لاشك أن الكتاب الذي بين أيدينا الآن التغيير: شهادات في الربيع العربي يستحق التوقف عنده والتأمل فيما حملته صفحاته من شهادات دونها129 مفكرا ومبدعا عربيا حول ثورات الربيع العربي. في هذا الكتاب ستقرأ شهادات لمفكرين وأدباء وفنانين وإعلاميين ونشطاء في الحراك الاجتماعي والسياسي وحقوق الإنسان, بعضهم كان شاهدا أو مشاركا أو فاعلا في فصول التغيير العربي الذي دخل عامه الثالث. بين صفحات الكتاب ستجد وجهات نظر و آراء مختلفة تتناول من زوايا عدة هذا الزلزال العربي الذي حرك مياها راكدة وأطاح برؤساء وشعارات وأنظمة, فهناك آراء سجلت مبكرا وصاحبت الربيع العربي في أول أيامه وهناك آراء جاءت لاحقا مع منعطفات عميقة في أوضاع بلدان عربية مثيرة للجدل وكلها معالجات من وحي تجارب وأحداث تموج بها الساحة العربية ويمكن التأسيس عليها في معاينة مشهد مهم من الوعي العربي. المدونة والناشطة التونسية لينا بن مهني تروي في شهادتها عن ثورة الياسمين كيف لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهما في إنجاح الثورة التونسية وكيف استطاع تويتر أن يحشد الملايين الداعمين لثورة تونس في الداخل والخارج وكيف كان إسم سيدي بوزيد كلمة السر في مرحلة من مراحل الثورة والدور الذي لعبه النشطاء المصريون في دعم ثورة تونس عبر ترجمة وبث ما كان يكتبه نشطاء تونس بالعربية والفرنسية إلي الإنجليزية وإعادة تغريده مرات ومرات, كما ستجد شهادات لكل من: آدم فتحي,ابو بكر العيادي, حسين الواد,يوسف رزوقة, نجاة العدواني وغيرهم. ويتحدث الكاتب الإعلامي والكاتب العراقي المعارض سعد البزاز عن دورة الثورة وكيف تأتي أقدار المتجبرين بأيدي المستضعفين بداية من الثورة الفرنسية مرورا بالثورة الروسية وانتهاء بالربيع العربي, مؤكدا أن النصر في الثورة ليس انتقاما من الماضي بل هو القدرة علي امتلاك المستقبل حين يتم الوصول إلي الإقرار الدستوري والأخلاقي بأن الأصل في الكفاح هو الفرد في حريته وكرامته وأن أصل الدولة هو في قدرتها علي خدمة هذا الفرد, ومن العراق تقرأ أيضا شهادات لكل من: سعدي يوسف,فاتح عبدالسلام, فاضل ثامر, ميسلون هادي, ويؤكد الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي أن المثقفين يجب أن يكون لهم دور أخلاقي في تلك المرحلة التاريخية المهمة عبر إمداد الجمهور بالثقافة السياسية التي تساعده أن يحول الثورة إلي نظام يقوم علي مباديء وقيم وقوانين لابد أن تصبح مؤسسات, معتبرا أن ثورة25 يناير أعظم الثورات في العصر الحديث لكون الشعب المصري طالب بحريته قبل الحصول علي احتياجاته المعيشية برغم معاناته من الفقر والجوع وهو ما أضاف بعدا إنسانيا لتلك الثورة التي لم يستطع إخفاء قلقه عليها من الثورة المضادة, مطالبا المثقفين بمواجهتها ومواجهة محاولات الاتجار بالدين والثورة. بالإضافة لشهادات لكل من: أنيس منصور, إبراهيم عبدالمجيد, وحيد الطويلة, عادل إمام, يسري الجندي, خالد يوسف, خالد الصاوي, وغيرهم. ومن سوريا يتحدث المفكر صادق جلال العظم عن الربيع العربي والأحزاب الإسلامية, لافتا إلي كون الربيع العربي أظهر نوعا آخر من الوحدة العربية ينبع من الأسفل عبر الهتافات المدوية التي ترددت من تونس إلي مصر إلي ليبيا إلي اليمن وسوريا, ويوضح الكاتب السوري ثائر زين الدين أن تلك الثورات تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن لا سكون في حركة التاريخ كما ظن البعض وأدي بالكثيرين إلي اليأس والتسليم, وأن الشعوب قد تعيش حالة كمون تخدع حكامها بالثبات والاستقرار, محذرا من اختطاف الثورة. شهادات أخري كثيرة تقرأها في هذا الكتاب من المغرب والبحرين وفلسطين والجزائر والسعودية واليمن وعمان توضح كيف يري مبدعوها ثورات الربيع العربي حتي وإن كانت رياحها تبدو بعيدة عن بلادهم إلا أنك ستكتشف أنها أقرب مما يظن الكثيرون. صدر عن منشورات الزمان بلندن.