كانت كل الدلائل والمؤشرات التي سبقت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب منذ المليونية التي دعت إليها عدة قوى سياسية يوم الجمعة 18/11 للتنديد بوثيقة السلمي، وما أعقبها من تداعيات خطيرة فيما عرف بأحداث شارع محمد محمود التي سقط فيها العديد من الشهداء والمصابين، تنذر بوقف إجراء الانتخابات، أو على الأقل تأجيلها من وجهة نظر أكثر المتفائلين. لكن الشعب المصري ظهر معدنه النفيس في مثل تلك الظروف العصيبة، فخرجت جموع الناخبين عن بكرة أبيها منذ الصباح الباكر لتدلي بدلوها في هذا الحدث الفريد الذي لم تشهده مصر والمصريون من قبل، وامتدت الطوابير رجالا ونساء مئات الأمتار أمام اللجان الانتخابية، لكنها هذه المرة مختلفة حيث ستحدد مصيرهم ومصير بلدهم في قادم الأيام، فجاءت نسبة المشاركة غير مسبوقة في تاريخ الحياة السياسية المصرية. وما كادت نتائج التصويت في المرحلة الأولى التي أظهرت تفوق التيار ذي المرجعية الإسلامية حتى أقامت القوى والتيارات الليبرالية والعلمانية الدنيا على تلك النتائج طعنا وقدحا في التيار الإسلامي بالتزوير وتوجيه الناخبين لاختيار مرشحيهم، وبدأوا حملة شديدة الضراوة ضدهم من خلال القنوات الفضائية التي أصبحت قنوات حزبية تدافع عن تيار سياسي بعينه، وعن مصالح النخب ورجال الأعمال المنتمين للتيار العلماني والليبرالي الذين كانت مصالحهم محمية في ظل النظام السابق، والذين اتجهوا إلى تأسيس وسائل إعلام تؤمن مصالحهم ويرون في التيار الإسلامي خطرا يهدد تلك المصالح، لذلك نجد أن أغلب وسائل الإعلام هذه تعمل على إبقاء سياسات نظام مبارك خاصة العلاقة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل وسياسات الرأسمالية من خلال منع أي تغيير في السياسات القائمة على التبعية للغرب والتي تتعارض مع رؤى التيار الإسلامي وقيمه الأخلاقية، لذا فإنها ترى في هذا التيار عدوها الأول والأخير. ومن عظيم أسف أننا نجد الليبراليين والعلمانيين الذين يتشدقون ويتغنون ليلا ونهارا بأنهم أنصار الحرية والديمقراطية كانوا هم أول الرافضين لنتائج الديمقراطية التي أفرزتها صناديق الانتخابات، فأي حرية تلك وأي ديمقراطية تلك التي يتحدثون عنها، ليس هذا فحسب بل أخذوا يطلقون الفزاعات بغرض تخويف فئات من المجتمع وبناء حلف من المتخوفين من التيار الإسلامي كي يساندوهم لمعرفتهم بعدم وجود أرضية لهم في المجتمع المصري برغم وجودهم غير الفاعل على الساحة السياسية منذ زمن بعيد. وفي سبيل ذلك أخذوا يطلقون العديد من الفزاعات بهدف تشويه صورة الإسلاميين، وبنى دعاة الليبرالية حملاتهم الانتخابية - فيما يعرف بحرب تكسير العظام - على تلك الفزاعات وروجوا لها عبر أبواقهم الإعلامية التي تعج بمناصريهم، وأولى تلك الفزاعات بل وأخطرها الأقباط لأنها تلامس وتر الطائفية المقيتة التي لم ولن تجني من ورائها مصر إلا الفرقة والتشرذم، وأن الإسلاميين إذا ما وصلوا إلى الحكم فإنهم سيفرضون الجزية على المسيحيين وسيعملون على طردهم من البلاد، وهي السياسة نفسها التي اتبعها النظام السابق لترسيخ وجوده، ومن عجب أنك تجد تصريحات رجال الدين المسيحي خرجت متعقلة ومتزنة لأنهم يعلمون علم اليقين أن الإسلام يراعي حقوق وحرية الآخرين في عباداتهم ومعاملاتهم الخاصة، والأعجب أن قوائم الإسلاميين تضم الكثير من المرشحين الأقباط. أضف إلى ذلك بعض الفزاعات من مثل إعادة المرأة إلى عصور الظلام وانتقاص حقوقها، وتحريم السياحة ولبس المايوهات، وهدم التماثيل، وإقامة الحدود إلى غيرها من الأمور التي تستفز فئات من المجتمع، ولم يتطرق هؤلاء إلى ما يحمله التيار الإسلامي من برامج انتخابية، وأغفلوا مناقشة معالجتهم لمجالات الحياة الاجتماعية من اقتصاد وتعليم وصحة إلى آخره منافشة موضوعية حيادية. ونسي هؤلاء أو تناسوا أن المصريين – مسلمين ومسيحيين – تحكمهم القيم الدينية بالفطرة، والدين له دور فاعل ومؤثر في نفوسهم واختياراتهم دون توجيه من أحد، وربما تغفل النخب الليبرالية أن الإنسان منذ خلقه الله يحتاج إلى أنواع ثلاثة من الغذاء تحفظ عليه ديمومته، غذاء الجسم وغذاء العقل وآخرها وأعظمها أثرا غذاء الروح الذي قوامه الدين ولولاه لأصبحت نفوسنا خاوية لاتستطيع تلمس طريقها، وما حالات الانتحار نتيجة الاكتئاب المنتشرة في الغرب بسبب التحلل الديني والأخلاقي إلا خير دليل على أهمية الدين لحياة أرواحنا. إن الديمقراطية الحقة – التي ما زلنا نتلمس أولى خطواتها – تقتضي من الجميع تقبل نتائج الانتخابات أيا كانت نتائجها، مع الاحتفاظ بمساحة الاختلاف في الرؤى بما لا يصل إلى حد التناحر، وأن الفصيل الفائز أيا كان لن يستطيع أن ينفرد بالساحة السياسية والاجتماعية وحده، وإنما عليه العمل لإثبات أنه كان جديرا بثقة الناخبين وإلا سيسقطه صندوق الانتخابات كما أتى به. [email protected] المزيد من مقالات حسام كمال الدين