فى مناقشة أمتدت لساعات طويلة بينى وبين إحدى صديقاتى قبل أيام قليلة من الانتخابات حول من يستحق أن نثق به ليمثلنا فى مجلس الشعب. صديقتى ذات التوجهات الليبرالية كانت تميل للتصويت لصالح حزب الحرية والعدالة، وجاء هذا الميل إستنادا على برنامج الحزب والذى لا يختلف اثنان على احترام ماجاء به من أهداف يتمنى جميع المصريين تحقيقها. لا أنكر أنه برنامج عظيم لكن بين قوسين (إذا تم تحقيقه والإلتزام بكل حرف جاء فيه).. وجدير بالذكر أن الحزب الوطنى المنحل كان له أيضا برنامج عظيم.. ولكنه كان مجرد كلام على ورق.. ولا مجال للمقارنة بالطبع ولكن على سبيل التذكرة بالمثل القائل "أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب".. لم يكن خلافنا حول البرنامج بالطبع، بل حول الأساس الذى بنت كلانا عليه أحكامها، وحول طريقة الجماعة فى التلاعب بالألفاظ والكلمات وعن حجم تضارب وتناقض تصريحات جماعة الإخوان المسلمين - والتى يعبرعنها حزب الحرية والعدالة- خلال الفترة الماضية.. بداية من تراجع الجماعة عن الإعلان عن عدم مشاركتها فى الثورة مرورا بإدعاء الحزب إنفصاله عن مبادىء الجماعة وتصريحاته حول نسبة مشاركته فى مجلس الشعب القادم التى تزايدت تدريجيا من 30% إلى أن وصلت إلى 100%، وتصريحات تطبيق عقوبة "الحد" التى تراجعوا عنها عندما استشعروا غضب الشارع المصرى.. ولكن أهمها من وجهة نظرى مدى التضارب والتخبط والاختلاف حول تعريف الدولة المدنية من الأساس.. وبرغم تفاوت التصريحات والمفاهيم حول مدى صلاحيات هذا المجلس وماهية دوره الحقيقى خلال المرحلة الانتقالية، وإن كان سيتم حله بعد الإنتخابات الرئاسية، فإن الأيام القلية القادمة ستقدم إجابات عملية على تلك الأسئلة..لذلك أريد أن ألقى بعض الضوء على برنامج حزب الحرية والعدالة ليس لشىء إلا لنضعه نصب أعيننا حتى نستطيع أن نحاسبه حال عدم إلتزامه، أونثق به فى حال تنفيذه لهذا البرنامج.. والمبادىء الأساسية لبرنامج حزب الحرية والعدالة تتلخص فى: - بناء نظام سياسي ديمقراطي قوي يضمن الحقوق ويحمي الحريات ويحقق الشورى ويبني دولة المؤسسات التي تعتبر سيادة القانون عنوان الحياة الإنسانية المتحضرة. - تحقيق عدالة اجتماعية تحفظ الكرامة وتؤدي الحقوق وتؤمن الحياة الكريمة للمواطن أياً كان مستواه وأياً كانت طبقته وأياً كان انتماؤه. (وماذا عن ديانته؟) - التأسيس لتنمية حقيقية متكاملة تتقدم بمصر بشرياً واقتصاديا وانتاجيا وعمرانياً. - استعادة الريادة التي فقدتها مصر في ظل النظام البائد عربياً وأفريقياً وإسلامياً ودولياً، علمياً وثقافياً وإعلامياً. ولا يسعنى هنا إلا أن أذكر بعض الأهداف القصيرة المدى بالطبع والتى وردت فى برنامج الحزب والخاصة بعودة الأمن والنهوض بالاقتصاد والتى لا تحتاج إلى فترة زمنية لتحقيقها.. أما بخصوص عودة الأمن وضع البرنامج إجراءات سريعة و حاسمة -كما أسماها- منها: - فرز و تصنيف جميع الضباط والأمناء الحاليين كما يلى : * استبعاد كل من ثبت فى حقه أى من تهم القتل أوالتعذيب أوالرشوة أوالإمتناع عن العودة لممارسة دوره الوطنى فى سد الفراغ الامنى بالبلد نهائيا. (هل سيتم إيقافهم عن العمل إلى حين ثبوت أو نفى التهمة؟) * إعادة توزيع من أرتكبوا أخطاء أقل (ولا أفهم معنى أخطاء أقل) خارج محافظاتهم ، أونقلهم لوظائف لا تعامل فيها مع الجمهور. *تصعيد الأكفاء، واستدعاء من تم استبعادهم من الضباط الشرفاء لأسباب تعسفية. - إعلان أكاديمية الشرطة ومعاهد أمناء الشرطة عن دورات سريعة لخريجى كليات الحقوق و التربية الرياضية والخدمة الاجتماعية وإلحاقهم بقطاعات الشرطة الأقل خطورة. - ترشيد عمل قوات الأمن دون إنهاكها فى مهام ليست من اختصاصها،وتطوير غرف الحجز بالأقسام والمحاكم والنيابات بشكل آدمى . - قيام لجنة من وزارة العدل وأساتذة كلية الحقوق بمراجعة مناهج كلية الشرطة، وإعادة النظر بمواعيد وساعات العمل للعاملين بالجهاز، وتحديد 8 ساعات كحد أقصى. - تعيين ضابط علاقات عامة فى كل قسم لا يتبع مأمور القسم بل يتبع إدارته المختصة بمديرية الأمن يتولى توجيه المواطنين، والتأكد من قضاء حوائجهم . أما عن نهضة الاقتصاد فجاء فى البرنامج البنود التالية على سبيل المثال لا الحصر: - إصلاح منظومة الصناديق الخاصة وإخضاعها لرقابة دقيقة من الجهاز المركزى للمحاسبات وإضافة نسبة من فوائضها للموازنة العامة . - تعديل إتفاقيات تصدير الغاز والبترول بما يحقق أسعارعادلة لصالح الطرف المصرى. - تعديل وتفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية. - مراجعة منظومة الأجور وإقرار حديها الأعلى والأدنى. أما عن رؤية البرنامج لمكافحة الفساد فأذكر بعض البنود والتى أيضا لا يحتاج البدء فى تنفيذها فترة زمنية طويلة، على سبيل المثال: - بناء جهاز قضائي مستقل، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله. - تفعيل الجهاز المركزي للمحاسبات وتحويل تبعيته الى مجلس الشعب بما فى ذلك تعيين رئيسه. - إصدار قانون تداول المعلومات بحيث يتضمن نشر تقاريرالأجهزة الرقابية في الجريدة الرسمية، وأن يتضمن حق المواطن في الحصول على المعلومات. - إقرار قانون العزل السياسى لكل من استفاد أو شارك فى إفساد الحياة الإقتصادية (وماذا عن إفساد الحياة السياسية؟) ولمدة محددة. لم يترك البرنامج فردا من أفراد المجتمع إلا واهتم به.. الطفل، المرأة سواء زوجة أو أرملة أو مطلقة، الشباب، أصحاب المعاشات.. برنامج للنهوض بمنظومة التعليم بداية من التعليم الابتدائى إلى الجامعى إلى البحث العلمي..الصحة ومكافحة الأمراض والنهوض بالتأمين الصحى..البطالة.. حتى مشاكل المرور والمواصلات وإعادة توزيع السكان تتطرق البرنامج إلى حلها.. الفن والسينما والمسرح كان لهم نصيب أيضا فى البرنامج للإرتقاء بهم. هل هناك مصرى وطنى عاقل يختلف مع هذا البرنامج وأهدافه؟ الإجابة بالتأكيد: لا يوجد.. ولازلنا نذكر من كلام حسن البنا لأفراد الإخوان المسلمين قوله "هل أنتم علي إستعداد أن تجوعوا ليشبع الناس.. وأن تسهروا لينام الناس.. وأن تتعبوا ليستريح الناس.. وأخيرا أن تموتوا لتحيا أمتكم؟؟".. هكذا تكونون صادقين بحق مع الله". أما عن نفسى وبالآصالة عمن فقدوا ثقتهم بجماعة الإخوان المسلمين خلال تلك الشهور العشرة الماضية، بعد أن كنا نحلم بإمكانية تحقيق التجربة التركية بمصرعلى أيديهم.. فنقول لكم نحن نراقبكم وعن كثب ولن نتهاون إما فى نصرتكم أو الثورة والانقلاب عليكم.. فإن تشكيل البرلمان ونسبة مشاركة كل فصيل سياسى فيه ما هو إلا تعبير عن توجهات الشعب السياسية والتى تتغير من وقت إلى آخر مادام مبدأ الديمقراطية حى لا يموت ومادامت النزاهة فى الانتخابات قائمة تضمن عدم تزوير إرادة الأمة.. المزيد من مقالات ريهام عادل