في مواجهة حصار المحاكم والاعتداءات علي دور العدالة واستقالة وزير العدل احتجاجا علي ذلك ورفض مجلس الوزراء استقالته ارتفعت الأصوات تطالب بإنشاء شرطة قضائية لحماية المحاكم. وتأمينها في مواجهة أي عدوان لكن الاقتراح أثار جدلا واسعا في الأوساط القضائية حيث أيده البعض باعتباره خطوة علي طريق استقلال السلطة القضائية وتنفيذا لتوصيات مؤتمر العدالة الأول الذي عقد في عام..1986 لكن البعض الآخر رفضه باعتباره بدعة غير دستورية تنال من استقلال القضاء. يقول المستشار أحمد الخطيب رئيس بمحكمة استئناف بالاسكندرية أن الشرطة القضائية ضرورة ملحة لمواجهة ظاهرة الاعتداء علي المؤسسات القضائية بدلا من الاعتماد الكلي علي جهاز الشرطة والذي ينشغل بمهام أخري عديدة ويري الخطيب أنه من الممكن انتداب رجال الشرطة إلي هذا الجهاز مع احتفاظهم برتبتهم وأقدميتهم في الترقي وتنتقل إليه ميزانية الإدارة العامة للترحيلات والإدارة العامة لتنفيذ الأحكام وما يضاف إليها من دعم مالي آخر ويتعين أن يكون تنظيمها المالي والإداري مستقلا عن جهاز الشرطة وأن يكون تابعا للمجلس الأعلي للقضاء وتنتهي تبعيته إلي وزارة الداخلية ويمكن تدريب رجاله علي الدورات اللازمة من خلال مركز الدراسات القضائية والمراكز البحثية والقانونية. ويؤكد الخطيب أنه من مزايا إنشاء جهاز الشرطة القضائية القضاء علي البيروقراطية وسرعة تنفيذ الأحكام بدلا من سقوطها بمضي المدة والإشراف علي تنفيذها بدلا من تواطؤ بعض الموظفين للتحايل عليها مع أصحاب السطوة والمال ويحقق هذا الجهاز فلسفة العقوبة بالتحقق من توقيع العقاب علي المتهم والردع لغيره لمن يفكر في ارتكاب تلك الجريمة فضلا عن أنه يحول دون انتشار القصاص الشخصي وشريعة الغاب فالحكم لا قيمة له ما لم يتم ترجمته علي أرض الواقع واحترام دور العدالة وحمايتها من المجرمين وهذا هو أهم مظاهر الدولة الديمقراطية التي تحترم القضاء وتحرص علي تنفيذ أحكامه ويؤكد ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل الديمقراطي وعضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشوري أنا مع الشرطة القضائية المدنية التي لا يكون من بين أعضائها الجيش والذي يجب أن يكون بعيدا عنها ولا نريد أن يدخل في السياسة فالقوات المسلحة لها مهمة رئيسية وهي حماية حدود الوطن والحفاظ علي الشرعية وتعقب من يريد المساس بأمننا القومي ولا أن تكون من بينها الشرطة أيضا التي عبارة عن هيئة نظامية مدنية تقوم بحماية الأمن الداخلي ولكن أنا مع وجود شرطة قضائية مسئولة عن المحاكم وتأخذ أوامر رؤساء المحاكم وتتبع المجلس الأعلي للقضاء وتنصرف الشرطة العامة إلي أداء دورها الجنائي وتحقق الأمن الجنائي للمواطن المصري. ويقول المستشار نبيل عزمي عضو الهيئة العليا لحزب مصر وعضو مجلس الشوري أنا موافق علي إنشاء قوات شرطية تحت إمرة القضاء وذلك لضمان تنفيذ قرارات القضاء والنيابة العامة بعيدا عن وزارة الداخلية وذلك لأمرين أولهما ضمان تنفيذ قرارات النيابة بحرفية وطبقا للقانون وثانيهما إبعاد وزارة الداخلية عن الاشتباك الشعبي وتفريغها للحفاظ علي الأمن شريطة أن يكون هذا الجهاز مستقلا تماما عن جهاز الشرطة. ويقول المستشار الدكتور وليد عبد الصبور رئيس نيابة النقض إن قرار مجلس الوزراء بإنشاء الشرطة القضائية هو خطوة كبيرة في سبيل تحقيق استقلال حقيقي للقضاء ورغم بساطة هذا القرار إلا أنه لابد أن نضعه في نصابه ونقدره وألا يغفلنا تلاحق الأحداث عن الإشادة به لأن القضاء بلا قوة مادية تضع أحكامه وقراراته موضع التنفيذ يبقي بلا قيمة, وأضاف عبد الصبور أن إنشاء الشرطة القضائية كانت إحدي توصيات مؤتمر العدالة الأول عام86 الذي كان وزير العدل الحالي المستشار أحمد مكي هو مقرر أعماله ويقترح عبد الصبور أن تقسم إدارة الشرطة القضائية تبعا لكل جهة قضائية بمعني أن تكون هناك شرطة قضائية للنيابات والمحاكم وأخري لمجلس الدولة وثالثة للمحكمة الدستورية العليا, وتكون لكل إدارة استقلال عن الأخري ولا تخضع للتبعية أو رئاسة مركزية سواء لوزارة العدل أو وزارة الداخلية نفسها تحقيقا للغاية من إنشائها وأن تخضع هذه الإدارات للمجلس الأعلي بكل جهة قضائية كما يقترح عبد الصبور تمييزا للشرطة القضائية بأن يكون لها زي مستقل, وألا يقتصر اختصاصها علي تأمين دور المحاكم أو تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية, بل يمتد إلي إنشاء وحدة بحث قضائي لجمع التحريات التي قد تطلبها الجهات القضائية ويقترح عبد الصبور أيضا تغليظ عقوبة التعدي علي دور المحاكم أو رجال القضاء. ويقول مصدر أمني مسئول بوزارة الداخلية إنه من الناحية الواقعية والتطبيقية لا يصلح أن تكون هناك شرطة قضائية متخصصة وإن كان من الممكن تعيين موظفين مدنيين كموظفي الأمن في باقي الشركات, ويتساءل: هل القوة الصغيرة الموجودة تستطيع السيطرة علي المواطنين خارج المحكمة الذي يبلغ عددهم أحيانا إلي600 فرد, وتتطلب مواجهتهم قوات الأمن المركزي, وهل الأخير سيكون تابعا للداخلية أم للعدل! فالشرطة القضائية ستحدث تضاربا بين الاختصاصات ومن المسئول عن هذه الشرطة من حيث التسليح والترقيات والتنقلات؟! ومن الذي يقوم بتحرير المحاضر ويكون قائما علي ضبط المتهمين وتقديمهم للعدالة, فيجب تشكيل لجنة عليا من المختصين من الأمن والقضاء لدراسة سلبيات وإيجابيات الفكرة, وفي حالة احتياج نقل للقوات داخل المحكمة في القضايا المهمة يتم إخطار مسبق لمدير الأمن الذي من جانبه يضع خطة أمنية محكمة لتفادي حدوث ما من شأنه الإخلال بالأمن. ويري المستشار إسماعيل حمدي عضو مجلس القضاء الأعلي ورئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا السابق أن الشرطة القضائية بدعة تنال من استقلال القضاء وأن مجرد التفكير في إنشاء شرطة قضائية لحماية القضاة في أثناء مزاولة أعمالهم هو أمر لم ينص عليه في كل الدساتير المتعاقبة ولا قوانين السلطة القضائية السابقة أو الحالية وأن فيما تتولاه الآن شرطة تأمين وحراسة المحاكم وقاعات الجلسات من مسئولية حفظ الأمن والنظام العام داخل قاعات المحاكم وخارجها ما يكفي لتحقيق الغرض ويضيف المستشار حمدي أن قانون الإجراءات الجنائية يعطي لرئيس الجلسة سلطات واسعة لحفظ الأمن داخلها إذ نصت المادة343 من هذا القانون علي أن ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة كل من يخل بنظامها فإذا لم يمتثل يأمر بحبسه24 ساعة ويكون حكمه غير جائز استئنافه كما نصت المادة244 من القانون نفسه, علي أنه يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوي علي المتهمين في الحال وتحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة والدفاع وعلي هذا فإنه يجب أن يتحلي القاضي بعدة صفات لازمة أهمها التوازن والشجاعة والتسامح والإنسانية والمعرفة وهي المستلزمات الأساسية للمحاكمة العادلة والجديرة بالثقة, أما القول بإنشاء شرطة قضائية للحماية فهو أمر مرفوض لأنه لا يجوز للسلطة القضائية أن تقف من السلطة التشريعية أو التنفيذية موقف المستجدي للحماية الشخصية لما قد يفضي إليه ذلك من محاولات للاستقطاب غير مأمونة العاقبة فالحيدة والاستقلال هما الصفتان المميزتان للوظيفة القضائية في كل دولة ويؤدي عدم وجودهما إلي جعل مصداقية العملية القضائية موضع شك ويضيف المستشار إسماعيل حمدي أن القضاء في مصر يتمتع بصيت الاستقلال والنزاهة دون أي عداء أو حقد ومن ثم فهو ليس بحاجة إلي حرس قضائي, وأذكر أنني جلست علي منصة محكمة أمن الدولة العليا لمدة20 عاما متعاقبة فصلت فيها في جميع قضايا الإرهاب التي شهدتها مصر في التسعينيات وبينها إحدي القضايا التي اتهم فيها33 إرهابيا بقتل26 ضابطا للشرطة والشروع في قتل عشرات آخرين, وصدرت فيها الأحكام بالإعدام والسجن المؤبد دون وجود شرطة قضائية أو غيرها وبدون أي حراسات خاصة, وكان المحكوم عليهم أول من تقبل هذه الأحكام هاتفين بحياة العدالة.