لا خلاف علي أن كل مصري يدور بخلده هذه الأيام, السؤال التالي: متي نستقر ونهدأ؟ وتستقيم أيامنا علي وتيرة الاطمئنان والسلامة والأمان؟ ومتي تدور عجلة الحياة ورحاها من جديد فهل يعقل بأنه منذ قيام ثورة52 يناير1102 وحتي يومنا هذا ونحن نعيش في دوامة الأحداث الكبري من تاريخ حوادث البالون وماسبيرو محمد محمود وأطفيح واستاد بورسعيد ومرورا بأحداث مدن القناة والمنصورة والتحرير وحوادث القطارات المرعبة في الجيزة وأسيوط وغيرها, وصولا لأحداث الاتحادية والمقطم, وأخيرا أحداث الخصوص والعباسية, فأي عقل بشري يحتمل مثل هذه الأحداث الجسام خاصة أنها تمضي في حلقات متوالية ومتتابعة ومتماسكة كحلقات العقد الواحد, بالاضافة الي انه يصاحبها ضياع واضح لمفهوم الأمن بمعناه الواسع, فالسرقات والتعديات وحوادث القتل والعنف والتجاوزات الأخلاقية باتت سمة بارزة لهذه الفترة الطويلة, مما ترتب عليه اختفاء لكثير من ملامح الشخصية المصرية المعروفة منذ بداية التاريخ نفسه, ملامح السماحة والايثار والود الحميم والصفاء النفسي والروحي والصدق ومحبة الغير وكراهية العنف.. إلخ لتستبدل محلها ملامح القسوة والانفلات الأخلاقي والتجاوز لدي كثيرين من أبناء الوطن, مما هدد بالفعل الأمن الاجتماعي لبلد تاريخي عريق بحجم مصر. وهنا يطرح السؤال نفسه.. وما الحل؟.. وظني ان من بديهيات الحلول ان ترسخ الدولة بشكل سريع مفهوم العدالة الاجتماعية بمعناها الشامل, لتكون رسالتها الأولي وعبر طرق حقيقية مشروعة ومعلنة, تظهر نتائجها علي الأرض فكثيرون من المصريين لم يشعروا الي الآن بأنهم قد غنموا كثيرا من قيام ثورة يناير1102, وأقصد بهم ساكني العشوائيات والمناطق الشعبية والمهمشين في هذا الوطن, وهم بالملايين, الذين لايجدون المسكن الملائم والحياة الكريمة والعمل الإنساني والآدمي اللائق, والدخل الثابت, مما جعل طبائعهم الانسانية عرضة للعنف والتجاوز, وهم يعايشون الأزمات التي يعيشها كل مصري الأن ويعاني منها, وعلي رأسها أزمة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وصعوبة الحياة بصفة عامة. كذلك لابد أن يكون هناك خط أخلاقي ترعاه الدولة بكامل مؤسساتها, الدينية والاعلامية والثقافية, لضبط الانفلات الأخلاقي والعصبي, والدعوة الي العودة لأخلاقياتنا المحفورة في الوجدان والنفوس, خاصة بعد ان عجزت مدارسنا وجامعاتنا عن تبني هذا الخط بسبب فقدانها دورها الحقيقي بعد أن تكدست الفصول والقاعات بالطلاب, وأصبح دور المعلم وأستاذ الجامعة مقيدا بقيد المناهج الطويلة والعقيمة وازدحام الأماكن وضيق الأوقات, كذلك تأخر دور المساجد كثيرا, بعدما أصبح دورها رهين أوقات الصلوات فحسب, واختفاء الدعاة الحقيقيين للمناهج الوسطية السلمية, مما يستوجب معه ظهور دور للدولة من خلال امكانياتها لتوظيف البرامج الإعلامية والدينية عبر الفضائيات والصحف وكل الوسائل الاعلامية للدعوة الي العودة الي الجذور الأخلاقية المشهودة للمصريين, وخلق دور حيوي للمساجد وللكنائس للدعوة الي السلوك الأخلاقي الذي نادت به جميع الأديان. وتبقي الكلمة الأخيرة للمصريين بأننا الآن أصبحنا جميعا في مركب واحد وإن لم نصبر علي العبور من عنق الزجاجة بالتكاتف والوحدة ونبذ العنف والخلاف, فإننا بالتأكيد سنغرق في بحر بلا شطآن, وعلي الدولة ان تسرع في جمع شتات المتفرقين والمتحزبين, حتي يشعر المصريون كلهم بأنهم علي قلب رجل واحد في مواجهة المستقبل الجديد. د. بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان