لاشيء يبعث علي الدهشة في المشهد السياسي الراهن سواء ما يبدو ظاهرا ومعلنا أو ما يجري خلف الكواليس, حيث كل شيء أصبح مباحا.. الضرب تحت الحزام.. الدس والوقيعة.. فتلك هي قواعد اللعبة السياسية والحزبية في كل بلاد العالم! وأية قراءة دقيقة لمحاولة فهم واستيعاب الدروس المستفادة من تجارب الذين سبقونا علي طريق الديمقراطية يبرز درس مهم يقول إن أنجح السياسيين هو أبردهم أعصابا وأقدرهم علي كظم غيظه بين جوانحه. وقد عرفت الحياة البرلمانية والحزبية في مصر علي طول تاريخها نماذج شامخة تعكس القدرة علي عدم الاستجابة لأي استفزاز وعدم الاستدراج لدخول معارك في غير زمانها وفي غير مكانها.. وفي المقابل كان هناك خيطا رفيعا بين الصراحة والمواجهة.. وأن هناك خطا فاصلا بين ضرورات الحذر وضرورات المناورة! ولست أعرف ما إذا كان من حسن حظ وسائل الإعلام في عصر الفضائيات أم من سوء حظها أنها كانت وما زالت أحد أهم المسارح التي تعرض علي صفحاتها وشاشاتها بعض مشاهد تلك العمليات الخفية التي يختلف حجمها وزمن عرضها ومساحة نشرها حسب وزن وقيمة الخصوم ومدي ارتباطاتهم وعلاقاتهم وتحالفاتهم الحزبية والإعلامية معا! ولكن الذي لا يساورني شك بشأنه هو أن وسائل الإعلام توجه إليها دائما سهام الاتهام في النهاية ومن ثم تتحمل مسئولية قبولها بأن تكون أداة طيعة في أيدي هؤلاء الخصوم الذين سرعان ما تفرض عليهم مصالحهم المشتركة أن يتناسوا خلافاتهم وأن يقبلوا بصيغة للتعايش والمهادنة.. ولا مانع من حفل لتبادل الأنخاب في صحة وسائل الإعلام التي يجري في نهاية المطاف تحميلها بكل أوزار المجتمع! ولعل ذلك هو أحد أهم علامات العلاقة الحساسة والمعقدة بين وسائل الإعلام العصرية والنخب السياسية خصوصا في المجتمعات التي يكون أحد طرفي المعادلة أو كلاهما معا لم يبلغ درجة النضج الكافي, وأيضا عندما يتصور البعض في هذا الجانب أو ذاك أن موقعه يسمح له بحق التوجيه والإيعاز للطرف الآخر خصوصا أن بعض الرموز السياسية والحزبية تتصور أن من حقها أن توجه دفة وسائل الإعلام إلي حيث ترغب وتتمني.. كما أن بعض وسائل الإعلام تتوهم أن من حقها القفز من دائرة الملاحظة والنقد والتوجيه إلي دوائر المشاركة في صنع القرار وفرض اتجاهات بعينها! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: ليس المهم من الذي يتحدث. وإنما الأهم من الذي يقرأ ويسمع! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله