خطط الدبلوماسية الشعبية الأمريكية بعد صعود الإسلاميين في دول الربيع العربي المؤلف: داريل إيزيل- جامعة لويزيانا هذا الكتاب يقدم طرحا يتجاوز مسألة تطوير الولاياتالمتحدة للدبلوماسية العامة في علاقتها بالعالمين العربي والإسلامي بعد زلزال11 سبتمبر ثم صدمة فقدان حلفاء فيما يعرف بانتفاضات الربيع العربي إلي تقديم صورة أكثر واقعية لما يجري اليوم علي الأرض من دبلوماسيين أمريكيين لإعادة تسويق صورة الولاياتالمتحدة في العالم العربي, وبخاصة في الدول التي تسعي لاستكمال عملية التحول الديمقراطي, وبناء علاقات أوثق مع الإسلاميين في المنطقة من خلال شراكات جديدة ووجود أكبر للدبلوماسية الأمريكية في الدول التي فازت فيها القوي الإسلامية, جماعة الإخوان المسلمين, بنصيب الأسد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العامين الماضيين ويفسر الكثير من التحركات الأخيرة والتحالفات الجديدة.. والمؤلف هو خبير في الدبلوماسية العامة بجامعة لويزيانا والخبير السابق بالخارجية الأمريكية وقدم اطروحته للدكتوراه في وقت سابق ثم خرج بالكتاب تحت عنوانBEYONDCAIRO:USENGAGEMENTWITHTHEMUSLIMWORLD ما بعد القاهرة: التواصل بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي في سلسلة دار نشرMacMillanPalgrave حول الدبلوماسية العامة الكونية. العلاقات الأمريكية- الإسلامية واحدة من المناطق الشائكة التي تثير كثير من الغبار وتثير أسئلة كثيرة لا تقدم عنها إجابات وافية.. الحديث اليوم حول ماهية أهداف واشنطن من العلاقات الحديثة نسبيا مع العالم الإسلامي أو الدول صاحبة الأغلبية المسلمة من أندونيسيا شرقا إلي المغرب مرورا بمنطقة التوتر الرئيسية في السياسة العالمية- الشرق الأوسط- التي تشهد من جديد اختلاط الأوراق وبروز دور القوة الأمريكية في أعقاب ما سمي ب ثورات الربيع العربي التي إنقلبت إلي حالة من الفوضي وعدم اليقين في عدد من دول المنطقة وهي الحالة التي أنعشت التدخل الأمريكي في شئون دول شمال إفريقيا والشام بعد أن كانت الولاياتالمتحدة قد تعرضت للتقريع واللوم علي مساندتها الحكام الديكتاتوريين في العقود الستة التي تلت التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط بعد أفول القوي العظمي التقليدية- بريطانيا وفرنسا- بنهاية الحرب العالمية الثانية... في كتاب ما بعد القاهرة: التواصل بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي يقوم الباحث الأمريكي داريل إيزيل برحلة في مرحلة ما بعد الخطاب الشهير لباراك أوباما في القاهرة عام9002 فيما يخص العلاقة بين الولاياتالمتحدة والشعوب الإسلامية حيث يتعرض للثقة المفقودة وخيبة الأمل التي حلت بخطط أوباما للتواصل مع الشعوب التي طالما صدمت في السياسات الأمريكية علي مدي عقود حفلت بأحداث جسام أهمها ضياع فلسطين والقدس وظهور دولة إسرائيل ولم تجد الشعوب عزاءها في انتخاب أول رئيس أمريكي من أصل إفريقي للبيت الأبيض ولكنها أدركت أن الطريق إلي فهم السياسة الأمريكية ليس بالأمر اليسير وهو طريق شائك ولا يحمل آمالا حقيقية في التغيير. من وجهة نظر الباحث في جامعة ولاية لويزيانا, عمل في السابق في وزارة الخارجية الأمريكية, فإن العالم الإسلامي بدوله ال85 من أكثر المناطق الديموغرافية نموا في العالم التي سوف تحتل قدرا مهما من إهتمام المشتغلين بما يسمي الدبلوماسية العامة في المستقبل. ويقول المؤلف أن التحدي للدول الغربية في السنوات الأخيرة تضمن ايجاد توازن بين مصالحهم العالمية ومواجهة فئة من الإرهابيين حيث أثبتت الاحداث في العقد الأخير إستمرار مشكلة إتصال بين الولاياتالمتحدة والشعوب الإسلامية ولم تفلح جهود الدبلوماسية العامة وما يسمي عامل أوباما في تحقيق تقدم في تلك العلاقة. وتكشف الدراسة عن حالة التبسيط المخل التي سادت اروقة الخارجية الأمريكية والدبلوماسية العامة الأمريكية بعد حوادث سبتمبر عام1002 والتي وضعت كل العالم الإسلامي في بوتقة واحدة وبمرور السنوات جاءت موجة نقدية من أوساط المتخصصين في الدبلوماسية العامة الموجهة لكسب قلوب وعقول الشعوب تشير إلي أن مفاهيم الدوائر الأمريكية عن تلك الدبلوماسية الشعبية لم تعد تصلح وأن مكانها هو متاحف التاريخ! وما يثيره طرح المؤلف هو وجود بدائل أخري لفشل الدبلوماسية الشعبية الأمريكية التي بلغت مداها في خطاب الرئيس الامريكي في القاهرة وهو خطاب حمل كثيرا من الإشارات الموحية بشأن تغيير في السياسات الأمريكية ومنها تغير ممكن في الموقف من الصراع العربي- الإسرائيلي و إقامة دولة فلسطينية في نهاية مسار العملية التفاوضية وهي الإعلانات التي شدت العالم العربي إلي الرئيس الجديد ورفعته إلي مصاف المصلحين الكبار ثم عادت دوائر الفشل تلف عمل البيت الأبيض مجددا في الشهور التي أعقبت خطاب جامعة القاهرة حتي جاء الحل في انطلاق ثورات الربيع العربي التي جاءت بقدر من المفاجآت للولايات المتحدة بعد أن امتدت من تونس إلي القاهرة ثم دول أخري في شمال إفريقيا وسوريا حيث وفرت علي الولاياتالمتحدة مجهودا مضنيا للتواصل مع العالم الإسلامي من خلال تشجيع صعود القوي الشعبية الأكثر وجودا في الشارع وهم الإسلاميون بمعني أن تلك القوي السياسية الإسلامية يمكن أن تكون حائط الصد في مواجهة التشدد الديني والعنف الموجه ضد مصالحها وقد ساعد فوز الاسلاميين في الإنتخابات العامة في مصر وتونس الفرصة لتحويل وجهة السياسة الأمريكية من تشجيع برامج دعائية وإعلامية تحمل الصبغة العلمانية أو الأكثر توافقا مع التوجهات الفكرية للغرب إلي رسائل تراعي البعد الديني للصراع السياسي في الشرق الأوسط بعد الإطاحة بأنظمة موالية للسياسة الأمريكية علي مدي عقود طويلة. وبشكل أكثر صراحة, يشير المؤلف في كتابه إلي ضرورة انتقال الولاياتالمتحدة في سياستها من مرحلة التواصل العلماني أو بصبغة علمانية إلي التواصل المعتمد علي أرضية دينية تأخذ في الإعتبار الجوانب المختلفة لدور الدين الإسلامي في تلك المجتمعات الممتدة من شرق آسيا وحتي المحيط الأطلنطي دون ان يقتصر الأمر علي التركيز علي العالم العربي وحده. ويقول المؤلف أن خطاب القاهرة قد أوحي للخارجية والإدارة الأمريكية بضرورة التحول إلي ما يسمي حقبة ما بعد العلمانيةPost-SecularEra) والتي تعني أن الدين صار له وضعية في العلاقات الدولية أو هكذا يري البعض في واشنطن اليوم(, وربما يفسر التوجه السابق تراجع إهتمام الولاياتالمتحدة الرسمية بدعم القوي المدنية النشطة في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد وصول إسلاميين إلي الحكم في دولة مثل مصر واستبدالها برامج قديمة بأخري حديثة تتوافق مع التطورات الجديدة وإنقلاب الصورة بعد الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بالأصدقاء القدامي والوصول إلي تفاهمات مريحة للمصالح الغربية مع القوي الجديدة التي وصلت للسلطة عبر صناديق الإنتخاب! كما أن توصية الكاتب بتوسيع التواصل مع العالم الإسلامي خارج حدود العالم العربي هو أمر يدخل اليوم في إطار إستراتيجية كبري تستخدم العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وعدد من الدول العربية كقاطرة جديدة للعلاقات مع العالم الإسلامي الأكبر وتخفيف حدة التوتر مع الإسلاميين في بؤر التوتر الرئيسية. والأمر الثالث في أطار السياسة الجديدة التي أقترحها الكاتب في رسالته للدكتوراة, ثم في مؤلفه الجديد, هو تهيئة الرأي العام الأمريكي للتحرك أبعد من القوالب التقليدية لفهم الإسلام وأتباع الدين الإسلامي في الداخل الأمريكي وفي الخارج عبر مواجهة مع قوي اليمين الأمريكي المحافظ صاحبة المصالح الخاصة في واشنطن وهو توجه يمكن أن يحقق نجاحات محدودة في ظل إستمرار التوجس في دوائر أمريكية عديدة من صعود قوي إسلامية متشددة في دول مهمة مثل مصر وليس قرار الإدارة الأمريكية أو توجهاتها هو ما يحكم تغيير تلك السياسات. وقد شهدت الفترة الماضية, محاولات من الإدارة الأمريكية, بالفعل, لتحسين صورة تيارات إسلامية إلا أنها لم تفلح في رسم صورة أكبر في المجتمع الأمريكي تمتص به القلق من صعود القوي الدينية المتشددة التي حاربت الولاياتالمتحدة علي مدي عقد كامل في أفغانستان والعراق وغيرهما, ويبدو القلق واضحا في الداخل الأمريكي من صعود السلفية الجهادية التي تواجه واشنطن بشأنها خيارات صعبة من شبه جزيرة سيناء داخل الحدود المصرية إلي وجود تنظيمات موالية للقاعدة في ليبيا ومالي وغيرهما من الدول التي تشهد قلاقل أمنية وضعفا في قدرات السلطة المركزية. ومن وجهة نظر الكاتب أن عدم اليقين في دول الربيع العربي وإستمرار إنهيار عملية السلام في الشرق الأوسط يتطلب تركيز واشنطن علي العلاقات مع القواعد الشعبية( من غير النخب السياسية والفكرية والثقافية) في إستراتيجية الدبلوماسية العامة الأمريكية في العقد المقبل. ويقول الكاتب أن تلك القلاقل المتسعة في دول الربيع العربي, ومنها العصيان المدني, يستلزم بناء علاقات أوسع مع الجماهير العادية علي المستوي الشعبي من أجل الحفاظ علي مصالح الأمن القومي الأمريكي( تلك التوجهات ظهرت واضحة في تحركات لدبلوماسيين أمريكيين رفيعي المستوي علي المستوي الشعبي في مصر ودول أخري في الشهور الأخيرة واستعانة الخارجية الأمريكية بخبراء من أوساط الجالية الإسلامية من أجل صياغة رسائل جديدة وبعضهم من المقربين من الجماعات الدينية في العالمين العربي والإسلامي). في الإطار السابق, اقترح الكاتب عددا من التعديلات للإستراتيجية الأمريكية في التواصل مع الشعوب الإسلامية تقوم علي المضي في إتصال في إتجاهين بدلا من الإعتماد علي رسائل إعلامية في إتجاه واحد في فترات سابقة ومواجهة ترويج اليمين المحافظ الأمريكي لعامل الخوف من العالم الإسلامي في الداخل, وبناء دبلوماسية عامة جديدة من خلال سياسة أكثر شمولية وابتكارا في المرحلة الجديدة التي تتطلب مشاركة من الدولة والأطراف خارج المؤسسات الرسمية في التواصل مع الشعوب الإسلامية منها التواصل مع الجماهير لتجنب صدمات جديدة في المجتمعات المقصودة نتيجة حالة عدم الإستقرار السائدة. لمزيد من مقالات بقلم : عزت إبراهيم