يوفر أكثر من 5 آلاف فرصة عمل.. أبرز المعلومات عن المركز الزراعي المتكامل    تعرف على الحوافز المقدمة لمصنعي السيارات ضمن البرنامج الوطني لتنمية المجال    إسرائيل ترفض منح رئيس وزراء النرويج تصريح دخول لهذا السبب    ضربة روسية عنيفة بصواريخ كينجال على مواقع عسكرية حساسة فى أوكرانيا    رئيس كوريا الجنوبية يعلن زيارته لمصر والإمارات الأسبوع المقبل    الأهلي ينعي محمد صبري بعد وفاته في حادث سير    وداع موجع لأيقونة الزمالك.. محمد صبري يرحل قبل أن يفي بوعده لجمهوره    الداخلية تكشف حقيقة الادعاء بضبط شخص دون وجه حق بالشرقية    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    عالم أثار إسبانى: المتحف المصرى الكبير مبهر وفخم وكل زائر سيشعر بعظمة الحضارة    دار الكتب والوثائق تعيد إحياء تراث مجلات الأطفال في احتفالية الطفولة    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    رئيسة نايل تى فى: مقترح تغيير شعار القناة قدمه فريق التطوير والقرار للهيئة    الهام شاهين للمخرج محمد عبدالعزيز: "عندك خلطة النجاح ولك يد كبيرة في صنع الهام شاهين "    باحث إسرائيلي: بنيامين نتنياهو يتعرض ل "دهس ملكي" على يد ترامب    عيار 21 الآن.... تعرف على اسعار الذهب اليوم الجمعه 14نوفمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    وفاة نجم الزمالك ومنتخب مصر السابق محمد صبري إثر حادث سير    الحماية المدنية الجزائرية: اندلاع 22 حريقا في عدة ولايات واستمرار عمليات الإخماد    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    حصن يومك.. أذكار الصباح والمساء ترفع الطمأنينة وتزيد البركة    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    استمرار رفع درجة الطوارئ لمواجهة أمطار نوة المكنسة بالإسكندرية    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    وزارة الصحة: الذكاء الاصطناعى المسرح الاستراتيجى للتنمية المستدامة    مهرجان القاهرة السينمائي، حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع الليلة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    الصحة: فحص أكثر من نصف مليون طفل للكشف عن الأمراض الوراثية    الرئيس التنفيذى للمجلس الصحى: الإعلان قريبا عن أول دبلومة لطب الأسرة    طريقة عمل المكرونة بالسي فود والكريمة بمذاق أحلى من الجاهزة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    خالد الغندور: اجتماع منتظر في الزمالك لحل أزمة مستحقات جوميز ويانيك فيريرا    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    السيطرة على حريق شب في مخزن للمساعدات الإنسانية جنوب العريش    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطائفية اولا.. التفتيت ثانيا
نشر في الجمعة يوم 05 - 05 - 2012

عندما كنا صغارا، نحبو على درب العلم والمعرفة، كنا نتوسل الى والدنا المريض الفقير المعدم حتى يعطينا قرشاً واحداً لنشتري صورة المجاهدة الجزائرية النموذج جميلة بوحيرد، تضامنا منا مع ثورة المليون شهيد التي كنا وما زلنا نعتبرها ثورة العرب والمسلمين جميعا، ومصدر فخر واعتزاز لنا.
بعد حوالى نصف قرن بدأنا نسمع عن الاردن اولا، مصر اولا، سورية وبس، السعودية اولا، اماراتي وافتخر، ليبي واعتز، والقائمة طويلة لا مجال لحصرها في هذه المساحة.
الآن نترحم على هذه الظاهرة القطرية الصادمة، نحن الذين تربينا على قيم الوحدة العربية والانتماء الى عالم اسلامي أرحب، عندما نرى كيف تتآكل الدولة القطرية وتتفسخ لمصلحة صعود الطائفية والعنصرية، بل والانهيار والانحلال المجتمعي الكامل.
الهويتان الاسلامية والعربية تراجعتا كليا لمصلحة هويات مناطقية وطائفية ومذهبية ضيقة، فالعراقي وبعد حرب 'التحرير' الامريكية، ونشوء 'العراق الجديد' بات شيعياً او سنياً، كردياً او عربياً او آشورياً او كلدانياً، لم تعد هناك هوية اقليمية او عربية او اسلامية جامعة ومتعايشة.
النموذج نفسه بات ينتقل حاليا وبسرعة الى 'سورية القديمة'، مما ينذر بأن 'سورية الجديدة' ربما تكون نموذجاً مشوهاً للعراق الجديد، فقد بدأنا نسمع وبصوت عال عن هوية علوية متحالفة مع هويات درزية واسماعيلية ومسيحية وشيعية، في مقابل هوية سنية تشكل الغالبية الساحقة من المعارضة التي تقاتل النظام الديكتاتوري وتعمل جاهدة لإطاحته.
الوضع الليبي بعد التحرير يسير على المنهجين السوري والعراقي، فليبيا باتت ممزقة مناطقيا تحكمها ميليشيات متعددة المشارب والتوجهات العقائدية، وتتفتت على اسس قبلية ضيقة ايضا، فقبائل التبو في سبها تريد دولة خاصة بها، وقبائل الطوارق تتطلع الى اقتطاع جزء من شمال مالي وآخر من جنوب ليبيا لاقامة دولتها ايضا، اما قبائل برقة (بنغازي وجوارها) فتريد الانسلاخ عن 'الغراوبة' في طرابلس، والمصراتيون بات لهم كيانهم المستقل في الوسط!
' ' '
لبنان ممزق طائفيا وينتظر أن يشتعل هذا التمزق اعتمادا على ما يحدث في سورية، والصورة التي ستنتهي اليها الاوضاع فيها، والسودان خسر ثلث اراضيه بانسلاخ الجنوب، وربما يفقد الثلث الثاني بانفصال دارفور، والبحرين تواجه مستقبلا مجهولا ككيان مستقل، وضمها الى المملكة العربية السعودية ل'تعديل' او 'تذويب' التركيبة السكانية فيها بات امرا غير مستغرب، اما الخليج العربي فيشعر انه مهدد ايرانياً، وهكذا اختلطت الامور سياسيا وعسكريا بطريقة مرعبة، فبعدما كانت هناك اتفاقات دفاع عربي مشترك، وأمن عربي مشترك، بات حلف الناتو هو الذراع العسكرية للأمة العربية، وتراجعت مؤسسة القمة العربية لمصلحة تكتل او تحالف هجين، ممسوخ بين العرب واوروبا وامريكا.
تحالف'أصدقاء ليبيا' بات الحلقة الاولى للتحالف الجديد الذي حلّ، محل الجامعة العربية والدفاع العربي المشترك، بل ومؤسسة القمة، الآن تطور هذا التجمع وتناسخ، وبتنا اليوم نتابع اجتماعات تحالف 'أصدقاء سورية'، وغدا سيكون هناك 'أصدقاء الجزائر' وربما 'أصدقاء السعودية'، و'اصدقاء مصر'، والحبل على الجرّار.
التحالف مع امريكا كان خطيئة حتى الأمس القريب، الآن خوض حروب امريكا، سواء ضد الارهاب او في البلدان العربية لإطاحة انظمة ديكتاتورية بات امرا طبيعيا، بل حضاريا له منظرون ومفكرون، ومن ينتقد ويذكر بالثوابت، ولو على استحياء، فهو نصير للديكتاتوريات القمعية وانتهاك حقوق الانسان. ومن يقول ذلك للأسف هم من يتكئون على ظهور ديكتاتوريات تعتبر 'حميدة' من وجهة نظرهم!
لا نستغرب أن يقودنا هذا التطور المفاجئ الى تحالف مع اسرائيل، وبدأنا نسمع اصواتا تمهد له، من حيث اصدار فتاوى تبرر التحالف مع 'الشيطان' لتخليصنا من الانظمة الديكتاتورية القمعية، التي ترتكب المجازر ضد مواطنيها.
نعم نقرّ ونعترف بأن الانظمة الديكتاتورية القمعية سحقت كرامة شعوبها وتغوّلت في سفك دمائها، وانتهاك أبسط حقوقها الانسانية، ولكن هل يكفي لوم هذه الانظمة، وترك البيت العربي، بل القُطري ايضا، يحترق ويتشظى امام اعيننا؟
نحن مع التغيير الديمقراطي وسقوط كل انظمة القمع والفساد، ومن حقنا في الوقت نفسه ان ننظر الى الأمة بأسرها ومستقبلها، وكيفية الحفاظ على تماسكها، ونشوء مشروعها الحضاري الخاص بها.
أين المثقف العربي، وهل بات دوره متفرجا على انهيار منظومة قيم الهوية الجامعة لمصلحة التفتيت الطائفي والعرقي، وسقوط مفاهيم التعايش بين فسيفساء الأمة والعقيدة الواحدة؟!
وهل صار دور هؤلاء تزيين دور مستعمر الأمس والاستعانة به الان، بدل السعي لطريق ثالث يخلصنا من الديكتاتوريات والمستعمر معا ويحفظ وحدتنا وكراماتنا كشعب عربي عانى الأمرّين وما زال من مخلفات هؤلاء.
كنا وما زلنا نفتخر بأبطال امتنا الذين حاربوا الاستعمار والشهداء الذين قدموا دماءهم وارواحهم من اجل الاستقلال وطرد الاستعمار، امثال عمر المختار ومحمد الخامس وهواري بومدين وجمال عبد الناصر وعبد الكريم الخطابي وسلطان باشا الاطرش وعبد القادر الجزائري، وغيرهم الكثيرون.. نعلق صورهم على أعمدة خيمنا ونعتز بهم وبنضالاتهم.. بمن سنفتخر الآن.. ومن هم الذين سيعلق صورهم اطفالنا واحفادنا في المستقبل القريب؟
' ' '
المثلث العربي الذي تبادل الأدوار الحضارية على مدى ثمانية قرون، وكان مصدر اشعاع في المنطقة والعالم بأسره بات معطوبا وممزقا، فسورية تعيش حربا اهلية، والعراق خارج دائرة الفعل ومحكوم بنظام ديكتاتوري طائفي، ومصر في حال من انعدام وزن، وتعيش مرحلة انتقالية صعبة غير محددة الملامح، وتواجه مؤامرات داخلية وخارجية قد تؤدي الى حالة من عدم الاستقرار والتوازن ربما تستمر سنوات، وفي المغرب العربي الاسلامي هناك قلق وترقب ورعب من حالة فوضى مسلحة زاحفة.
تفكير الغالبية من النخب الثقافية والسياسية وعلماء الاجتماع العرب منصب حاليا حول كيفية ملاحقة الحدث اليومي عبر فضائيات مارست وتمارس أعمال التضليل والكذب في وضح النهار، وقليلون بل نادرون هم الذين ينظرون الى المستقبل، مستقبل الأمة والمنطقة، وينخرطون في دراسات نقدية، ومؤتمرات فكرية تحلل الظاهرة الحالية وفق مناهج علمية موضوعية تعلق الجرس وتضع الحلول والمخارج.
مؤتمر هرتزيليا الاسرائيلي السنوي الذي تشارك فيه اكبر العقول الاسرائيلية واليهودية من مختلف أنحاء العالم، كان من أول المبشّرين، بل العاملين من اجل تفكيك الدولة القطرية العربية كمقدمة لإنهاء مفهوم الهوية الواحدة الجامعة، القومية او الاسلامية.
نحتاج الى صحوة فكرية وسياسية تعيدنا الى ثوابتنا الجامعة الموحدة، تعيد الينا كرامتنا كأمة تحدد المحرمات لتجريم من يقدم عليها، والمحللات لتبنّيها، اما الحالة التي نعيشها حاليا فلا يجب ان تستمر، وإن استمرت رغما عنا بسبب دموية الانظمة الديكتاتورية 'الخبيثة' في مواجهة شعوبها وتآمر الديكتاتوريات 'الحميدة' وتعاونها مع الاستعمار لابعاد ثورات الربيع العربي عن طرف ثوبها، فإن علينا مسؤولية كبرى لايجاد المخارج والدفع باتجاه تقليص الخسائر، ان لم نستطع منعها كليا.
البيت العربي يحترق ونحن إما متفرجون نتبادل التهم، او نصبّ المزيد من الزيت، والعقل غائب او مغيب كليا، ولهذا من الصعب مخادعة النفس والإغراق في التفاؤل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.