كتب: مصطفي سامي: واحد من اكثر الصحفيين والكتاب الذين فقدناهم, وتركوا في نفوس من يعرفونهم حزنا عميقا, لكنه ايضا ترك كنزا من الكتب والمقالات والقصص تضعه علي قمة ابناء جيله ممن اثروا الحياة الادبية والصحفية بافكارهم وكتباتهم. ينتمي إلي صحفيي جيل الخمسينيات من القرن الماضي, أو جيل المناضلين من القلائل الذين رفضوا الانحناء والانصياع لرغبات الحكام والقادة الذين ابتلانا الله بهم, لم يكن أحمد بهجت مجرد صحفي أو أديب أو كاتب صوفي, لكنه كان سياسيا يعيش احداث ومآسي وكوارث وطنه ويعبر عنها في كتبه ومقالاته التي يبعث بها في رسائل للمواطن المصري البسيط. كان صديق كل المصريين, وسوف يبكيه الفقراء والاغنياء, والكبار والصغار, فقد كانت كتاباته تعبر عن ضمير الجميع وتتحدث نيابة عنهم, عمل في كل الصحف والمجلات القومية, وعاش سنوات المد والجزر في الصحافة المصرية, قبل ثورة52 وحتي شهد معنا ثورة شباب مصر في25 يناير الماضي. لم يكن احمد بهجت يبحث عن منصب في الصحافة المصرية لكن اعماله وكتاباته تفوقت علي كل اصحاب المناصب وحاملي الأوسمة, في منتصف السبعينيات عين رئيسا لمجلس ادارة وتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون, ونقل بذكائه ومواهبه النشرة الاسبوعية الحكومية إلي مجلة تعبر وتتحدث عن قضايا ومشاكل ملايين الكادحين والمطحونين الذين نسيهم حكام هذا الزمان الردئ, وتفوقت الإذاعة والتليفزيون في توزيعها علي كل المجلات الاسبوعية في هذه الفترة, لان احمد بهجت رفض ان تستمر مجرد نشرة تعرض أمجاد وطموحات صفوت الشريف وحزب مصرفي عصر السادات. في وجه للزحام الذي كان ينشر في ملحق الأهرام الاسبوعي كل جمعة, كتب عن كل المصريين الذين يمر في طريقهم: صبي الميكانيكي الذي كان يعمل في ورشة بجوار مدرسة التوفيقية الثانوية, وعم حسن بائع الطعمية الذي اعتاد ان يضرب زوجته بعد ان ضاقت به الحال ولم يعد قادرا علي مصروفات البيت, وام نفيسة الخاطبة التي تشكو من بنات النهاردة المودرن اللاتي يشترطن الزواج عن طريق الحب. وعندما كتب عن الطفلة امينة التي فقدت ساقيها تحت عجلات الترام في شارع شبرا وهي في طريقها الي المدرسة, تلقي مكالمة تليفونية من والدتها تشكره وهي تبكي وكنت اجلس معه ودموعه تتساقط علي مكتبه وهو يشارك الأم محنتها, وفي صندوق الدنيا واصل احمد بهجت وعلي مدي سنوات وحتي مرضه الاخير مقالاته اليومية عن اوجاع وآلام مصر والمصريين. رحم الله احمد بهجت بقدر عطائه لوطنه ولمهنته.