الآن.. رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 في الجيزة (فور إعلانها)    بعد واقعة عبدالرحمن أبو زهرة.. رئيس الوزراء يعتذر لمتضرري المعاشات    «لا تلبي متطلبات العصر ».. «السجيني»: القوانين الاستثنائية القديمة تعيق حل الأزمة بين المالك والمستأجر    وزير الخارجية: إسرائيل ترتكب جرائم غير مسبوقة.. وعدم دخول المساعدات أمر مرفوض    صراع من أجل البقاء.. بحث يائس عن الطعام ومجاعة تلوح فى الأفق.. الأمم المتحدة: غالبية السكان وصلوا إلى مرحلة «الجوع والموت والعوز" ومستويات حرجة للغاية من سوء التغذية الحاد»    سفير أوكرانيا بالقاهرة: تجميد الدعم الأمريكي أثّر سلبًا على سير المعارك مع روسيا    تذكرة ذهاب بلا عودة.. خطة إسرائيلية لإفراغ شمال غزة عبر مراكز توزيع المساعدات    محمد رمضان عن الحكم بإيداع نجله دار رعاية: لا أشك في نزاهة القضاء المصري    «غرفة سرية بهرم خوفو ومصادر للطاقة».. علماء الآثار يكشفون حقيقة ما جاء في فيلم «المشروع X»    عمرو الورداني: الالتجاء إلى الله سنة لمواجهة الكوارث وتحقيق التوازن النفسى    "فسيولوجيا فيه مشكلة".. نجل شقيقه يكشف أسباب عدم زواج عبد الحليم حافظ    أحمد موسى: مصر تفتتح أكبر سوق جملة لضبط الأسعار أكتوبر المقبل    إيران: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا تهدد السلم في المنطقة    وزيرا خارجية الجزائر وألمانيا يبحثان القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    مصرع طفل غرقا في ترعة الصافيه بكفر الشيخ    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    الزمالك يعلن في بيان رسمي توقيع اتفاقية لتسهيل تجديد العضويات    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    بيع 6 قصور.. اتهامات متبادلة بين أحفاد نوال الدجوي بشأن الثروة    الشباب والتعليم تبحثان استراتيجية المدارس الرياضية الدولية    البورصة توافق على القيد المؤقت ل " فاليو "    مصدر: التعليم الثانوي ينطلق بمرونة لمواكبة التخصصات الحديثة    هل كانت المساجد موجودة قبل النبي؟.. خالد الجندي يوضح    تشكيل بتروجيت لمواجهة سيراميكا في كأس عاصمة مصر    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    مصر تدين إطلاق النار من قبل الجانب الإسرائيلي خلال زيارة لوفد دبلوماسي دولي إلى جنين    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الزامبى على هامش الاجتماع الأفريقى الأوروبى    «غيّر اسمه 3 مرات».. حقيقة حساب أحمد السقا غير الموثق على «فيسبوك»    فيتسلار الألماني يعلن تعاقده مع نجم اليد أحمد هشام سيسا    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    ماركو بونيتا: أسعى لتحسين تصنيف فراعنة الطائرة ولا أسمح بالتدخل فى اختيارات القائمة الدولية    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    فيديو يكشف طريقة سرقة 300 مليون جنيه و15 كيلو ذهب من فيلا نوال الدجوي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على الأطفال في مناقشات قصور الثقافة بالغربية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قبل مواجهة بتروجيت.. قرار من أيمن الرمادي بعد انتهاء معسكر الزمالك    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المرور اليوم.. زحام وكثافات بشوارع ومحاور القاهرة والجيزة    تحت ال50 .. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 21 مايو 2025    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
مصر والعرب والدوحة

تابعت عن قرب قمة العرب الأخيرة بالعاصمة القطرية, التي جاءت في ظروف استثنائية يمر بها العالم العربي, حيث الإطاحة خلال العامين الماضيين بعدد من القادة من أمثال حسني مبارك, ومعمر القذافي, وزين العابدين بن علي, وعلي عبدالله صالح, واستبعاد بشار الأسد, وحيث المخاوف التي تنتاب عددا آخر من القادة, وحيث غياب البعض الثالث, إما لظروف المرض, وإما لعدم الاهتمام لعدم الجدوي.
إلا أنه وفي كل الأحوال, وحتي إذا تبدلت كل الأسماء والوجوه, فقد بدا واضحا أن القضية الفلسطينية سوف تظل القاسم المشترك في كلمات القادة, وتظل الجملة العتيقة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف هي حجر الزاوية في هذه الكلمات, حتي إن كان بعض من يرددونها ربما لا يعرفون موقع القدس علي الخريطة, وبالتالي فقد لا تدرك الأغلبية كيفية تنفيذ ذلك, ومن هنا لا نري علي الأرض أي تحرك علي هذا الصعيد, سياسيا كان أو عسكريا.
وعلي الرغم من أن القادة العرب يلتقون في قمم من هذا النوع علي مدي67 عاما- أي منذ قمتهم الأولي في أنشاص عام1946- فإن ما تحقق بين دولهم ودويلاتهم من تكامل علي أرض الواقع, قد لا يتناسب مع حجم ما ينفق علي هذه القمم, علي الرغم من العوامل المشتركة والروابط التي حباهم الله بها, من حيث وحدة التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والأصول والفروع والأنساب, وحتي التقاليد والأعراف والثقافات.
فمازالت حركة الشعوب في الانتقال بين دولة وأخري تحتاج إلي كثير من الجهد والأختام, ومازالت حركة التجارة البينية تحتاج إلي الكثير من الإخلاص, حيث لم تتعد10% من المعاملات مع الآخرين, ومازالت العملات في دول العالم العربي بعدد هذه الدول, بل مازال في النفوس الكثير خاصة بين القادة, علي الرغم من حرارة اللقاء, وسخونة القبلات والأحضان.. إلا أن ما يثير التفاؤل هو أن الشعوب مازالت قلوبها تنبض بالعروبة, وعقولها ترنو إلي التكامل, أملا في استقلال حقيقي, بمنأي عن الوصاية أو التبعية.
فحين الحديث عن قضية فلسطين, لن تجد أبدا في الخطاب الرسمي العربي من يتحدث عن حرب, أو حتي سلام, وبالتالي لن تسمع أي ذكر لدعم المقاومة الفلسطينية علي سبيل المثال, أو حتي ضغط سياسي لتحرير فلسطين من خلال المفاوضات, أو من خلال تنبيه أصدقاء إسرائيل إلي أهمية هذه القضية, أو أهمية إيجاد حل لها, ومن هنا تحولت هذه القضية إلي مكلمة في الميكروفونات, وتحصيل حاصل في البيانات والتوصيات, مع انشغال كل عاصمة عربية علي حدة بقضاياها الداخلية الشائكة, وأهمها تلك الفجوة الواسعة بين الحكام والشعوب, وتوارت قضية العرب الأولي, حتي أمام المنظمات الدولية, مما جعل دولة الاحتلال تفرض المزيد من سياسات الأمر الواقع علي الأرض, ببناء مزيد من المستوطنات, واعتقال مزيد من الأبرياء, وسفك مزيد من الدماء, ولم نعد نملك سوي بيانات الشجب والاستنكار, وأقصي أمانينا هو أن تشجب المنظمات الدولية وتستنكر هي الأخري, دون استخدام حق فيتو من هنا أو هناك.
وحين الحديث..
عن استثمارات عربية, فسوف نجد أن الجزء الأكبر منها قد ذهب بغير رجعة إلي دول غير عربية, بمقدار14 تريليون دولار سواء من خلال العواصم أو الأشخاص, والتي كان يمكن أن تجعل من التنمية في عالمنا العربي نموذجا لو تم استغلال نصفها أو ربعها بالداخل, وهو الأمر الذي كان يجب أن يتصدر جدول أعمال أي قمة عربية, أو أي تجمع عربي من أي نوع, إلا أن أمر التكامل العربي قد توقف عند وديعة هنا أو صندوق للدعم هناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل السقوط الذي يمكن أن يلقي بظلاله علي الجميع, ومن هنا كانت دعوة الشيخ حمد بن خليفة, أمير قطر, في كلمته للقمة إلي ضرورة دعم مصر في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها, وكان من المهم أن يبرر ذلك أيضا بأن مصر قد وقفت في السابق مع الجميع, ولها فضل علي الجميع, ولها أياد بيضاء علي الجميع في محاولة لإقناع الحضور بأهمية هذه الدعوة التي يشكر عليها, في كل الأحوال, في ظل هذه الظروف التي تنكر فيها البعض لمصر وأهلها لأسباب مختلفة.
إلا أن الحديث عن مصر, هنا, سوف يفتح ملفا في غاية التعقيد الآن, وأخطر أوراقه هو ما حذر ونبه إليه الرئيس محمد مرسي في كلمته من التدخل في الشأن المصري, في إشارة بالغة إلي أن هناك بين الدول المشاركة من يحاول ذلك, بل من فعل ذلك, وهي حقيقة واضحة سواء بدعم مادي للغوغاء ومثيري الفوضي, أو بإيواء مارقين, أو بالتطاول علي القيادة السياسية بها, وكلها أمور غريبة عن العلاقات العربية العربية, وبصفة خاصة حينما يتعلق الأمر بمصر, التي سوف تظل ركيزة الأمن القومي العربي مهما اعتراها من عثرات, ومهما كان الآخرون يرون في القوي العظمي ملاذا آمنا من النكبات, أو في مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية, وذلك لأن مصر هنا تنطلق من مسئوليتها التاريخية والعربية والدينية, أما الآخرون فلديهم حساباتهم المتعلقة بالمكسب والخسارة, والمرتبطة بلعبة التوازنات, وهو الأمر الذي لم يعه حتي الآن, أطفال وعملاء وبلهاء, دفعوا بالمنطقة إلي حافة الخطر.
ولأنه..
لم يعد هناك الكبير أو من يقوم بدور الكبير في حل النزاعات العربية بعيدا عن ساحات المحاكم والتحكيم, فقد حملت دولة قطر علي عاتقها أيضا محاولات التوفيق والتوافق من خلال إمكاناتها المادية الهائلة, وجاءت دعوة الأمير لعقد قمة مصغرة بالقاهرة بين الفصيلين الفلسطينيين المتناحرين لتأكيد هذا الدور, وإن كان اختيار القاهرة هنا لاستضافة هذه القمة كاعتراف بأهمية الدور المصري نحو هذه القضية تحديدا, إلا أنه لم يظهر في الأفق ما يشير إلي محاولات من أي نوع لاحتواء الموقف بين القاهرة وعواصم أخري انتاب العلاقات معها بعض الفتور فيما بعد الثورة, نتيجة ممارسات لم تكن متوقعة, أو ليس هناك ما يبررها, بل إن الأمور آخذة في التفاقم مع تأكيد معلومات تتحدث عن تهريب أموال مصرية طائلة إلي إحدي هذه العواصم عقب الثورة, علاوة علي استضافة هاربين يجاهرون بالعداء للسلطة بل التخطيط للنيل منها.
ولذلك..
فإن قرار إنشاء مجلس أمن عربي لحل النزاعات العربية لا يمكن أن يكون أبدا وسيلة مثلي, في ظل ما ينشده المواطن العربي من علاقات قائمة علي الثقة المتبادلة, والأخوة, والمصير المشترك, وإلا فإن روح العداء سوف تتفاقم من خلال ساحات حل النزاعات هذه, وتظل الأموال العربية في حالة هجرة دائمة, وخاصة إذا علمنا أن الفوائض المالية في موازنات دول الخليج العربي( موازنات عام2013-2012) من المنتظر أن تزيد علي300 مليار دولار متأثرة بأسعار النفط المرتفعة وزيادة الصادرات النفطية, ناهيك عن أثر هذه الحالة علي استقدام العمالة من الدول التي تعتمد في موازناتها علي تحويلات مواطنيها من الخارج, وأثر ذلك أيضا علي زيادة التوتر بالمنطقة, وحدة نبرة الخطاب الإعلامي المستخدم الآن, مما سمح للمزايدين من المشارب المختلفة باستغلال الموقف أسوأ استغلال لأغراض شخصية أحيانا, ولخدمة أهداف خارجية في معظم الأحيان.
يجب أن نعترف بأن الموقف العربي من الأزمة السورية, وحتي بعد إقرار تمثيل المعارضة السورية في القمة, مازال يكتنفه العديد من اللغط, وذلك لأن هذا التطور لم ينل إجماعا من القادة, أو من جميع الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية, حيث رآه البعض تسرعا ينذر بعواقب وخيمة مستقبلا علي دول أخري, قد تري المعارضة فيها أنها الأحق بتمثيل بلادها, بينما رأي البعض أن عمليات المصالحة علي الساحة السورية كان يجب أن تبذل جهودا أكبر, إلا أن الدعوة إلي تسليح المعارضة هناك جاءت هي الأخري بمثابة قفز علي كل هذه المحاور, لتؤكد أن الأزمة السورية سوف تدفع خلالها كل الأطراف ثمنا باهظا من الدماء, والأرواح, والدمار, في حال استمرت هذه الأزمة داخل الأراضي السورية فقط, والسؤال الآن هو: ماذا لو تعدت الأزمة الحدود إلي دول أخري مجاورة؟!..
كان من المهم مع التطورات الدولية في علاقات التجمعات الإقليمية, ومع ما حدث في منطقتنا تحديدا من تطور بالغ الأثر علي الحكام والمحكومين في آن واحد, أن يبدأ التجمع العربي صفحة جديدة من علاقات قائمة علي الإحساس بالمسئولية وبالخطر في آن واحد, ففي الوقت الذي لم يعد فيه مكان في العالم للكيانات الفردية, بدت الأطماع الخارجية تطل برأسها من جديد علي المنطقة, بل بدت هناك أطماع إقليمية في ثروات الدول الصغيرة, كما أن محاولات فرض النفوذ والهيمنة بدت واضحة, في الوقت الذي تم فيه استدراج الجميع لأزمات طائفية ومذهبية كنا في غني عنها, وقت أن كانت هناك أولويات أكبر من ذلك بكثير, وهو الأمر الذي يتطلب إعلاء مصلحة الشعوب في هذه الآونة التي أصبحت فيها المنطقة مهددة بالتقسيم من جديد, وأصبحت خطط التقسيم والتفتيت معلنة بوضوح, ولن يسلم منها لا الشمال ولا الجنوب إن استمرت الأوضاع كما هي الآن.
علي أي حال..
مازالت الفرصة سانحة الآن لعالمنا العربي كي يثبت أنه رقم صعب في العلاقات الدولية, وليس مجرد مصدر ثروات يستفيد منها الآخرون بلا مقابل, ومازالت الفرصة سانحة لأن يحقق القادة العرب تطلعات شعوبهم بالتقدم والازدهار بعد عقود طويلة من التخلف والقهر, ومازالت الفرصة سانحة لوئام عربي يتناسب مع العوامل المشتركة التي كان يجب استغلالها في الوحدة ولم الشمل, وأعتقد أن ما يحدث الآن من حراك مجتمعي وسياسي كان يجب أن يصب في تحقيق هذه الأهداف, وليس العكس, أما وإن ظلت القمم العربية مجالا خصبا للخطابة والاستشهاد بأبيات الشعر القديم, وآيات الذكر الحكيم, دون ترجمة ذلك علي أرض الواقع, فسوف نظل ندور في الحلقة المفرغة نفسها من جلد الذات والنحيب والبكاء علي الأطلال, في وقت تتسارع فيه نهضة العالم من حولنا بتجمعات حقيقية توحدت فيها السياسات, والعملات, باقتصاد موحد, واستثمارات مشتركة, وحدود مفتوحة, ومن ثم تطلعات لا تتوقف عند حد.
علي هامش القمة
جاء لقاء الرئيس محمد مرسي, علي هامش القمة العربية بالدوحة, سواء مع منتدي الأعمال المصري- القطري, أو مع الجالية المصرية هناك, بمثابة رسالة طمأنة إلي هؤلاء وأولئك بأن مصر علي الطريق الصحيح, وأن أحداث القلق والتوتر المتفاوتة لن تؤثر بأي حال علي المسيرة التي انطلقت.
واستشهد الرئيس علي ذلك بأن هناك17 مليونا يعملون بالقطاع الخاص, ويذهبون إلي أعمالهم يوميا بالإضافة إلي ستة ملايين يعملون بالقطاع العام, كما أن هناك ثلاثة ملايين فلاح يتعاملون مع الأراضي الزراعية بطريقة مباشرة ويذهبون أيضا إلي حقولهم يوميا, وقد أسهموا بصورة واضحة في زيادة الإنتاج الزراعي, ومن هنا فإن مشعلي الحرائق وإطارات السيارات هم فئة محدودة تفعل ذلك مقابل مبالغ مالية تصل إليهم بالدولار, وقد تعدي دورهم إلي حرق وتخريب المنشآت.
وقد جاء حديث الرئيس في اللقاءين وسط غضب واضح من الحضور, الذين هاجموا بشدة هذه المظاهر, مطالبين بالضرب بيد من حديد علي كل من يقف وراءها, كما هاجموا بشدة أيضا وسائل الإعلام التي رأوا أنها تدعم الفوضي في الشارع المصري, مطالبين أيضا باتخاذ موقف حاسم حيالها, إلا أن الرئيس استخدم تعبيرا لافتا وهو' الغضب من الشيطان', مشيرا إلي أن التعامل الآن سوف يكون بالقانون, وحتي لو كان بالقانون عوار علي حد قوله فسوف نصبر.
لقد عشت سنوات طويلة مغتربا, وأعي مشاعر المواطن تجاه بلده وهو في الغربة, وكيف أنه يتألم كثيرا حينما يسمع خبرا سيئا عن بلده, ولذلك كنت أدرك حالة الثورة والحزن في عيون وعلي وجوه الحاضرين, وهم يطالبون الرئيس باتخاذ موقف حاسم تجاه مثيري الشغب في مصر, وتجاه المحرضين, سياسيين كانوا, أو إعلاميين.. وللمصريين في دولة قطر خصوصية, فهم الذي أطلقوا مبادرة' ادعم اقتصاد بلدك, وحول من مدخراتك إلي مصر', ولنا أن نعلم أن تحويلات المصريين من الخارج قد ارتفعت بالفعل خلال الشهور الأخيرة.
ومن خلال التناول الإعلامي الفضائي, علي امتداد الليل, للأوضاع في مصر, تخيل كل مقيم في الخارج أن مصر مشتعلة, وأن شوارعها لم تعد تصلح للحياة, وأن الوضع الأمني لم يعد قابلا للعلاج, وأن الجوع أصبح القاسم المشترك بين أفراد الشعب, وأن الدولة علي حافة السقوط, وبالتالي فإن العودة إلي مصر تصبح مستحيلة حتي لو كانت لقضاء إجازة سنوية, ولذلك فقد استخدم الرئيس تعبير' أرجو أن تنظروا إلي مصر نظرة المطمئن الذي يدرك أن هناك مشاكل, إلا أنها قابلة للحل, حتي لو كان في مصر شيطان يعبث كما هو الحال الآن, بضيق بصيرة, وضيق صدر'.
وربما كانت ممارسات النخبة السياسية في مصر لم تضع المصريين بالخارج في الاعتبار حال تعاملها مع الأزمات, كما لم تضع نظرة العالم الخارجي ككل في الاعتبار, وهو ما أثر بدوره علي الاقتصاد والاستثمار والسياحة وكل شيء, وإذا كنا سنظل نلقي بمسئولية الأحداث الراهنة علي البلطجة والبلطجية, فمن المهم ومن الضروري أن تكشف الأجهزة الرسمية عمن يقف وراءهم ويمولهم, وخاصة أن الرئيس قد أكد أنه لا يتهم أحدا من فراغ, وإنما هناك أدلة وحقائق مسجلة وموثقة في هذا الصدد, وخاصة من جهات خارجية تعبث بالمشهد المصري, وقال:' إن هذا مجرد تحذير, حرصا علي عدم إحداث مزيد من الشقاق بين الأشقاء في الوطن العربي'.
إلا أنه, ومن خلال هذا الحوار, أري أن المشهد في مصر الآن يحتاج إلي قوة وعدم تردد في التعامل معه, وخاصة إذا تعلق الأمر بأمن المواطن وأمانه, أو باستقرار الدولة ومستقبلها, أما إذا استمر عشرات البلطجية يعبثون بالميادين والمنشآت, كما هو الوضع الآن, دون تدخل حاسم من الأجهزة الرسمية, فالأمر سوف يخرج عن السيطرة عاجلا أو آجلا, ولن يستطيع أحد أن ينظر لا إلي الحاضر ولا إلي المستقبل نظرة المطمئن التي يدعو إليها الرئيس.
وإذا كان الرئيس قد أكد في حديثه أن فرص الاستثمار في مصر متعددة وذات عوائد متميزة علي حد قوله وإذا كان قد دعا رجال الأعمال القطريين والمصريين علي السواء للاستثمار في مصر, فإننا سوف نظل نؤكد أن ذلك لن يتحقق دون عودة الهدوء إلي الشارع, حتي لو كان الانفلات الحاصل من صنع مجموعة صغيرة من البلطجية, أو من صنع مجموعة محددة من القوي السياسية, أو بتمويل من جهة معينة خارجية, ولن يقبل الشعب أن تظل مقدراته رهنا بهؤلاء أو أولئك, ففي النهاية مصر هي التي تدفع الثمن, وشعب مصر هو الذي يتألم, ولن يسجل فصيل سياسي تفوقا علي حساب آخر أبدا في ظل هذه الظروف التي يمكن أن يحترق بنارها الجميع.
[email protected]
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.