض يفقد الثقة
من جانبه يري الدكتور محمد المختار المهدي عضو هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية, أن أخطر ما تعرضت له الدعوة الإسلامية في الفترة الأخيرة هو المواقف السياسية المتناقضة, التي جعلت المواطن يفقد الثقة في بعض الدعاة, وقال: للأسف بعض القيادات الدعوية فقدت مصداقيتها عندما عملت بالسياسة, وأشار إلي أن المواقف المتضاربة أدت إلي زعزعة الثقة والمصداقية لكن بقي الدعاة الحقيقيون البعيدون عن المطامع السياسية في المكانة اللائقة بهم, والمؤكد أن الأزمات والمحن تفرز الصادق من المنتفع, كما أن الشعب المصري لديه وعي شديد ويستطيع أن يميز بين من يتحدث بإخلاص وتجرد ومن يتحدث للشهرة, فإذا كان القرآن الكريم تحدث عن العالم وفضله فإنه يخص العالم العامل الذي أثر فيه العلم فظل طوال الليل قانتا وساجدا لله رب العالمين, وهذا قول الله تعالي أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب, لكن كثيرا من الناس لا يلتفت في الآية إلا لقوله تعالي هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون, ويظن البعض أن الحديث هنا عن العلم في حد ذاته رغم أن المقصود هنا العلم الذي أثر في صاحبه, فالعالم الذي ينذر نفسه للدعوة إلي الله عز وجل وليس إلي فئة أو حزب أو جماعة هو الذي تحتاح إليه الأمة اليوم, لكن الخلافات التي تحدث من فترة لأخري تنبئ عن أن هناك فريقا ممن كانوا يظن فيهم الخير يريدون الزعامة ولذلك نجد دائما من يدعون أنهم علي علم لا يوجد عند غيرهم, فالأمة تحتاج حاليا إلي الثوابت التي تجمع ولا تفرق.
سياسيون وليسوا دعاة
ولكن الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, له رأي مغاير, ويؤكد عدم تأثر الدعوة باشتغال أبناء الحركة الإسلامية بالسياسة, وأرجع رأيه إلي أن الذين اشتغلوا بالسياسة لم يكونوا في يوم من الأيام دعاة, إلا أن يكونوا اتخذوا الدعوة مطية للوصول إلي بغيتهم من العمل في السياسة, ومن المتيقن أن الكثير من الدعاة إلي الله تعالي يمارسون ما تمليه عليهم هذه الدعوة ويحتسبون الأجر عند الله وحده, طمعا فيما أعده للدعاة وأخبر عنه رسوله صلي الله عليه وسلم في قوله في الحديث الشريف لئن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم, بل إن هناك كبار العلماء في مصر يقتطعون من وقتهم الذي هو أثمن من الماس ما يجيبون فيه علي أسئلة الناس في أمور الدين والدنيا, ويصلحون فيه ما فسد بين الناس من علاقات ويرأبون الصدع بين المتخاصمين, ويخففون من آثار الخلاف بين المختلفين, ويوجدون الحلول الإسلامية لكثير من المشكلات, كل هذا وغيره ابتغاء وجه الله تعالي, لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا, وهذا نهج كثير من علماء الأزهر وغيرهم, وقد نأي هؤلاء بأنفسهم عن الاشتغال بالعمل السياسي, ولم يطمح أحد منهم إلي نيل درجة فيه, فأخلصوا النية والتوجه للدعوة إلي الله تعالي, وأفنوا فيها جهدهم ووقتهم, فبارك الله لهم في وقتهم وعمرهم وعلمهم وذريتهم فكانوا بحق ورثة الأنبياء في الدعوة إلي دين الله تعالي.
والأمر نفسه أكده الشيخ صلاح نصار إمام الجامع الأزهر السابق قائلا: أن الإسلام لا يمثله شخص وأن أخطاء المسلمين لا يصح أن تلحق بالإسلام, وقال إننا نحتكم للإسلام كدين والدين لا يمكن أن يمثله شخص ولا يتمثل في شخص لأنه لو كان متمثلا في شخص لكان خطأ هذا الشخص ينسب للإسلام والإسلام لا خطأ فيه, مشيرا إلي أنه يؤكد دائما علي أن المرشحين باسم الإسلام في أي انتخابات لا يمثلون الإسلام, وإذا حكمنا الإسلام فكلنا يرضي بحكمه ونرفض أن يحكمنا شخص باسم الإسلام.
لا لتسييس الخطب
وطالب الدكتور يسري هانئ أستاذ الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر الأئمة والدعاة وخطباء المساجد بعدم التحيز لفئة أوجماعة داخل المسجد, وألا يلبس الداعية ثوبا حزبيا وإنما إذا جلس علي كرسي الدرس أو صعد المنبر يشرح الإسلام للناس جميعا بطريقة لا تجعله يتوافق مع رأي جماعة أو فئة, وهذه وصية للدعاة وخطباء المساجد بألا يجعلوا الدروس والخطب في المساجد سياسية, بل علي الداعية أن يحرك القلوب ويغرس التقوي في نفوس الناس,لأنه إذا استقامت القلوب استقامت الدنيا كلها سياسيا وإقتصاديا وإعلاميا, وهذا ما كان عليه المسلمون طوال العصور الماضية.
وأشار إلي أن الدين الإسلامي جاء شاملا يسير الحياة في جميع نواحيها ونزل القرآن الكريم يبين ذلك في قوله تعالي اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا, وكذلك قوله تعالي ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشري للمسلمين, والرسول صلي الله عليه وسلم لم يفرق بين عمل دعوة وعمل سياسة, ولم يثبت عنه أنه فصل بينهما وقال هذا للمسجد وهذا لغير المسجد, بل مزج بينهما مزجا يستحيل الفصل بينهما إلا كما تفصل الروح عن الجسد, فكما كان صلي الله عليه يصلي بالمسلمين ويخطب الجمعة كان يقضي بين الخصوم ويكتب العهود والمواثيق ويقابل الوفود ويبعث السفراء بكتبه إلي الملوك, وبالتالي فالقول بأن العمل بالسياسة ضيع الدعوة قول يحتاج إلي وقفة, فإن كان العمل بالسياسة يسعي لإعادة شرع الله الحاكم والإسلام الذي يستفتي في كل شئ فذلك صلب الدعوة وعمل الداعية.
إفك وافتراء
علي الجانب الآخر أكد عدد من علماء الدين أن ما يتردد عن تأثر الدعوة الإسلامية باشتغال أبناء الحركة الإسلامية بالسياسة حديث إفك وكذب, وأشاروا إلي أن الدين لا يمكن فصله عن السياسة. وقال الدكتور مصطفي مراد أستاذ الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر أن الإسلام دين ودولة وسياسة واقتصاد واجتماع وتربية وإعداد للرجال وبناء للبلاد, وإقامة حضارة وإحياء أمجاد, ولا يكون هذا إلا إذا توافرت الخصائص العامة لهذا الدين ومنها الوسطية والواقعية والمثالية والعالمية والتنوع والتكامل, وهذا لأن الإسلام ما جاء لقوم دون قوم ولا لفئة دون فئة ولا لجيل دون جيل, بل هو للخلق أجمعين, للعصور كافة زيادة علي تمتعه بالتطور في شرائعه وثبات في عقيدته, والإسلام بهذه النظرية العالمية الشاملة كان سبب نجاح المسلمين في العصور الأولي من الإسلام, وأقبل الناس عليه لما له من مزايا ليست في أديانهم ولا في أفكارهم.
ويضيف أن الغرب دائما يتعجب من شمولية هذا الدين لكل شئ, وهذه سمة من سمات الإسلام, لأنه لا يوجد تعارض بين الدين والعلم وواقع الحياة, كذلك فإن الغرب رأي التقدم الإسلامي الذي كان جليا في الحضارة والثقافة علي أرض الأندلس, بالإضافة إلي أنهم لم يجدوا في الإسلام الدولة الدينية التي تحكم بسلطة الحق الإلهي وهذا ما لا يعرفه الإسلام ولا يرضي به, مشيرا إلي أن الدين الإسلامي المحفوظ من العبث والزيادة والنقصان لا يعتريه التناقض مع العلم أوالعقل, لأن العلم من الله والإسلام من الله, وهما يجتمعان ولا يختلفان ويتعاونان ولا يتعارضان.
ويشير إلي أن البعض ينظر إلي التقدم في الغرب ويظن أن النجاح والتقدم والحضارة والثقافة لا يكون إلا بأخذ منهج الغرب حلوه ومره وخيره وشره بغض النظر عن الفارق وظروف كل مجتمع, ولذلك نادوا بالعلمانية القائمة علي فصل الدين عن الدولة وحبس الدين في دور العبادة وإبعاده عن الحياة سياسيا وإقتصاديا وعلميا وعسكريا, وطالبوا بأن يظل الدين داخل دور العبادة فقط, ولذلك نجد أن كثيرا من الغرب لا دينيون, وهذا هو المفهوم الحقيقي للعلمانية وهو اللادينية.
البشر ليسوا حكاما علي الدين
ورفض ما يذهب إليه البعض من جعل أخطاء بعض أبناء الحركة الإسلامية بإعتبارها أخطاء علي الدين نفسه وجعلوا هذه الأخطاء عنوانا للإسلام حتي ينفروا الناس من النظام الإسلامي, بل إن بعضهم أعلنها صراحة تسقط الدولة الإسلامية, وأصبح هناك هجوم علي الإسلام نتيجة إنتشار بعض الأخطاء التي تقع من بعض أبناء الحركات الإسلامية الدعوية وهي أخطاء تقع من بشر, وإن كنا ننكر علي هؤلاء سواء كانوا من أبناء الجماعات الإسلامية أو الإتجاهات الدينية, فإننا في الوقت نفسه لا نحمل الإسلام هذه الأخطاء, ولا نرضي أبدا أن تلصق بالإسلام لأنه بريء من أفعال هؤلاء,وهذ المشكلة عند بعض المتمذهبين بالمذاهب الشرقية أو الغربية اليسارية أو اليمينية, لأنهم يحملون أخطاء بعض أبناء الحركة الإسلامية علي الإسلام, والإسلام لا يقر لهم بذلك, وعليهم أن يعرفوا أن الإسلام من الله وما كان من الله خير كله وفيه صلاح البشرية في العاجل والآجل.
ودعا الدكتور مصطفي مراد إلي الرجوع والاستشهاد بعصر النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مرورا بالدولة الأموية والعباسية, فحتي نهاية عصر الدولة العثمانية في عام1924 لم يحدث فصل للدين عن الدولة بل كان الدين متعلقا بالسياسية والإقتصاد وسائر شئون الحياة, وما تخلفنا بل كنا حتي هذه الفترة أفضل حالا من غيرنا, فهل يجوز لنا أن نطيح بهذه القرون التي شهدت عزة وكرامة وتقدما ورقيا متأثرين ببعض الأخطاء في بعض الجوانب, وهل يصح أن نلقي بهذه القرون في البحر وننظر إلي هذه الفترة القليلة التي تم فيها خداعنا وغشنا, فالغرب الذي يهرول إليه البعض راسب وفاشل في النواحي الإجتماعية وهناك كساد وإفلاس,ولولا أموال المسلمين المخزنة في بنوك أوروبا والتي هي في الأساس مسروقة من بلادنا, ولولا التحالف الأمريكي الأوروبي لسقطت أوروبا في ساعات, حتي في الجانب السياسي فالغرب فاشل لأنه لا يرضي بالديمقراطية إلا لأبناء دينه أما من خالفوه في الدين أو في الفكر فإنه يحاربه, فأين الديمقراطية والحرية التي يزعمون وأين حقوق الإنسان ولماذا يعتقل عشرات الآلاف من المسلمين في سجن أوروبا وأمريكا, ولابد أن يعرف هؤلاء أن الدعوة مستقلة بنفسها لا تحسن الدخول في القلاقل لأنها قائمة علي جمع الكلمة ووحدة الصف ونفع الغير أيا كان دينيه أو لونه.
رأي مؤيد
وإذا كان علماء الدين انقسموا بين مؤيد للتأثير السلبي لاشتغال التيارات الاسلامية بالعمل السياسي ومعارض لهذا الطرح فان القيادات الدعوية بالجماعات الاسلامية وفي القلب منها جماعة الاخوان المسلمين يرون عكس ذلك, ويعبر عن تلك الرؤية الدكتور عبد الخالق الشريف مسئول نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين إن السياسة جزء من الدعوة ولا يمكن للدعوة أن تؤدي نتائجها إلا إذا سلم الجانب السياسي, ويشير إلي أن الجانب السياسي إذا لم يكن متوفرا فهو معوق للدعوة, فعلي سبيل المثال, النظام السابق كان يغلق المساجد بعد الصلاة مباشرة, وكان يمنع الناس من الاعتكاف, حتي الصلاة التي لا تمس الدولة كان يضيق علي المصلين وكانت تصدر توجيهات لخطباء المساجد بما يقولون, فالسياسة إذا جاءت مخالفة ولا يحمل أصحابها التوجه الإسلامي فإنها كانت تعيق الناس عن حقيقة الصلاة, فما بالنا بالأمور الأخري كتحريم الربا والظلم والرشوة وغير ذلك, بلا شك الفساد سيكون أكثر.
ويؤكد أن الدعوة لم تتأثر أبدا وهذا أمر ظاهري, لأننا حينما نذهب للناس ونقول لهم انتخبوا فلانا لأنه من التيار الإسلامي, فهذه دعوة, فلا يوجد سياسة ودين وهذه المقولة المغلوطة التي حفظها البعض من أوروبا لا تصلح أن تطبق علي الإسلام, وأقول لمن يدعي أن الدعوة تأثرت بالسياسة ويطالبون بفصل الدين عن السياسة, كفي تقليدا للغرب وكفي بهتانا, فالسياسة جزء من الدين, وعندنا علم يدرس في الفقه اسمه السياسية الشرعية, فإسلامنا اقتصاد وعقيدة وأحكام أسرة وعبادات وأخلاق وهو دين شامل كامل لا يعرف هذه التقسيمات.
علي العكس يري الشيخ كرم زهدي القيادي السابق بالجماعة الإسلامية أن الدعوة الإسلامية تأثرت بالفعل بهجر الدعاة وانصرافهم عن أصول الدعوة السليمة ومبادئ الشريعة الغراء إلي منازعة المعتدين ومواجهة المارقين وفوق كل ذلك إنخراط الدعاة في المعترك السياسي الملئ بمبادئ العلمانية والمادية والتي تصيب أصحابها بسوء الأخلاق وغلظة الحوار وفظاظة الجدال, وأضاف قائلا: نعم تأثرت الدعوة كثيرا نتيجة اشتغال أبناء الحركة الإسلامية بالسياسة وحين تركها أصحابها زاعمين أن مهمة الدعوة هي فرض الدين علي الشعوب, وهي ليست كذلك لأن بيان الحق لا يكون إلا بحسن الخلق وسماحة الخلق ولأن الإيمان لا يدخل القلوب إلا بأمر الحق سبحانه وتعالي ودعوة الخير في روعة البيان لذا فإن الله قال مخاطبا الدعاة والعلماء قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني, وكذلك قوله تعالي ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.