مات أحمد بهجت الذي قرأ له الملايين وأحبوه وطبع كتابه أنبياء الله36 مرة وهو أول كتاب في مصر لمؤلف عربي كما اعتقد تجري به المطابع مثل هذا العدد من الطبعات. مات الكاتب الأديب المفكر الساخر الذي كتب في الدين وفي الرحلات والقصص وعرفه قراء الأهرام من خلال عموده المربع الشهير صندوق الدنيا الذي حوي كل شيء من الصورة المتكلمة إلي النكتة الساخرة إلي سلاسل التصوف الديني التي كان يعتزل الدنيا ويقيم بالجلباب في الحرم النبوي قارئا باحثا, مات احمد بهجت صاحب العبارة الجميلة العميقة المهذبة التي إن جرحت لا تدمي وإن سخرت لا تنزع إنسانية من يسخر منه. مات كل هذا وأكثر في عيون القراء أما بالنسبة لي فقد كان أحمد بهجت شيئا آخر.. كان أول صديق عرفته في شبابي منذ انتقلت من دمياط إلي مدرسة التوفيقية الثانوية عام 1948 في المدرسة نحو ألف تلميذ فكيف من كل هؤلاء انتقينا أنفسنا وتآلفنا وتحاببنا وحلمنا سويا وزوغنا من المدرسة معا وامتدت علاقتنا خارج الفصل والحوش والمدرسة وتناوبنا الزيارات في البيوت. كيف كنا نضحك سويا ونقتسم السميطة معا في ظلام السينما ونخرج وليس في جيبنا قرش واحد وضحكاتنا تجلجل سخرية من الأثرياء؟ وكيف وسط لعب العيال الذي كنا نلعبه انجرفنا إلي متعة القراءة.. هو لروايات يوسف السباعي الرومانسية, وأنا إلي روايات ابراهيم الورداني المتعمقة في مجتمع مصر المغلوب علي أمره وعباراته المشوقة ونهاياته المثيرة. ياه.. سنين وأيام كنا نتخانق فيها بسبب تحيز كل منا لمن يحب.. ومن المدرسة إلي الجامعة إلي مهنة واحدة ربطتنا بل إلي دار واحدة جمعتنا.. ونبتعد ونتلاقي ولكن ما في القلب أبدا لا تمحوه الأيام.. ربما تمر السنة بدون لقاء ولكن ما إن نلتقي حتي أحس أن قلوبنا تعانقت بغير أحضان.. حبيبي أحمد.. سيحزن عليك ملايين القراء لكن صدقني فحزني أعمق كثيرا فقد كنت أول صديق لي بل لعلك كنت نفسي! [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر