مرة أخري يثور الجدل في بلادنا حول الموقف من وثيقة من وثائق الأممالمتحدة المتعلقة بالمرأة.. فعن الجلسة السابعة والخمسين للجنة وضع المرأة بالأممالمتحدة المنعقدة في4 51 مارس3102 م صدرت الوثيقة المتعلقة باستخدام العنف ضد المرأة.. تلك الوثيقة التي أيدها المجلس القومي للمرأة.. وعارضتها جهات كثيرة, تتبني المرجعية الإسلامية في النظر الي قضية المرأة ومنها الأزهر الشريف.. ولأن المنهج العلمي في دراسة القضايا الخلافية, يحتم الرجوع الي المصادر الأصلية والرسمية, وليس الي السماع والعنعنات, فإن النظر في نص الوثيقة الختامية المتفق عليها والتي أرسلها المجلس القومي للمرأة الي أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر سيكون السبيل الي ابداء الرأي الموضوعي في منظومة القيم التي جاءت بهذه الوثيقة, ومن ثم عرضها علي الفطرة الإنسانية, التي تجمع مختلف الفرقاء في بلادنا. وأكثر ما يثير الجدل في هذه الوثيقة أنها: تحث الدول باسم المنظمة الدولية في المادة الرابعة عشرة, علي استبعاد الأعراف والتقاليد, بل والدين, كي تكون هذه الوثيقة هي المرجعية الوحيدة, وليست الأعراف ولا التقاليد ولا الدين.. فتطلب هذه المادة بالحرف : أن تمتنع الدول عن التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية لكي تتجنب الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بما جاء في هذه الوثيقة. ومعني هذا: إلزام الحضارات الإنسانية والقوميات والثقافات باتخاذ هذه الوثيقة مرجعية بديلة لخصوصياتها الدينية, ولما في ثقافاتها الوطنية والقومية من عادات وأعراف وتقاليد. ويتكرر الحديث في هذه الوثيقة عن برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي صدر عن مؤتمر القاهرة في سبتمبر4991 م, باعتباره المرجعية التي تفسر وتؤكد منظومة القيم الواردة بهذه الوثيقة. ولقد تحدثت هذه الوثيقة في المادة الثانية والعشرين عن ضرورة احترام وتعزيز الصحة الجنسية والانجابية, والوفاء بها, وفقا لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية. ولان مصطلحات الصحة الجنسية والإنجابية غامضة لدي جمهور الناس مع أنها أكثر المصطلحات تكرارا في هذه الوثائق فإن الرجوع الي برنامج عمل مؤتمر السكان في الفصل السابع يقول لنا: إن المراد هو إباحة النشاط الجنسي المسئول وليس الشرعي وذلك بالنسبة لكل الناشطين جنسيا من الأزواج.. والأفراد.. من الفتيان والفتيات.. من المراهقين والمراهقات.. من جميع الأعمار, بحيث تصبح الممارسات الجنسية بالنسبة لكل الناشطين جنسيا حقا طبيعيا مثل الحق في الغذاء.. وبنص ما جاء في هذا الفصل السابع عن هذه الصحة الجنسية والإنجابية: فإنها حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة, المنطوية علي أن يكون الأفراد , لاحظ تعبير الأفراد.. وليس الأزواج] من جميع الأعمار, أزواجا وأفرادا, فتيانا وفتيات, مراهقين ومراهقات, قادرين علي التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة, هي كالغذاء, حق للجميع, ينبغي أن تسعي جميع الدول لتوفيره في أسرع وقت ممكن, في موعد لا يتجاوز5102 م. أي أن جميع الدول مطالبة من الأممالمتحدة بتحقيق هذه الإباحية الجنسية, كحق للجميع, رجالا ونساء, أزواجا وأفرادا, فتيانا وفتيات, مراهقين ومراهقات, من جميع الأعمار, بشرط أن تكون هذه الممارسات الجنسية مأمونة بصرف النظر عن شرعيتها ومشروعيتها, أي بشرط ألا تؤدي للإصابة بالإيدز!.. بل لقد تجاوزت وثيقة برنامج عمل مؤتمر السكان هذا المستوي من الإباحة الجنسية الي الحد الذي دعت فيه في الباب السابع ذاته الي التدريب والترويج والتعزيز لهذا السلوك الجنسي المأمون والمسئول!.. بل ووصلت هذه الوثيقة الأخيرة الي الحديث عن ضرورة الدعم المؤسسي للبنات المتزوجات بالفعل, والحوامل بالفعل.. والمراهقات الحوامل, والأمهات الشابات!!.. هكذا, بنات في الوقت نفسه متزوجات وبنات هن في الوقت ذاته حوامل!.. لهن حقوق الدعم المؤسسي في النشاط الجنسي, والحمل, وتنظيم النسل, والإجهاض الآمن!!.. وبعد هذه الإباحية الجنسية للجميع من جميع الأعمار دعت هذه الوثيقة الأخيرة الي ما دعا إليه برنامج عمل مؤتمر السكان.. دعت الي تحريم وتجريم الزواج المبكر والحيلولة دون حدوث الزيجات المبكرة, بل والقضاء علي هذا الزواج المبكر! أي إن هذه الوثائق قد دعت الي تحريم وتجريم الزواج المبكر, بعد تشريعها للنشاط الجنسي المبكر للجميع, من كل الأعمار أي أن الزنا المبكر قد غدا البديل للزواج المبكر.. بل وللزواج بشكل عام!!.. وكارثة أخري من كوارث هذه المنظومة القيمية الغربية والغريبة بل والشاذة تمثلت في أن هذه الوثيقة الأخيرة, بدلا من أن تدعو الي تكامل المرأة مع الرجل, رأيناها تتحدث عن حق المرأة في أن تتحكم , أي والله تتحكم] وأن تبت بحرية ومسئولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية والانجابية.. فجسدها ملكها وحدها, تتحكم في نشاطه الجنسي المأمون.. وفي الحمل.. وفي الإجهاض الآمن.. دون مراعاة لأي أعراف أو عادات أو ديانات أو عائلات.. فمصطلح التحكم في هذه الوثيقة قد غدا البديل لمصطلحات الانصاف والتحرير والتكامل والمساواة!.. ولأن هذه الوثيقة الجديدة مثلها كمثل برنامج عمل مؤتمر السكان قد دعت إلي أن تكون هذه المرجعية الغربية بديلا للديانات والأعراف التي آمنت بها وتعارفت عليها الثقافات والحضارات.. فلقد طالبت بدمج المرأة في المجتمع دمجا كاملا, وبدمج الرجل في المنزل.. فطالبت بتشجيع المشاركة المتساوية.. فيما يتعلق بتربية الأطفال والأبوة والأمومة والعمل المنزلي.. والعمل علي تغيير السلوكيات التي تدعم تقسيم العمالة علي أساس الجنس.. فالتمايز الفطري بين الأنوثة والذكورة, والتكامل الفطري بين عمل الرجل وعمل المرأة, هو بنظر هذه الوثيقة تمييز بل وعنف ضد المرأة!.. ولأن هذه الوثيقة قد دعت إلي أن تتحكم المرأة في كل شئونها حتي الجنسية والإنجابية وتحدثت عنها كفرد وليس كجزء من أسرة كما دعت الي طي صفحات الأديان والأعراف.. فلقد طالبت بإعطاء المرأة الحق المطلق في حرية التنقل.. ومنها حرية السفر وترك الأسرة دون وفاق أو استئذان!.. وحتي تلزم الأممالمتحدة جميع الدول, بصرف النظر عن ثقافاتها ودياناتها وعاداتها وأعرافها, بهذه القيم الغربية.. والغريبة, سعت من خلال هذه الوثيقة الي مطالبة الدول التي سبق وتحفظت علي بعض المواد في الاتفاقيات السابقة ومنها اتفاقية( السيداو) سنة9791 م وأغلبها دول إسلامية ومعها الفاتيكان سعت الي مطالبة هذه الدول بالتنازل عن تحفظاتها, لكي تصبح هذه الوثائق الغربية, بقيمها الغريبة والشاذة المرجعية الوحيدة المتحكمة في السلوك البشري.. فدعت الي الحد من أي تحفظات علي اتفاقية السيداو.. والي عدم إبداء أي تحفظات لا تتفق مع الهدف والغرض من هذه الاتفاقية, ومراجعة تحفظات هذه الدول بشكل منتظم بغية سحب هذه التحفظات, وذلك لتنفيذ هذه الاتفاقيات بالكامل علي البشرية جمعاء. واذا كانت منظمة الأممالمتحدة لم تقدم أحدا من تجار الحروب, الذين أبادوا البشر والشجر والحجر, وقتلوا وشردوا عشرات الملايين في فيتنام, وفلسطين, والعراق, وأفغانستان, والبوسنة والهرسك.. لم تقدم أحدا من هؤلاء الي محكمة الجنايات الدولية.. فلقد طالبت في المادة الخامسة من هذه الوثيقة الجديدة بتقديم الرجل الذي يعاشر زوجته دون رضاها الي محكمة الجنايات الدولية, معتبرة هذا العمل جريمة حرب, وجريمة ضد الإنسانية, تماثل جرائم الإبادة الجماعية أو التعذيب!!. هكذا تحدثت وثيقة الأممالمتحدة الأخيرة عن المرأة.. وعن ما اعتبرته عنفا ضد المرأة.. فأعادت الإنتاج وتأكيد منظومة القيم الغربية والغريبة بل والشاذة داعية الي التزامها.. بل والزام كل الدول بها, كبديل غربي للديانات التي يؤمن بها المؤمنون.. وللعادات والتقاليد والأعراف التي تمايزت بها الأمم والثقافات والحضارات.. ورحم الله الشاعر الذي قال: إن الليالي من الزمان حبالي.. مثقلات يلدن كل عجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لمزيد من مقالات د. محمد عمارة