لا أظن أننا كنا في يوم من الأيام بحاجة إلي تجميع قدراتنا وتوجيهها نحو البناء والعمل بمثل ما نحتاج اليوم حتي نستطيع في أقصر وقت ممكن أن نسدد كل الفواتير المستحقة. ثم ننطلق بقوة دفع جديدة تؤكد أن ما يمكن أن نحصده تحت رايات الثورة يفوق بكثير ما اضطررنا إلي دفعه ثمنا لها. ولأن قيمة أي ثورة تظهر في تعميق مشاعر الثقة بالنفس فإنني أخشي من أن كثرة الحديث عن الخسائر التي تكبدها قطاع السياحة والتراجع الملحوظ في حجم الاحتياطي النقدي بالعملة الصعبة في البنك المركزي يمكن أن تفرز مشاعر القلق فتصبح نقيضا لمشاعر الثقة بالنفس التي أفرزتها ثورة25 يناير. إنني أفهم الحاجة إلي المصارحة والمكاشفة بكل شئ حتي يكون الشعب علي معرفة كاملة بحقائق الموقف السياسي والاقتصادي باعتباره شريكا أساسيا في تحمل مسئولية هذا الوطن, ولكنني في الوقت ذاته أفهم أهمية الحاجة لخطاب سياسي وإعلامي يجمع بين المصارحة والمكاشفة من ناحية وبين تحصين الرأي العام من مخاطر الشعور بالقلق الزائد عن الحد من ناحية أخري. إن هناك خيطا رفيعا بين طرح كل الحقائق بشحمها ولحمها وبين طرح كل الحقائق بأسبابها وكيفية بناء القدرة علي التعامل الإيجابي معها لتجنب نشوء أية مشاعر بالخوف والقلق الزائد عن الحد مما يؤدي إلي إحباط الهمم وتنامي الأحاسيس بالعجز عن فعل ما يمكننا فعله. والذين عاشوا مذاق المرارة في أعقاب هزيمة1967 هم الأقدر علي فهم أهمية هذا الخيط الرفيع بين الإقرار بكل حقائق الهزيمة وأسبابها وبين ما استتبع ذلك من إيضاحات لكيفية بناء القدرة علي إزالة أسباب الهزيمة وهو ما أدي بنا في زمن قياسي إلي تحقيق نصر أكتوبر عام1973. إن معرفة الحقائق شئ لا خلاف عليه ولكن الأهم من ذلك أن نعرف في الوقت المناسب مكامن ومفاتيح القوة الذاتية التي تمكننا من تحويل نقاط الضعف إلي عناصر قوة تتجاوز أرقام المعادلات الحسابية المجردة! ومثلما فعلنا بعد يونيو1967 برغم قتامة الصورة وقتها نستطيع اليوم أن نفعل ما يشابه ما أنجزناه في أكتوبر1973... فالشعوب التي ترفض الاستسلام للخوف والقلق وتعزز مشاعر الثقة بالنفس والذات هي التي تستطيع أن تحقق إنجازات تفوق كل التوقعات. خير الكلام: اللسان سيف قاطع لا تأمن من حده... والكلام سهم نافذ لا تملك رده! [email protected]