أجواء من التفاؤل والارتياح غمرت الشارع اليمني عقب القرارات العسكرية الجريئة التي إتخذها الرئيس عبدربه منصور هادي مساء الأربعاء الماضي وأطاح بموجبها بنجل الرئيس السابق العميد أحمد علي صالح من قيادة قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بل وإخراجه من السلك العسكري برمته وتعيينه سفيرا لليمن في الإمارات وكذلك إقالته لواحد من أحد أهم مراكز القوي في الجيش اللواء علي محسن الأحمر القائد السابق للفرقة الأولي مدرع والمنطقة العسكرية الشمالية الغربية والذي عين مستشارا للقائد الأعلي للقوات المسلحة لشئون الدفاع والأمن. اللافت في ردود الأفعال أنها جاءت قوية وموحدة من الداخل والخارج, فمن الداخل أجمعت كل الأحزاب السياسية وقيادة وزارة الدفاع علي أهمية هذه الخطوة بإعتبارها حدثا تاريخيا ينهي إنقسام الجيش اليمني وتمركزه في يد أسرة واحدة ويعيد إليه وهجه الوطني علي أسس علمية وفنية وإحترافية شارك في وضع التصورات لها فريق أمريكي أردني مشترك, ومن الخارج سارعت دول مجلس التعاون الخليجي علي لسان أمين عام مجلس التعاون الدكتور عبد اللطيف الزياني بالإتصال بالرئيس اليمني وتقديم التهنئة له علي هذه القرارات الجريئة التي ستمهد لحوار وطني ناجح, كما إعتبر المبعوث الأممي جمال بن عمر أن هذه القرارات تنسجم مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وستمهد لتحقيق التسوية السياسية وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي. ولاحظ مراقبون في صنعاء أن ردود الفعل المؤيدة من كل الفعاليات السياسية والحزبية والقيادات العسكرية تظهر أنه جري التشاور المسبق بالتفاصيل مع الشخصيات التي تم تغييرها, كما أن أماكن تعيينها ينسجم مع طلبات الكثير منهم, فضلا عن التنسيق مع دول الخليج والأممالمتحدة, وهذا ما فسر إعلان نجل صالح واللواء علي محسن ترحيبهما العاجل بالقرارات وتأيدهما لها وهو ما لم يتوفر في قرارات سابقة ثار حولها الجدل الواسع حول مقاصدها في إقصاء أطراف لصالح أخري. وبغض النظر عن ضرورة وأهمية القرارات الرئاسية في وضع اليمن علي الطريق الصحيح لتنفيذ متطلبات التسوية وتمهيد الطريق أمام حوار وطني ناجح يعالج كل القضايا المعلقة والمزمنة في الحياة اليمنية, فإن القرارات كانت ذكية لدرجة أنها أعطت لكل الأطراف المتصارعة إنطباعا بالزهو والإنتصار, فمن وجهة نظر شباب الثورة وتكتل اللقاء المشترك فالقرارات أقصت نجل الرئيس اليمني من التواجد في أي منصب قيادي في الجيش وأخرجته من البلاد هو وأبناء عمه والمحسوبين علي والده وأجهضت مشروع التوريث برمته, لكنها من وجهة نظر المؤتمر الشعبي العام والرئيس السابق جيدة لأنها تفتح الباب أمام أحمد علي صالح للولوج إلي النشاط السياسي المدني وإعداده مرشحا كرئيس للجمهورية في الإنتخابات القادمة المقررة2014 أو عندما تحصل هذه الإنتخابات إذا جري تمديد الفترة الإنتقالية. ويري محللون سياسيون في صنعاء أن إختيار أحمد نجل صالح سفيرا في الإمارات جاء بعد التشاور مع الرئيس اليمني السابق الذي نقلته طائرة إماراتية خاصة إلي السعودية للعلاج أخيرا, والإمارات من دول الخليج التي لديها موقف حاد من ثورات الربيع العربي ومشاريع الإسلام السياسي وبالتالي سيكون أحمد في مأمن ويتحرك بسهولة, كما جاءت القرارات العسكرية في إطار تحقيق التوازن الإجتماعي والسياسي, ففي الوقت الذي إسترضت صالح بتعيين عمار محمد عبدالله صالح وطارق محمد عبدالله صالح نجلي شقيقه ملحقين عسكريين في ألمانيا وأثيوبيا, وكذلك تعيين أخيه غير الشقيق اللواء محمد صالح الأحمر مستشارا في وزارة الدفاع, فإن الرئيس هادي حاول أيضا إسترضاء الجنرال علي محسن الذي إنشق عن الجيش لتأييد الثورة الشبابية من خلال تعيين مقربين منه في مناصب قيادية في الجيش, كما عين اللواء محمد علي محسن المقرب منه ملحقا عسكريا في قطر التي ترتبط بعلاقات مميزة جدا مع علي محسن, كما جاء تعيين العقيد هاشم عبد الله الأحمر وهو نجل الشيخ عبد الله الأحمر وشقيق الشيخ حميد لينسجم مع العلاقات التاريخية لأسرة الأحمر مع السعودية, ولكن هذا التعيين سينغص علي الحوثيين مزاجهم لأن الأحمر خصم لدود لهم وقد يلعب دورا في تأليب السعودية علي تحركاتهم في صعدة وحجة. ويري المتحمسون لقرارات هادي أنها مزقت أوصال أكبر مركز للقوي في الجيش اليمني والتي كان يمثلها أحمد علي صالح واللواء علي محسن وتفكيك قدراتها علي المناطق والأسلحة الأخري بما يساعد علي التفرغ لتنظيم القاعدة وأعمال التخريب والإنفلات الأمني, كما أنها تجنبت بقاء أحمد علي داخل الجيش في الفترة الحالية مما يمهد لتوحيده وتنفيذ خطة إعادة الهيكلة دون منغصات, ويلاحظ علي القرارات العسكرية الجديدة أنها جاءت بقيادات عسكرية جنوبية بنسبة كبيرة تمثل النصف حيث شملت التعيينات44 ضابطا كبيرا برتبة لواء وعميد22 ضابطا منهم ينتمون إلي جنوب اليمن, كما أن تقسيم اليمن إلي سبع مناطق عسكرية مركزية يعكس توجه الرئيس اليمني إلي تكريس الوحدة بشكل جديد وقد يستند التقسيم الفيدرالي إلي المناطق العسكرية السبع مما يحول دون النظر في طلب الإنفصال والإستفتاء لتقرير مصير الجنوب وهي خطوة تلقي تشجيعا وتأييدا من القوي الإقليمية ودول الخليج ومن القوي الدولية خاصة الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوربي فضلا عن الأممالمتحدة. وفي سياق ردود الأفعال رحب المؤتمر الشعبي العام بقرارات هادي لاستكمال تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وإنهاء الانقسام في صفوف الجيش وبما يسهم في اعادة توحيد الجيش وبنائه علي أسس علمية سليمة ومتطورة تعمل علي حماية الشرعية الدستورية والحفاظ علي سيادة الوطن, إلي ذلك عبرت أحزاب اللقاء المشترك عن ارتياحها البالغ لقرارات الرئيس عبدربه منصور هادي بشأن عملية هيكلة الجيش وتسمية المناطق العسكرية وتعيين قادتها. وأكد الناطق باسم تكتل اللقاء المشترك محمد المنصور إن هذه القرارات ستسهم في عملية نقل السلطة وتنفيذ بنود المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية والنقاط العشرين, مؤكدا أن الشارع اليمني ظل ينتظر تلك القرارات منذ وقت مبكر. ويري نصر طه مصطفي مدير مكتب رئاسة الجمهورية أن شباب الثورة اليمنية هم من يستحقالتهنئة حيث جسدت القرارات معاني قرارات الهيكلة التي صدرت في ديسمبر الماضي كأروع ما يمكن, واليوم اليوم لأول مرة أمام تحد حقيقي لبناء جيش وطني بحق ينتمي أولا وأخيرا لليمن. ويضيف مصطفي: سيظل شباب اليمن الرائع بإرادته الصلبة التي حققت المستحيل الضمان الحقيقي سواء لبناء الدولة المدنية الحديثة أو لبناء الجيش الوطني أو حتي لنجاح مؤتمر الحوار الوطني. ومن جانبها باركت توكل كرمان الناشطة السياسية والحائزة علي جائزة نوبل للسلام قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي بتسمية قادة المناطق العسكرية السبع, ودعت كرمان إلي سرعة تسلم القادة الجدد مهامهم وإعادة توزيع الألوية العسكرية التابعة للحرس الجمهوري والفرقة الأولي السابقين علي تلك المناطق العسكرية, لكنها حيت اللواء علي محسن صالح الأحمر الذي انضم الي ثورة الشبابية السلمية أولا, وأوفي بوعوده وبتعهداته بالتخلي عن منصبه العسكري بعد انتصار الثورة ثانيا. ويعتبر محبوب علي مستشار الرئيس اليمني للشئون الإعلامية قرارات هادي تاريخية ووطنية تخص الوطن وكل ابناءه بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم باعتبارها قرارات قضية وطنية لارجعة عنها لاختيار المستقبل الجديد الذي يطمح إليه كل ابناء الشعب اليمني, وقال انه ورغم تأخر صدور هذه القرارات عن التوقيت الذي كان ينبغي ان تصدر فيه بعد استكمال لجنة هيكلة الجيش المكونة من خبراء اردنيين وامريكيين ويمنيين لمهمتها في اطار ما تضمنته المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية المتعلقة بالتسوية السياسية في اليمن, فانها في حد ذاتها قرارات ذات اهمية قصوي التي تحدد معالم الطريق لبناء اليمن الجديد ليكون الجيش فيها مؤسسة وطنية لحماية الوطن وسيادته ويحمي نظامه السياسي الذي ارتضاه الشعب بكل مكوناته وتعدده السياسي وليس مقسما ومجزءا بولاءات متعددة ومختلفة ويؤمن بالولاء للوطن والشعب ويأتمر باوامر رئيس الجمهورية القائد الاعلي للقوات المسلحة.