جدل واسع أثارته فكرة تشكيل لجان شعبية لحفظ الأمن وتعويض غياب أو إضراب الشرطة. واستقطب هذا الجدل اهتمام الساحة السياسية المصرية بمختلف مكوناتها خصوصا القوي والأحزاب السياسية التي انقسمت بين مؤيدة للفكرة بل حاضنة لها, وأخري ترفضها نهائيا. وكما يمكن فهم دوافع الفكرة في ضوء تزايد الانفلات الأمني وتحويل الشرطة إضرابها عن العمل من ضمني إلي صريح, من الصحيح أيضا أن أي اقتراح يفضي إلي عسكرة المجتمع أو إيكال مهمة حفظ الأمن فيه إلي أطراف غير رسمية, يثير مخاوف جمة من تحول الانفلات الأمني وانتشار السلاح من حالة استثنائية وإن طالت, إلي وضع طبيعي مقنن. لذا تصاعدت ردود الفعل الرافضة لفكرة تشكيل كيانات أمنية غير رسمية, وكان لافتا أن الاعتراض جمع بين قوي سياسية معارضة ووزارة الداخلية, وهي حالة نادرة أن يتوافق جهاز الأمن في مصر مع القوي السياسية المعارضة علي موقف واحد. بيد أن تلك الضجة التي واجهت فكرة إنشاء كيان أمني غير رسمي, لم تتمخض حتي الآن عن تحرك عملي نحو استعادة الأمن المفقود. لا من جانب وزارة الداخلية التي انتفضت مؤكدة أنها الجهة الوحيدة المسئولة عن حفظ الأمن أو الرئاسة التي ذهب رئيسها إلي رجال الأمن المركزي لاسترضائهم( وهم يستحقون الترضية), ولا من جانب المعارضة التي تفرغت للتخويف من الفكرة دون طرح بدائل. وكان المفترض أن يحرك حجر اللجان الشعبية المياه الراكدة في منظومة الأمن. لكن قامت الدنيا ضد فكرة اللجان الشعبية ثم عاد كل شيء إلي ما كان عليه, الانفلات كما هو والشرطة كما كانت, باستثناء زيادة نسبية في عدد الكمائن الأمنية غير الثابتة علي المحاور والطرق الرئيسية في القاهرة وبعض المدن الكبري. سكوت الرئاسة والداخلية والمعارضة والإعلام وإغلاق الملف بعد وأد فكرة الأمن غير الرسمي أمر يثير التساؤل حول دوافع فزع تلك الأطراف من الفكرة. إذا كانت الداخلية قد استشعرت خطرا علي أمن واستقرار البلاد حال ظهور كيانات أمنية غير رسمية( وهو خطر محتمل بالفعل) فمن الواجب عليها عدم الاكتفاء بتأكيد انفرادها بمسئوليات وصلاحيات حفظ الأمن, وإلا يعد ذلك مشاركة فعلية في زعزعة الأمن والاستقرار, بالاستمرار في التقاعس عن الالتزام بتلك المسئوليات والتمسك في الوقت ذاته بمنع أي طرف آخر من التصدي لها. ولا يتعلق الأمر باللحظة الراهنة وحسب, فطوال عامين بعد الثورة لم تقم الداخلية بأي بادرة لإصلاح أحوالها وتصحيح مفاهيمها وأساليب عملها وتفعيل ما لديها بالفعل من أفكار وخطط واقتراحات للنهوض بالعمل الأمني فكريا ومؤسسيا وفرديا. في حين اكتفت الرئاسة والحكومة, وهما السلطة التنفيذية المشرفة مباشرة علي عمل الداخلية, بالتنصل من الفكرة. أما المعارضة فترفض إبعاد الشرطة( المبتعدة أصلا) ويدعمها الإعلام في ترويج اتهامها للداخلية باستهداف الثوار وخدمة الاخوان. بدلا من هذا الموقف السلبي, كان علي المعارضة والإعلام التعاون في تحرك إيجابي أو مطالبة حقيقية بإصلاح الداخلية. ليس بالتسفيه والتشويه وإنما بالحشد والضغط علي السلطة لوضع خطة محددة وعملية لاستعادة الأمن واضطلاع الداخلية بدورها كاملا وفق جدول زمني من مرحلتين:عاجلة وآجلة. علي أن تتاح للداخلية الفرصة كاملة لأداء عملها الأمني دون ضغوط سياسية أو إرهاب إعلامي بحجة حرية التظاهر السلمي. وتدعو مواقف كل الأطراف إلي القلق من ضياع فرصة تاريخية لاستعادة الأمن وتصحيح منظومته, ليس بالتخلص من الداخلية أو تصفيتها وإنما بتفعيلها ودعمها بالتوازي مع تطهيرها ورقابتها. لمزيد من مقالات سامح راشد