غاظني وصف لنائب رئيس حزب النور للتوكيلات التي منحها مواطنون للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد بأنه عشم إبليس في الجنة, وإبليس الذي يقصده مولانا في تصريحه لبوابة الأهرام ليس هو الشيطان الرجيم الملعون إلي يوم الدين, لكنه مواطن مصري يئس من حالة التطاحن والانقسام التي نعانيها والأزمات التي تتفجر في الشارع ولم يجد خطابا حكوميا مبشرا فقرر توكيل القوات المسلحة التي يثق في قدرتها لضبط الأوضاع. وإن كنت أرفض التوكيلات حتي الآن كمخرج وحيد للأزمة كما أرفض وصف عشم مواطنين بقواتهم المسلحة بأنه عشم إبليس في الجنة, وأري أن الذين يستحقون المحاكمة إذا تعشموا في الجنة هم المستشارون الذين أوصلت نصائحهم إدارة الرئيس المنتخب إلي حافة الهاوية, والذين صوروا أن الحوار مع الشركاء علي دستورالثورة إضاعة للفرصة, وأن خطف البرلمان بقانون انتخابات تفصيل يعد غنيمة, واحترام الدستورية هزيمة, و نارالإنقسام التي تشتعل في أنحاء البلاد وعلي محطات الوقود ثورة مضادة! وسلاح التغيير بالتوكيلات كان مقدمات لثورات الشعب المصري طوال ال200 سنة الماضية, واجه به المصريون خورشيد باشا الوالي العثماني عام1805, حين كرهوا إدارته وسئموا مظالمه, ولم تخيفهم صيحته' من ثبته السلطان لا يخلعه الفلاحون', وحين اختار رموز الشعب وأعيانه وتجاره ورؤساء جنوده تعيين محمد علي واليا عليهم, كتبوا التوكيلات وأرسلوها الي الأستانة, وبعد شهرين أصدرالسلطان العثماني فرمان تثبيته انصياعا لإرادة المصريين, ولا ينسي التاريخ التوكيلات والعرائض التي جمعها عبد الله النديم من مشايخ العربان وعمد البلاد وأعيانها, لتفويض الضباط المصريين أحمدعرابي ورفاقه في مواجهة الخديو توفيق لتخليص البلاد من براثن الاستبداد السياسي والتدخل الأجنبي في سبتمبر1881, وبفضلها تحولت الحركة العسكرية الي ثورة بمطالب شعبية, كما كانت العرائض والتوكيلات الأهلية هي جواز شعبي لسفر زعماء ثورة1919 الي باريس للمطالبة بالاستقلال بعد رفض المندوب السامي البريطاني سفرهم بحجة أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم. فلاتستهن يامولانا برمزية سلاح التوكيلات, وأنها لم تتعد200 خلال نصف ساعة ببورسعيد,وتوكيلين في أسيوط و3 بالمنيا و15 في السويس ومثلها في الأقصر والاسكندرية, و10 من موظفي البرلمان, لكنها جرس إنذارعن حالة يأس من النظام الجديد بمعارضيه, وحالة ثقة في مؤسسة وطنية وجدت لتحميه, ولاتنس أن من ثبته السلطان خلعته التوكيلات!