العربية لحقوق الإنسان: البعثة الدولية للمنظمة ستتابع المرحلة الثانية من انتخابات النواب في 20 لجنة عامة ب8 محافظات    وزير الإسكان ومحافظ الفيوم يتفقدان توسعات محطة معالجة "كحك" بمركز يوسف الصديق    مشروع البتلو| طفرة في إنتاج مصر من اللحوم والألبان.. نائب وزير الزراعة: مشروع البتلو وفر فرص العمل للشباب الخريجين.. الصياد: المشروع يمول شراء الماشية والتغذية ويقدم الإشراف البيطري المستمر    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا العدوان الإسرائيلي    غزة والسودان والاستثمارات.. تفاصيل مباحثات وزير الخارجية ونظيره النيجيري    الأهلي ينعي نبيل خشبة أمين صندوق اتحاد كرة اليد    سلوت: تحميل صلاح مسؤولية الخسارة أمام مانشستر سيتي «ليس عدلا»    الإعدام شنقا لصاحب محل أحذية قتل صديقه وألقى جثته داخل مصرف بالشرقية    الصحة: الوضع الوبائي للفيروسات التنفسية في مصر مستقر تماما.. ولقاح الإنفلونزا متوفر بالوحدات الصحية    كيف تحمي الأغذية الصحية الدماغ وتؤخر الأمراض المزمنة في الشيخوخة؟.. دراسة تجيب    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    شهيد في غارة إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    يخدم 950 ألف نسمة.. وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ مجمع محطات مياه بالفيوم    مؤتمر عبد الرؤوف: هذا ترتيب حراس الزمالك.. وشيكو بانزا أرسل شهادة وفاة أخيه    يلا شووووت بث مباشر YouTube... مشاهدة مباراة الهلال والفتح في دوري روشن السعودي | شاهد البث دون تقطيع أو تشفير    بث مباشر.. الهلال والفتح.. مواجهة نارية تحمل تاريخًا طويلًا وهيمنة زرقاء مستمرة في دوري روشن    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    الإحصاء: 10.6% ارتفاعا في حجم الصادرات المصرية إلى مجموعة دول العشرين خلال 9 أشهر    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    أبرز 6 مواصفات للسيارة الحضارية بديل «التوك توك» في الجيزة    وزير الثقافة يختتم فعاليات الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    تحضيرات خاصة لمسلسل "أنا وهو وهم" قبل تصويره لموسم رمضان 2026    نسرين طافش وأحمد صلاح حسني بطلا مسلسل أنا وهو وهم في رمضان 2026    موعد عرض الحلقة الرابعة من برنامج دولة التلاوة على قنوات المتحدة    الحكم على مها الصغير في قضية سرقة اللوحات 27 ديسمبر    مايان السيد: "عانيت من الخوف سنين ومعنديش مانع أتابع مع طبيب نفسي"    الإفتاء يوضح حكم التأمين على الحياة    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    كيف نحمي أطفالنا في المدارس؟.. خبيرة تربوية ونفسية تجيب | فيديو    الرعاية الصحية: الوعي أساس إنقاذ الحياة.. وبرنامج ترشيد المضادات مشروع وطني استراتيجي    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    آخر تطورات سعر الين الياباني أمام الجنيه في البنك المركزي    الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدتين جديدتين في زابوروجيه ودونيتسك    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    فريق قادرون باختلاف يتألق على مسرح وزارة الشباب والرياضة في أسيوط    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    بالأسماء.. إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب تروسيكل بالبحيرة    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    تشيلسي في مواجهة سهلة أمام بيرنلي في البريميرليج    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    انتخابات مجلس النواب بالخارج، التنسيقية ترصد انطلاق التصويت في 18 دولة باليوم الثاني    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    ليلة فرحها.. جنازة مهيبة لعروس المنوفية بعد وفاتها داخل سيارة الزفاف    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
مصر والعرب والدوحة

تابعت عن قرب قمة العرب الأخيرة بالعاصمة القطرية, التي جاءت في ظروف استثنائية يمر بها العالم العربي, حيث الإطاحة خلال العامين الماضيين بعدد من القادة من أمثال حسني مبارك, ومعمر القذافي, وزين العابدين بن علي, وعلي عبدالله صالح, واستبعاد بشار الأسد, وحيث المخاوف التي تنتاب عددا آخر من القادة, وحيث غياب البعض الثالث, إما لظروف المرض, وإما لعدم الاهتمام لعدم الجدوي.
إلا أنه وفي كل الأحوال, وحتي إذا تبدلت كل الأسماء والوجوه, فقد بدا واضحا أن القضية الفلسطينية سوف تظل القاسم المشترك في كلمات القادة, وتظل الجملة العتيقة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف هي حجر الزاوية في هذه الكلمات, حتي إن كان بعض من يرددونها ربما لا يعرفون موقع القدس علي الخريطة, وبالتالي فقد لا تدرك الأغلبية كيفية تنفيذ ذلك, ومن هنا لا نري علي الأرض أي تحرك علي هذا الصعيد, سياسيا كان أو عسكريا.
وعلي الرغم من أن القادة العرب يلتقون في قمم من هذا النوع علي مدي67 عاما- أي منذ قمتهم الأولي في أنشاص عام1946- فإن ما تحقق بين دولهم ودويلاتهم من تكامل علي أرض الواقع, قد لا يتناسب مع حجم ما ينفق علي هذه القمم, علي الرغم من العوامل المشتركة والروابط التي حباهم الله بها, من حيث وحدة التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والأصول والفروع والأنساب, وحتي التقاليد والأعراف والثقافات.
فمازالت حركة الشعوب في الانتقال بين دولة وأخري تحتاج إلي كثير من الجهد والأختام, ومازالت حركة التجارة البينية تحتاج إلي الكثير من الإخلاص, حيث لم تتعد10% من المعاملات مع الآخرين, ومازالت العملات في دول العالم العربي بعدد هذه الدول, بل مازال في النفوس الكثير خاصة بين القادة, علي الرغم من حرارة اللقاء, وسخونة القبلات والأحضان.. إلا أن ما يثير التفاؤل هو أن الشعوب مازالت قلوبها تنبض بالعروبة, وعقولها ترنو إلي التكامل, أملا في استقلال حقيقي, بمنأي عن الوصاية أو التبعية.
فحين الحديث عن قضية فلسطين, لن تجد أبدا في الخطاب الرسمي العربي من يتحدث عن حرب, أو حتي سلام, وبالتالي لن تسمع أي ذكر لدعم المقاومة الفلسطينية علي سبيل المثال, أو حتي ضغط سياسي لتحرير فلسطين من خلال المفاوضات, أو من خلال تنبيه أصدقاء إسرائيل إلي أهمية هذه القضية, أو أهمية إيجاد حل لها, ومن هنا تحولت هذه القضية إلي مكلمة في الميكروفونات, وتحصيل حاصل في البيانات والتوصيات, مع انشغال كل عاصمة عربية علي حدة بقضاياها الداخلية الشائكة, وأهمها تلك الفجوة الواسعة بين الحكام والشعوب, وتوارت قضية العرب الأولي, حتي أمام المنظمات الدولية, مما جعل دولة الاحتلال تفرض المزيد من سياسات الأمر الواقع علي الأرض, ببناء مزيد من المستوطنات, واعتقال مزيد من الأبرياء, وسفك مزيد من الدماء, ولم نعد نملك سوي بيانات الشجب والاستنكار, وأقصي أمانينا هو أن تشجب المنظمات الدولية وتستنكر هي الأخري, دون استخدام حق فيتو من هنا أو هناك.
وحين الحديث..
عن استثمارات عربية, فسوف نجد أن الجزء الأكبر منها قد ذهب بغير رجعة إلي دول غير عربية, بمقدار14 تريليون دولار سواء من خلال العواصم أو الأشخاص, والتي كان يمكن أن تجعل من التنمية في عالمنا العربي نموذجا لو تم استغلال نصفها أو ربعها بالداخل, وهو الأمر الذي كان يجب أن يتصدر جدول أعمال أي قمة عربية, أو أي تجمع عربي من أي نوع, إلا أن أمر التكامل العربي قد توقف عند وديعة هنا أو صندوق للدعم هناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل السقوط الذي يمكن أن يلقي بظلاله علي الجميع, ومن هنا كانت دعوة الشيخ حمد بن خليفة, أمير قطر, في كلمته للقمة إلي ضرورة دعم مصر في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها, وكان من المهم أن يبرر ذلك أيضا بأن مصر قد وقفت في السابق مع الجميع, ولها فضل علي الجميع, ولها أياد بيضاء علي الجميع في محاولة لإقناع الحضور بأهمية هذه الدعوة التي يشكر عليها, في كل الأحوال, في ظل هذه الظروف التي تنكر فيها البعض لمصر وأهلها لأسباب مختلفة.
إلا أن الحديث عن مصر, هنا, سوف يفتح ملفا في غاية التعقيد الآن, وأخطر أوراقه هو ما حذر ونبه إليه الرئيس محمد مرسي في كلمته من التدخل في الشأن المصري, في إشارة بالغة إلي أن هناك بين الدول المشاركة من يحاول ذلك, بل من فعل ذلك, وهي حقيقة واضحة سواء بدعم مادي للغوغاء ومثيري الفوضي, أو بإيواء مارقين, أو بالتطاول علي القيادة السياسية بها, وكلها أمور غريبة عن العلاقات العربية العربية, وبصفة خاصة حينما يتعلق الأمر بمصر, التي سوف تظل ركيزة الأمن القومي العربي مهما اعتراها من عثرات, ومهما كان الآخرون يرون في القوي العظمي ملاذا آمنا من النكبات, أو في مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية, وذلك لأن مصر هنا تنطلق من مسئوليتها التاريخية والعربية والدينية, أما الآخرون فلديهم حساباتهم المتعلقة بالمكسب والخسارة, والمرتبطة بلعبة التوازنات, وهو الأمر الذي لم يعه حتي الآن, أطفال وعملاء وبلهاء, دفعوا بالمنطقة إلي حافة الخطر.
ولأنه..
لم يعد هناك الكبير أو من يقوم بدور الكبير في حل النزاعات العربية بعيدا عن ساحات المحاكم والتحكيم, فقد حملت دولة قطر علي عاتقها أيضا محاولات التوفيق والتوافق من خلال إمكاناتها المادية الهائلة, وجاءت دعوة الأمير لعقد قمة مصغرة بالقاهرة بين الفصيلين الفلسطينيين المتناحرين لتأكيد هذا الدور, وإن كان اختيار القاهرة هنا لاستضافة هذه القمة كاعتراف بأهمية الدور المصري نحو هذه القضية تحديدا, إلا أنه لم يظهر في الأفق ما يشير إلي محاولات من أي نوع لاحتواء الموقف بين القاهرة وعواصم أخري انتاب العلاقات معها بعض الفتور فيما بعد الثورة, نتيجة ممارسات لم تكن متوقعة, أو ليس هناك ما يبررها, بل إن الأمور آخذة في التفاقم مع تأكيد معلومات تتحدث عن تهريب أموال مصرية طائلة إلي إحدي هذه العواصم عقب الثورة, علاوة علي استضافة هاربين يجاهرون بالعداء للسلطة بل التخطيط للنيل منها.
ولذلك..
فإن قرار إنشاء مجلس أمن عربي لحل النزاعات العربية لا يمكن أن يكون أبدا وسيلة مثلي, في ظل ما ينشده المواطن العربي من علاقات قائمة علي الثقة المتبادلة, والأخوة, والمصير المشترك, وإلا فإن روح العداء سوف تتفاقم من خلال ساحات حل النزاعات هذه, وتظل الأموال العربية في حالة هجرة دائمة, وخاصة إذا علمنا أن الفوائض المالية في موازنات دول الخليج العربي( موازنات عام2013-2012) من المنتظر أن تزيد علي300 مليار دولار متأثرة بأسعار النفط المرتفعة وزيادة الصادرات النفطية, ناهيك عن أثر هذه الحالة علي استقدام العمالة من الدول التي تعتمد في موازناتها علي تحويلات مواطنيها من الخارج, وأثر ذلك أيضا علي زيادة التوتر بالمنطقة, وحدة نبرة الخطاب الإعلامي المستخدم الآن, مما سمح للمزايدين من المشارب المختلفة باستغلال الموقف أسوأ استغلال لأغراض شخصية أحيانا, ولخدمة أهداف خارجية في معظم الأحيان.
يجب أن نعترف بأن الموقف العربي من الأزمة السورية, وحتي بعد إقرار تمثيل المعارضة السورية في القمة, مازال يكتنفه العديد من اللغط, وذلك لأن هذا التطور لم ينل إجماعا من القادة, أو من جميع الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية, حيث رآه البعض تسرعا ينذر بعواقب وخيمة مستقبلا علي دول أخري, قد تري المعارضة فيها أنها الأحق بتمثيل بلادها, بينما رأي البعض أن عمليات المصالحة علي الساحة السورية كان يجب أن تبذل جهودا أكبر, إلا أن الدعوة إلي تسليح المعارضة هناك جاءت هي الأخري بمثابة قفز علي كل هذه المحاور, لتؤكد أن الأزمة السورية سوف تدفع خلالها كل الأطراف ثمنا باهظا من الدماء, والأرواح, والدمار, في حال استمرت هذه الأزمة داخل الأراضي السورية فقط, والسؤال الآن هو: ماذا لو تعدت الأزمة الحدود إلي دول أخري مجاورة؟!..
كان من المهم مع التطورات الدولية في علاقات التجمعات الإقليمية, ومع ما حدث في منطقتنا تحديدا من تطور بالغ الأثر علي الحكام والمحكومين في آن واحد, أن يبدأ التجمع العربي صفحة جديدة من علاقات قائمة علي الإحساس بالمسئولية وبالخطر في آن واحد, ففي الوقت الذي لم يعد فيه مكان في العالم للكيانات الفردية, بدت الأطماع الخارجية تطل برأسها من جديد علي المنطقة, بل بدت هناك أطماع إقليمية في ثروات الدول الصغيرة, كما أن محاولات فرض النفوذ والهيمنة بدت واضحة, في الوقت الذي تم فيه استدراج الجميع لأزمات طائفية ومذهبية كنا في غني عنها, وقت أن كانت هناك أولويات أكبر من ذلك بكثير, وهو الأمر الذي يتطلب إعلاء مصلحة الشعوب في هذه الآونة التي أصبحت فيها المنطقة مهددة بالتقسيم من جديد, وأصبحت خطط التقسيم والتفتيت معلنة بوضوح, ولن يسلم منها لا الشمال ولا الجنوب إن استمرت الأوضاع كما هي الآن.
علي أي حال..
مازالت الفرصة سانحة الآن لعالمنا العربي كي يثبت أنه رقم صعب في العلاقات الدولية, وليس مجرد مصدر ثروات يستفيد منها الآخرون بلا مقابل, ومازالت الفرصة سانحة لأن يحقق القادة العرب تطلعات شعوبهم بالتقدم والازدهار بعد عقود طويلة من التخلف والقهر, ومازالت الفرصة سانحة لوئام عربي يتناسب مع العوامل المشتركة التي كان يجب استغلالها في الوحدة ولم الشمل, وأعتقد أن ما يحدث الآن من حراك مجتمعي وسياسي كان يجب أن يصب في تحقيق هذه الأهداف, وليس العكس, أما وإن ظلت القمم العربية مجالا خصبا للخطابة والاستشهاد بأبيات الشعر القديم, وآيات الذكر الحكيم, دون ترجمة ذلك علي أرض الواقع, فسوف نظل ندور في الحلقة المفرغة نفسها من جلد الذات والنحيب والبكاء علي الأطلال, في وقت تتسارع فيه نهضة العالم من حولنا بتجمعات حقيقية توحدت فيها السياسات, والعملات, باقتصاد موحد, واستثمارات مشتركة, وحدود مفتوحة, ومن ثم تطلعات لا تتوقف عند حد.
علي هامش القمة
جاء لقاء الرئيس محمد مرسي, علي هامش القمة العربية بالدوحة, سواء مع منتدي الأعمال المصري- القطري, أو مع الجالية المصرية هناك, بمثابة رسالة طمأنة إلي هؤلاء وأولئك بأن مصر علي الطريق الصحيح, وأن أحداث القلق والتوتر المتفاوتة لن تؤثر بأي حال علي المسيرة التي انطلقت.
واستشهد الرئيس علي ذلك بأن هناك17 مليونا يعملون بالقطاع الخاص, ويذهبون إلي أعمالهم يوميا بالإضافة إلي ستة ملايين يعملون بالقطاع العام, كما أن هناك ثلاثة ملايين فلاح يتعاملون مع الأراضي الزراعية بطريقة مباشرة ويذهبون أيضا إلي حقولهم يوميا, وقد أسهموا بصورة واضحة في زيادة الإنتاج الزراعي, ومن هنا فإن مشعلي الحرائق وإطارات السيارات هم فئة محدودة تفعل ذلك مقابل مبالغ مالية تصل إليهم بالدولار, وقد تعدي دورهم إلي حرق وتخريب المنشآت.
وقد جاء حديث الرئيس في اللقاءين وسط غضب واضح من الحضور, الذين هاجموا بشدة هذه المظاهر, مطالبين بالضرب بيد من حديد علي كل من يقف وراءها, كما هاجموا بشدة أيضا وسائل الإعلام التي رأوا أنها تدعم الفوضي في الشارع المصري, مطالبين أيضا باتخاذ موقف حاسم حيالها, إلا أن الرئيس استخدم تعبيرا لافتا وهو' الغضب من الشيطان', مشيرا إلي أن التعامل الآن سوف يكون بالقانون, وحتي لو كان بالقانون عوار علي حد قوله فسوف نصبر.
لقد عشت سنوات طويلة مغتربا, وأعي مشاعر المواطن تجاه بلده وهو في الغربة, وكيف أنه يتألم كثيرا حينما يسمع خبرا سيئا عن بلده, ولذلك كنت أدرك حالة الثورة والحزن في عيون وعلي وجوه الحاضرين, وهم يطالبون الرئيس باتخاذ موقف حاسم تجاه مثيري الشغب في مصر, وتجاه المحرضين, سياسيين كانوا, أو إعلاميين.. وللمصريين في دولة قطر خصوصية, فهم الذي أطلقوا مبادرة' ادعم اقتصاد بلدك, وحول من مدخراتك إلي مصر', ولنا أن نعلم أن تحويلات المصريين من الخارج قد ارتفعت بالفعل خلال الشهور الأخيرة.
ومن خلال التناول الإعلامي الفضائي, علي امتداد الليل, للأوضاع في مصر, تخيل كل مقيم في الخارج أن مصر مشتعلة, وأن شوارعها لم تعد تصلح للحياة, وأن الوضع الأمني لم يعد قابلا للعلاج, وأن الجوع أصبح القاسم المشترك بين أفراد الشعب, وأن الدولة علي حافة السقوط, وبالتالي فإن العودة إلي مصر تصبح مستحيلة حتي لو كانت لقضاء إجازة سنوية, ولذلك فقد استخدم الرئيس تعبير' أرجو أن تنظروا إلي مصر نظرة المطمئن الذي يدرك أن هناك مشاكل, إلا أنها قابلة للحل, حتي لو كان في مصر شيطان يعبث كما هو الحال الآن, بضيق بصيرة, وضيق صدر'.
وربما كانت ممارسات النخبة السياسية في مصر لم تضع المصريين بالخارج في الاعتبار حال تعاملها مع الأزمات, كما لم تضع نظرة العالم الخارجي ككل في الاعتبار, وهو ما أثر بدوره علي الاقتصاد والاستثمار والسياحة وكل شيء, وإذا كنا سنظل نلقي بمسئولية الأحداث الراهنة علي البلطجة والبلطجية, فمن المهم ومن الضروري أن تكشف الأجهزة الرسمية عمن يقف وراءهم ويمولهم, وخاصة أن الرئيس قد أكد أنه لا يتهم أحدا من فراغ, وإنما هناك أدلة وحقائق مسجلة وموثقة في هذا الصدد, وخاصة من جهات خارجية تعبث بالمشهد المصري, وقال:' إن هذا مجرد تحذير, حرصا علي عدم إحداث مزيد من الشقاق بين الأشقاء في الوطن العربي'.
إلا أنه, ومن خلال هذا الحوار, أري أن المشهد في مصر الآن يحتاج إلي قوة وعدم تردد في التعامل معه, وخاصة إذا تعلق الأمر بأمن المواطن وأمانه, أو باستقرار الدولة ومستقبلها, أما إذا استمر عشرات البلطجية يعبثون بالميادين والمنشآت, كما هو الوضع الآن, دون تدخل حاسم من الأجهزة الرسمية, فالأمر سوف يخرج عن السيطرة عاجلا أو آجلا, ولن يستطيع أحد أن ينظر لا إلي الحاضر ولا إلي المستقبل نظرة المطمئن التي يدعو إليها الرئيس.
وإذا كان الرئيس قد أكد في حديثه أن فرص الاستثمار في مصر متعددة وذات عوائد متميزة علي حد قوله وإذا كان قد دعا رجال الأعمال القطريين والمصريين علي السواء للاستثمار في مصر, فإننا سوف نظل نؤكد أن ذلك لن يتحقق دون عودة الهدوء إلي الشارع, حتي لو كان الانفلات الحاصل من صنع مجموعة صغيرة من البلطجية, أو من صنع مجموعة محددة من القوي السياسية, أو بتمويل من جهة معينة خارجية, ولن يقبل الشعب أن تظل مقدراته رهنا بهؤلاء أو أولئك, ففي النهاية مصر هي التي تدفع الثمن, وشعب مصر هو الذي يتألم, ولن يسجل فصيل سياسي تفوقا علي حساب آخر أبدا في ظل هذه الظروف التي يمكن أن يحترق بنارها الجميع.
[email protected]
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.