قال لي وعيناه الثاقبتان تترجرج فيهما ابتسامة ماكرة : وهل قلت شيئا في هجاء هذا الزمان ؟ قلت له: ليس الزمان وحده, ولكني هجوت معه من يشبهونه ويكونون ممثلين له وحاملين لبعض صفاته وملامحه. قال وهو يتابع اسئلته المتخابثة : وهل شفيت غلتك ونلت بغيتك, من هنجاء هذا الزمان ومن يشبهونه ؟ أم ان هناك مزيدا من الهجائيات تنتظر مناسبات جديدة لتنطلق منك دون ان تدري, وتأخذ طريقها الي حيث انتهت كلماتك في مجالات اخري؟ قابلت: كنت أظن ان ماقلته في قصيدة القزم منذ سبعة عشر عاما سوف يشفيني ويزيل عن صدري مااعلق به من سوءات هذا العصر, وبخاصة اني كنت اتناول شريفا لايملك ذرة واحدة من الشرف وخسيسا يريد ان ينصب نفسه حاميا للفضيلة والخلق الرفيع, واقول: كيف ترجو ان يراك الناس صديقا نبيا وشريفا, وابيا فتأمل وجهك القابع في المرآة, كم تبدو خسيسا ودنيا واغتنم عصرا زريا كم يوازي قامتك! ايها القزم الذي يعرف نفسه والذي يجرفه العار فلا يرفع رأسه قال مبتسما: اذن فقد صببت كراهيتك للعصر والزمان وانت تلاحق بعض نماذجه السلبية بدليل انك بعد ذلك بسنوات كتبتشبيه زماننا وخدم وكلهم يعرف نفسه قلت له:يبدو انك وجدت في هذه القصائد مايشفي غليلك بدورك,وانك تطهرت بها كما تطهرت بها وانا اكتبها, وبخاصة عندما فاض الكيل واستشري الفساد وعمت المخازي واستنوقت الجمال, فقلت: لكنهم خدم باصبع واحدة يستنفرون مثل قطعان الغنم ويهطعون علهم يلقون من بعض الهبات والنعم لهم اذ تحركوا في كل موقع صنم يكبرون او يهللون حوله يسبحون باسمه, ويقسمون يسجدون, يركعون يمعنون في رياء زائف وفي ولاء متهم وفي قلوبهم امراض هذا العصر من هشاشة ومن وضاعة, ومن صغار في التدني واختلاط في القيم خدم, خدم, خدم! قال في محاولة مستميتة للكشف عما هوجديد: وهل انتهي ذلك العصر الذي هجوته, وانتهت هذه النماذج التي استوقفتك بزيفها وسقوطها وريائها وكذبها الذي تمارسه كما تتنفس؟ قلت له: وهل تغير شيء ؟ العصر هوالعصر والزمان هو الزمان, واشباه الرجال هم انفسهم اشباه الرجال! لقد وجدت نفسي مؤخرا أعود الي ماكنت طويته من هذه الصفحات السوداء, بعد ان نبهني الي تكملتها ومتابعتها نموذج من نماذج عصرنا, فريد في بابه, سميك في جلده وسماجته ومكابرته, فقلت: أنت من اين ؟ الي اين ؟ توقف وامتحن هذا الطريق المحتويك انا ادري انك الآن تجوب الارض بحثا عن شريك واثقا انك حتي لو بلغت القمة الشماء لن ترضي, ولن يزهيك ماتحمل من اوسمة شتي ونياشين علي صدرك مشغول بمن سوف يليك من تراه ؟ ذلك الآتي علي خطوك, من بعدك. مشغول بأن ترضاه خدنا ويوافيك بما يرضيك يطربك. ويسترسل فيك! انه ظلك, فاخلعه اواقذفه بعيدا! علك الان تفيق وتري نفسك مدموغا بما حملت من لغو ومن معني ركيك أنت من اين ؟ الي اين ؟ وهل تبحث فعلا عن شريك؟ كذبة اطول من عمرك, ياما غلفت ايامك السوداء اخفتها عن العين, واذا اللحظة تأتيك, فتعري رغم هذا الزيف والجلد السميك واذا اقسي خياناتك للنفس التي ضاقت بما تحمل من عارك, من ظلك, من إفك به تسعي ومن عصر به تحيا ولكن يزدريك! قال: صدقت! المزيد من مقالات فاروق شوشة