ماهو أهم درس ينبغي استخلاصه من الموجه الجديدة من ثورة يناير, والمستمرة منذ يوم الجمعة الماضي وحتي اليوم, وما بعد اليوم مالم تتحقق المعجزة, ويتفق علي خطة واضحة لإنقاذ مصر من الانحدار السريع إلي هاوية سحيقة؟ هذا الدرس الأهم هو أن العملية السياسية الجارية حاليا ليست كافية للإقناع بأن أفق التحول الديمقراطي مفتوح فعلا, وأن المستقبل مطمئن, بما في ذلك الانتخابات التي تبدأ مرحلتها الأولي يوم الإثنين المقبل,وبما في ذلك أيضا الجدول الزمني المعلن لتسليم السلطة إلي رئيس جمهورية منتخب في موعد أقصاه نهاية شهر يونيو المقبل. إننا لاندعو إلي تأجيل الانتخابات, ولكننا ندعو إلي قرارات حاسمة وحازمة تسير معها جنبا إلي جنب. لأنه لو كانت الانتخابات في حد ذاتها كافية للإقناع بأن أبواب المستقبل الديمقراطي لمصر قد فتحت, ما تجاوب مئات الآلاف من المواطنين مع الدعوات إلي استمرار الاحتجاجات والاعتصامات ليس في ميدان التحرير فحسب, ولكن في معظم محافظات مصر.. ولا يستطيع فرد أو تنظيم مهما تبلغ قدرته علي تحريك الجماهير أن يدعي أن المئات من الألوف الذين يواصلون الاحتجاج والاعتصام خرجوا تلبية لدعوته, ولكن الواضح أن الجموع الجماهيرية خرجت بدوافع تلقائية داخلية, مبعثها عدم الشعور بالرضا عن أداء المؤسسات الحاكمة في مجالات أخري كثيرة, إلي درجة انعدام الثقة في كل تلك المؤسسات, وأبلغ دليل علي ذلك هو الانقسام حول بيان المشير محمد حسين طنطاوي, مع أنه تضمن تحديدا نهائيا لموعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد, إلي جانب ما تضمنه من تعهدات أخري إيجابية. صحيح أن السبب المباشر لهذه الموجة الجديدة من ثورة25 يناير هو محاولة فض اعتصام مائتي مواطن في صينية ميدان التحرير بالقوة, في صبيحة جمعة المطلب الوحيد, ثم مواصلة إطلاق النيران علي المتظاهرين طوال الأيام التالية, إلا أن الاستناد إلي حجة الاتفاق علي عدم تحول تلك المليونية إلي اعتصام مع القوي المنظمة, أو إلي وجود قرار سياسي سابق يقضي بعدم السماح باعتصامات في الميدان لا يقنع أحدا, أما القول بأن هؤلاء الذين بقوا للاعتصام صباح السبت الماضي ليسوا منتمين إلي قوي سياسية شاركت في جمعة المطلب الوحيد, فإنه لا ينفي أنهم مواطنون مصريون لهم الحق في التعبير عن الرأي والتظاهر والاعتصام دون قمع علي الطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع المواطنين قبل ثورة25 يناير, وفي أيامها الأولي, وكأنه لم تحدث في مصر ثورة علي هذه الأساليب, وغيرها من خطايا النظام السابق, ولكن خروج المئات من الألوف وصولا إلي مليونية الثلاثاء, واستمرار الاعتصام بميدان التحرير, والعودة إلي التوحد وراء مطلب واحد بعيدا عن الأحزاب والائتلافات, كل ذلك يثبت من جديد أن المسألة ليست مسألة تنظيمات سياسية, ولكنها مسألة شعب لم يعد أحد قادرا علي إعادته إلي حظيرة الطاعة العمياء, وأن مطالبه لابد أن تتحقق بالكامل, وهذه المطالب لن تتحقق بالبيانات, ولا بالقرارات المتأخرة عن موعدها, ولا حتي بالانتخابات, ولكن بخطة واضحة لإنقاذ الوطن ينفذها رجال لديهم الرؤية والإرادة علي تنفيذ الهدف الأسمي لثورة يناير, وهو بناء مصر الديمقراطية الحديثة المتقدمة. إن المطلوب الآن هو ثورة موازية في أداء السلطات.. حكومة إنقاذ وطني قوية وكاملة الصلاحيات, وقادرة علي كسب ثقة المواطنين, والتحرك السريع علي كل الجبهات, وأولها تطهير وزارة الداخلية وجهاز الشرطة من عقلية العداء للشعب, ومحاكمة المتورطين في عمليات القمع وسفك الدماء في الأحداث التي بدأت يوم السبت الماضي, وفي كل الأحداث التي وقعت قبلها, محاكمة جادة وسريعة. إن البيانات والمناشدات ولجان تقصي الحقائق لا تنقذ الأوطان, ولكن الذي ينقذ هو القرارات الصحيحة في وقتها المناسب, والرؤية الواضحة, والخطط المحددة, والتجاوب مع مطالب شعب يعيش قي حالة ثورة منذ10 أشهر. لماذا مثلا تأخر إصدار قانون إفساد الحياة السياسية ليصدر فقط في اليوم السابق علي مليونية الإنقاذ؟ ولماذا لم يتقرر موعد مبكر لإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية قبل فترة كافية؟ والأسئلة الأخري كثيرة.. ولكن الدلالة واحدة وهي أن بعد عشرة أشهر من ثورة يناير, لم تعد العملية السياسية الجارية, وكذلك التنظيمات والأحزاب, والمؤسسات الحكومية تحظي بالثقة الكافية لقيادة تحول ديمقراطي ناجح, لذا فإن مراجعة كل عناصر تلك العملية السياسية واجبة, ولكن من خلال مؤتمر وطني موسع بين المجلس العسكري وممثلين منتخبين علي وجه السرعة لشباب الثورة, وبقية القوي السياسية, لأنه لا شيء مقدس سوي مصر وإذا اقتضي الأمر فلا مانع من تنظيم استفتاء جديد علي الخطة التي سوف يتفق عليها, ومادام المجلس العسكري مستعدا للاستفتاء الشعبي علي تسليمه السلطة فورا, أو تطبيق الجدول الزمني المعلن عنه طبقا للإعلان الدستوري.. فليكن الاستفتاء علي خطة متكاملة للإنقاذ.. ولكن بشرط التحرك بالسرعة المناسبة. [email protected]