{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ}.. بل وظلموا البلاد والعباد!.. لقد عرفت مصر الثورات الشعبية في عصرها الحديث بأكثر مما عرفت كثير من البلاد.. * ثارت ثورة شعبية، قادها "مجلس الشرع" المكون من علماء الأزهر سنة 1220ه 1805م، ضد الوالي التركي "خورشيد باشا"، وخلعته عن حكم البلاد، رغم أنه مولى من قبل السلطان.. ويومئذ أعلن السيد عمر مكرم (1168 1237ه / 1755 1822م) باسم "مجلس الشرع" أن الأمة هي مصدر السلطات.. وقال: "إن أولي الأمر هم العلماء وحملة الشريعة، والسلطان العادل، ولقد جرت العادة من قديم الزمان، أن أهل البلد يعزلون الولاة، حتى الخليفة والسلطان، إذا ساروا فيها بالجور، فإن أهل البلد يعزلونه ويخلعونه"!.. ولقد اختار "مجلس الشرع" باسم أهل البلاد محمد علي باشا واليًا على مصر، ونزل السلطان العثماني على إرادة أهل البلاد. * وثارت مصر ثورة شعبية كبرى (1298ه /1881م) بقيادة أحمد عرابي باشا (1257 1329ه /1841 1911م) شارك فيها الشعب والجيش، عندما طلبت البلاد الحرية والدستور، فقال الخديوي توفيق (12691319ه 1852 1892م) متحديًا إرادة الأمة: "لقد ورثناكم من آبائنا وأجدادنا، وإنما أنتم عبيد إحساناتنا"!.. فأعاد عرابي وهو على رأس الجيش والشعب بميدان عابدين كلمان الفاروق عمر بن الخطاب (40 ق ه 23ه/ 584644م): "لقد خلقنا الله أحرارًا ، ولم يخلقنا تراثًا ولا عقارًا، ووالله الذي لا إله إلا غيره إننا لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم"!.. ولقد استمرت هذه الثورة الشعبية لأكثر من عام، حتى أخمدها الاحتلال الإنجليزي لمصر سنة 1882م) * وتفجرت بمصر ثورتها الشعبية الكبرى (1337ه 1919م) بقيادة الشيخ سعد زغلول باشا (12731346ه / 1857 1927م) ابن الأزهر الشريف.. وتلميذ جمال الدين الأفغاني (1254 1314ه / 1838 1896م) والابن البار للإمام محمد عبده (1266 1323ه / 1849 1905م) وهي الثورة التي قامت ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، والتي دامت مشتعلة لأكثر من عامين، كان الأزهر الشريف فيها منطلق الثورة وحصن الثوار، حتى لقد اقتحمه الانجليز، وعاثوا فيه فسادًا كما سبق وصنع بونابرت (1769 1821) إبان ثورة القاهرة على الاحتلال الفرنسي لمصر (1213ه 1798م). * وثارت مصر ثورتها الرابعة في العصر الحديث (1371ه 1952م) بقيادة الضباط الأحرار والجيش المصري ومن ورائه الشعب ضد الاستبداد والفساد والمظالم الاجتماعية التي جعلت ثروات البلاد حكرا على نصف في المائة من السكان.. * لكن الثورة الشعبية الخامسة، التي فجرها الشباب في 25 يناير سنة 2011م) 21 صفر سنة 1432ه .. هؤلاء الشباب الذين سبقوا آباءهم وأجدادهم، ثم اجتذبوا إلى الثورة الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وحتى الأطفال لكن هذه الثورة التي تفجرت في كل ربوع البلاد، والتي انخرط في أتونها كل العباد.. قد مثلت تغيرًا نوعيًا في مستوى الشعبية التي ميزت ثورات مصر في العصر الحديث والواقع المعاصر والمعيش.. فلماذا كان هذا التغير النوعي في مستوى العمق والشعبية لثورة (25 يناير سنة 2011م؟).. ذلك هو موضوع الحديث القادم إن شاء الله.