لم أكن اتوقع أو حتي اتخيل ان يجمعني ذات يوم عمل فني غنائي بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أكتبه في قصيدة أو أغنية يلحنها ويتغني بها واحد من كبار المطربين والمطربات ولكن الحظ قد يأتي صدفة ويطرق بابك وتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وهو ما حدث معي بالفعل عندما قابلني عندليب الأ غنية العربية عبدالحليم حافظ في مدخل التليفزيون وكان في طريقه إلي استديو64 لاجراء بروفة علي أحد أغانيه وهمس في أذني بعيدا عن الحاضرين انت بتكتب وطني كويس يا درش عجبتني أغنية مانقولش ايه اديتنا مصر.. نقول حندي ايه لمصر لحن حلمي بكر وغناء عليا التونسية بس الكلام ده كان يغنيه مصري عموما الأغنية نجحت ولما يكون عندك كلام وطني أتصل بي أو بالأستاذ عبدالوهاب واعطاني أرقام تليفوناتهما وانتهت المقابلة ودخل البروفة وعدت أنا إلي منزلي مشغولا بهذا التكليف من عبدالحليم وعبدالوهاب ولم يهدأ لي بال حتي تحدث المناسبة التي أكتب فيها هذا العمل وشاءت الظروف ان استمع لاحد خطب الرئيس الراحل أنور السادات في مجلس الشعب في مطلع عام57 وأعلن أمام المجلس قراره بعودة الملاحة في قناة السويس في يونيو من نفس العام ونشرت الصحف أخبار احتفال كبير سيقام بهذه المناسبة تتويجا لأنتصار أكتوبر وبالفعل كتبت أغنية المركبة عدت وفي المساء اتصلت بالموسيقار عبدالوهاب وكان عنده خبر عن مقابلتي مع عبدالحليم وعلمت انه سيشارك في هذه المناسبة بأغنية لعبدالحليم حافظ بتكليف من الدولة وبعد الترحيب قال لي أنا عندي كلام كتير بس عايز أسمع أحسن وقال سمعني أنا سامعك كويس وقرأت له مذهب الأغنية.. المركبة عدت.. واهي ماشية.. والكل شايفها بتتعاجب.. والضحكة أهي زادت وبتغني كان الأمل مغلوب.. صبح غالب, عجبه هذا المعني وقال كمل قلت والموج رقص جنب السفينة لما القناة رجعت إلينا.. قال سمعني الكوبليه من الأول قلت قالها الزعيم.. من غير مايحلف.. عمره الزعيم مايقول ويخلف.. لابد أن تعود القناة.. وتعود لها تاني الحياة وهي جات لنا ورجعت لنا والضحكة باتت علي الشفاة.. وانتقلت إلي الكوبليه الأخير جات له الشعوب من كل وادي جات بالهنا مشارك بلادي إلي آخر الأغنية.. قال سمعني الكلام كله من الأول وعلي مهلك وبلاش السرعة.. وبعد الانتهاء من الأغنية طلب مني الاتصال بعبد الحليم اداني تليفونه الخصوصي وقل له عبدالوهاب اختار هذا الكلام وانتهت المكالمة ولم اتصل ظنا مني يجاملني.. وفي اليوم الرابع اتصل بي الموسيقار عبدالوهاب قالي انت فين يا درش مش فيه شغل وفيه أغنية قلت يا أستاذ حضرتك لم تطلب مني أنه ارسال الكلام وأنا افتكرت أنك صرفت نظر ونادي عبدالوهاب علي الأستاذ فؤاد وعلمت أنه يقصد الموسيقار أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية وطلب أن يسمعني الأغنية كاملة التي كان قد سجلها مني بالتليفون دون ان ارسلها له وطلب مني تعديل شطرة في الكلام وقمت بهذا التعديل وكان الموسيقار كمال الطويل موجودا في البروفة وقال لعبدالوهاب الشطرة الأولي أحسن خد من مصطفي أول قطفة.وشكرت الأستاذ كمال علي ذلك وبعد كده حضرت البروفات في استوديو64 بوجود عبدالحليم وعبدالوهاب والفرقة الماسية ومهندس الصوت المتخصص في أغاني عبدالحليم زكريا عامر. وطلب منه تجهيز نسختين من التسجيل بعد عمل المونتاج اللازم وكان من عادة عبدالوهاب أن يدعو بعض أصدقائه المقربين ومنهم الأساتذة أنيس منصور و د.مصطفي محمود والكاتب كمال الملاخ الذي كان أول من سمع الأغنية في بيت عبدالحليم وفاجئني في الصباح بنشر الخبر الرئيسي في الصفحة الأخيرة الذي كان يكتبه بخط يده بعنوان( المركبة عدت رائعة عبدالوهاب.. لعبدالحليم في افتتاح قناة السويس) ونجحت الأغنية نجاحا مدويا وأشاد بها د.جمال العطيفي وزير الإعلام في ذلك الوقت في حفل علي الهواء بدار الأوبرا المصرية وهذه كانت تجربتي مع موسيقار الأجيال عاشق كل كلمة إبداعية جميلة منذ أن كان يجلس مع أمير الشعراء أحمد شوقي ومرورا بكل الشعراء المصريين والعرب الذين يتعامل معهم بعده.