تبدو الغالبية الساحقة من المصريين علي قناعة بأن مصر ليست مستعدة للديمقراطية بعد؟!, كما أن البعض بات يعتقد أن مبارك كان يستشرف المستقبل عندما هدد أنا أو الفوضي؟!, ولا يكتمل المشهد المأزوم إلا بخروج لافتات أسفين ياريس! مرة أخري في مظاهرات الأمس!, وأغلب الظن أن المرء يمكنه أن يسجل هنا عدة ملاحظات جوهرية: أولها أنه لا توجد جهود صادقة من أجل التوافق, بل مماحكات من قبل الأطراف السياسية مجتمعة لتسجيل نقاط علي الأطراف الأخري, وثانيتها أن الأطراف الفاعلة في الحكم والمعارضة انزلقت بالفعل الي تبرير العنف في تسوية الحسابات السياسية أو الانتصار في الميادين والشوارع, ولم يجرؤ أحد منهما علي نقد الذات أو مهاجمة جنوح الأجنحة المتطرفة أو المتشددة داخل تياره, ثالثتها: إقحام القضاء في اللعبة السياسية رغما عن المؤسسة القضائية أحيانا بشكل بات يهدد استقلالية القضاء, بل وربما يدمر دولة القانون وهو ما تذوقنا بعض ثماره المرة في دراما أحكام مذبحة بورسعيد, ورابعتها: توريط الإعلام قبل تورطه هو نفسه في الخلافات الحزبية, وتحوله إلي ساحة معركة أخري, يتم تسجيل الانتصارات فيها بصورة مبالغ فيها, ونظرا لتخلي الإعلام سواء عن اضطرار أو اختيار عن دوره كساحة للحوار الهادئ, وتوضيح الحقائق فقد بات واضحا الاستقطاب الحاد في المجتمع بشأن الإعلام والإعلاميين, وتحولت البرامج وبعض الكتاب والصحفيين الي نشطاء سياسيين, واختفت الأصوات المحايدة والرصينة والأرجح أنها غيبت عن عمد من المسرح, ولم يعد يسمع سوي الأصوات الزاعقة, وفجأة لم نعد نري إلا حوار الطرشان, وصراعات الديكة, وبات الشارع منقسما: كل له إعلامه وقنواته ونجومه, أما الأغلبية الصامتة فقد أصابها هذا كله بالمزيد من الغثيان والخوف والقلق بل ومزيد من الاقتناع بأن مصر ليست مستعدة بعد للديمقراطية, فمن وجهة النظر لدي الغالبية الصامتة والتي تشعر بالمزيد من الخوف والضجر, هؤلاء الذين يتصارعون بقوة وصلت إلي حد الاقتتال الأهلي لم يجروا علينا سوي الخراب والدماء, وعدم الاستقرار والتدهور الاقتصادي, ولم تشعرالأغلبية ولو للحظة, بالتعاطف الذي يدفعها للانحياز الي أحد الطرفين, فهي لم تتخل عن عزوفها الصارم عن المشاركة, ولم تتوقف تعليقاتها الساخرة, وأحيانا المتشائمة من المستقبل يوما واحدا, ولم تنحاز إلا الي الدعوة الي التعقل, والتوقف عن العنف, والدعوة لأن ينصلح حال البلد, وأخيرا بات واضحا أن قلوبهم وعقولهم بدأت تنحاز الي المؤسسة العسكرية.. الأمر الذي يؤكد بوضوح أن اللعبة الديمقراطية برمتها حتي الآن لم تنجح, ولم تبدد مخاوفهم, ولم تبعث الأمل لديهم. وهنا لابد من السؤال عما وقع من أخطاء أوصلتنا الي ما نحن فيه؟! وهذه المرة من المفيد النظر الي أخطاء المعارضة لا الحكم, لماذا؟, لأن المصريين يتعين عليهم النظر بعمق في البديل الآخر وهنا نعرض لرؤية الكاتب بجريدة الشرق الأوسط مانويل الميدا التي عرضها تحت عنوان هل العلمانيون المصريون علي حق؟ وخلاصة الرؤية للكاتب هي ان أحزاب المعارضة محقة في تحفظاتها الجادة علي سجل أداء مرسي الرئيس المنتخب وجماعة الاخوان المسلمين حتي الآن, ولكن بالنظر الي تزايد الاحتجاجات في الشوارع والاعتقالات وتفاقم حالة عدم الاستقرار, يصعب تخيل ما يأمل قادة جبهة الانقاذ تحقيقه من مقاطعة الانتخابات, والرفض الدائم للحوار مع الحكومة.. فضلا عن دعمهم الضمني للعصيان المدني, ويتهم الميدا صراحة برفض قادة الجبهة المشاركة في الانتخابات البرلمانية.. فربما توجه المعارضة العلمانية الضربة القاضية للمسار الديمقراطي, ويقول صراحة إن الرسالة الضمنية خلف سياسة المقاطعة هذه بسيطة, ألا وهي أن هذه الجماعات لا تدعم الديمقراطية والانتخابات إلا اذا أتت النتيجة لصالحها, ومثلما هو متوقع, فإن الأصوات الخارجية تتفق مع الأصوات المحايدة في الداخل في انتقاداتها للمعارضة وأبرزها: تبني سياسات غير واقعية, درجة كبيرة من الانقسام, عدم طرح بدائل وحلول واقعية, الانتظار الطويل لاخطاء فادحة تطيح بمرسي وجماعته, وأخيرا انتظار تدخل الجيش وأخشي أن أقول لأهل الحكم والمعارضة معا, ربما تتدهور الأحوال وتغرق مصر في الفوضي, وساعتها ربما تكون البلاد قد تشظت بكاملها, ووضعت مصيرها ومستقبلها وحاضرها الصعب في أيدي المؤسسة العسكرية رغما عن ارادة الأخيرة, وربما يكون غوص مصر في مستنقع هائل من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاضراب الأهلي أسرع وأعمق بكثير من القدرة علي الانقاذ, ولحظتها ربما تتحول مصر بسرعة من الدولة الرخوة الي الدولة الفاشلة, بل والمنبوذة دوليا, وساعتها لن يكون بوسع هذه النخبة إلا أن تتحسر علي ديمقراطية واعدة لم تحافظ عليها بسلوك رجال الدولة وبناة الأمم! لمزيد من مقالات محمد صابرين