في1983/3/23 أعلن الرئيس الأمريكي ريجان عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي من أجل حماية أمريكا من أي هجوم بالصواريخ النووية البالستية من قبل الاتحاد السوفييتي. وقد سميت هذه المبادرة ب حرب النجوم وهو عنوان لفيلم كان قد أخرجه جورج لوكاس في عام.1977 وقد قيل عن هذه المبادرة إنها ليست واقعية كما أنها ليست علمية بل مستحيلة علي نحو ما ارتأت الجمعية الفيزيائية الأمريكية. واذا كان ذلك كذلك فمعني ذلك أن هذه المبادرة إفراز من مخيلة ريجان وليس من مخيلة أي إنسان آخر, إذ لم تصدر من البنتاجون ولا من المؤسسة العسكرية الصناعية ولا من وزارة الخارجية. ومع ذلك فقد قيل إن ريجان قد أنصت إلي اليمين المحافظ الذي كان ضد اتفاقيات الحد من التسلح. وكان مستشاره العلمي عالم فيزيائي نووي اسمه جورج كيورث(1939-) مجري هارب من النازية وهاجر إلي أمريكا في عام1935 وشارك في صناعة القنبلة الذرية وكان لصيقا بريجان ومرعوبا من المد الشيوعي. ولكن ما كان يخشاه ريجان هو موقف كرادلة الكنيسة الكاثوليكية لأنهم عقدوا مؤتمرا في نوفمبر.1985 وجاء في البيان الختامي أن الحرب النووية تحمل في ذاتها الخطيئة لأن التدمير الكامن في القوي النووية من شأنه أن يهدد سلطة الرب وذلك بتدمير الكون الذي كان قد خلقه وأبدعه, وأنه من الأفضل أن نتخذ من نظرية الردع وسيلة لتخفيض التسلح وإلا فان الكرادلة مضطرون إلي إدانة الذين يملكون السلاح النووي. وقد انزعج ريجان من البيان لأن مسئولية الرئيس ليست فقط في الحفاظ علي أمن الأمة إنما أيضا في تأمين مستقبله السياسي الكامن في إعادة انتخابه. وعلي الرغم من هذا البيان فقد كانت الغلبة للقوة النووية عندما أصدر ريجان بيانا مضادا يرد فيه علي مؤتمر الكرادلة. قال: إنني أريد تغيير مسار التاريخ لأمنح أملا لأطفالنا في القرن الحادي والعشرين. إن الأمن يكمن في ضرورة تدمير الصواريخ البالستية السوفيتية قبل أن تصل إلي بلادنا. وأنا أناشد مجتمعنا العلمي الذي منحنا الأسلحة النووية أن يستثمر طاقاته من أجل تحقيق السلام العالمي وذلك بأن يشل حركة تلك الصواريخ السوفييتية حتي تتآكل. واغتبط اليمين المحافظ بذلك البيان وأردف قائلا: إن عبقرية ريجان تكمن في أنه ليس مجرد موصل إعلامي بامتياز, إذ لديه حساسية فائقة في الكشف عما يريده الشعب الأمريكي, بل إنه أيضا أيديولوجي جماهيري يخدر مستمعيه فيدفعهم إلي الموافقة علي المغامرات الحربية حتي وإن تكلفت بلايين الدولارات. ومع ذلك لم يصمت الفلاسفة, فقد صدر كتاب في عام1984 عنوانه الرئيسي اعتراضات علي الردع النووي وعنوانه الفرعي فلاسفة يتحدثون عن الردع. وكان السؤال المحوري يدور حول مدي المشروعية الأخلاقية للردع النووي. فقد أثيرت إشكاليات المسألة الأخلاقية, أي تناقضاتها. وقد كان من بين هذه التناقضات القول بأنه من الأفضل أن تموت من أن تتحول إلي انسان أحمر, أي إلي انسان شيوعي, والقول بأن من يملك سلاحا نوويا فهو إرهابي, والقول بأن حتمية الحرب تستلزم أن تشعلها بلا كراهية, والقول بأن غياب الالزام الأخلاقي تجاه الأسلحة النووية يدفعك إلي تجنب الحرب النووية. وفي خضم هذه التناقضات صك فيلسوف أمريكي اسمه جون سومرفيل مصطلح الانتحار البشري بالنووي والذي دفعه إلي صك ذلك المصطلح هو الفارق الجوهري بين الحرب من حيث هي حرب والحرب النووية. فالحرب, في تاريخ البشرية, تعني صراعا جسديا بين مجموعات من البشر تفضي في نهاية المطاف إلي منتصر ومهزوم, وإلي أن ثمة مستقبلا انسانيا. أما الحرب النووية فمن شأنها أن تفضي إلي حذف أية امكانية في مستقبل ما. وقد فطن سومرفيل إلي هذا الفارق الكيفي بسبب استعمال القنبلة الذرية في المرحلة النهائية من الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك راح يبحث عن بديل للفظ المضلل الحرب النووية فوجد عدة أسماء تدل علي أنواع من القتل. لفظ الانتحار يعني قتل الانسان لذاته ونحر الجنس يعني قتل الجماعات القومية أو العرقية. واذا كانت الأسلحة النووية في إمكانها قتل البشر برمتهم إذا تصارعوا مرة واحدة فيمكن تسمية هذا الصراع ب الانتحار البشري بالنووي. وفي عام1983 فاتحني سومرفيل في ضرورة عقد مؤتمر دولي فلسفي يضم فلاسفة من المعسكرين الشيوعي والرأسمالي لمواجهة هذا الانتحار الجديد. وقد كان, إذ انعقد في عام1986 في سانت لويس بأمريكا. لمزيد من مقالات مراد وهبة