في غمرة ما تمر به البلاد من أحداث جسام يصبح تناول قضية الآثار علي وجه التخصيص أو الموروث التراثي بعامة و كأنه ترف لا ينبغي الاقتراب منه, إذ يري البعض أنه من الأجدي أن يظل قابعا في مؤخرة قائمة الأولويات التي يرنو إليها الوطن. لعل رسوخ هذا الإعتقاد كان مبعثه الطرح الأخرق لفكرة جدوي بقاء الآثار لا سيما القديمة منها تأثرا ببعض الدعاوي الدينية المغلوطة التي تجعلها شواهد وثنية ينبغي الخلاص منها. وهي دعوة إستعر أوارها إبان الإنشغال بمواد الدستور, وربما إنعكست عليها, حيت حظيت الآثار بإشارتين الواحدة مباشرة( المادة20) و الأخري ضمنية مع التراث( مادة46) و بما لا يليق بعراقة دولة لا تزال تعيش علي مجد الغابرين, بل لا أغالي إذا قلت أنهم لا يزالون ينفقون علي أحفادهم من ذلك الموروث الأثري.!! الواقع نحن هنا لسنا في معرض الخوض مع الخائضين ممن دفعهم ضيق الأفق للجهاد العشوائي فلم يجدوا سوي آثار الأجداد ليتخذوا منها عدوا, ظنا منهم أن معاودة مهزلة تفجير تمثال بوذا يمكن أن تلقي آذانا صاغية. و من ثم كان استهداف تمثال أبو الهول الذي حوله؟ من أعاجيب الدنيا السبع إلي صنم ينبغي القضاء عليه ليلحق بأقرانه اللات و العزي و مناة الثالثة الأخري. و لو علموا كم خسر الإسلام من جراء هذه الجهالة التي لم يلق لها السلف الصالح بالا و هم ينشرون الإسلام فاتحين بشروط الجهاد أو الجزية أو الإعتقاد و بجزائي النصر أو الشهادة, لأدركوا الفارق بين مسلمي الأمس البعيد و متأسلمي الحاضر القريب أو الغد الأريب. كما أننا لسنا بصدد تناول الموقف العبثي الذي كان حديث الإعلام منذ أيام خلت من الشهر الماضي الذي دفع ببعض( الإخوة) لطلب عقد إجتماع بمعبد أبو سمبل إبان الاحتفال السنوي بتعامد الشمس علي تمثال الملك العظيم رمسيس الثاني. و رغم أن مصر لم تخل علي امتدادها من قاعات للاجتماعات و بغض النظر عما يردده الخبثاء من كون الأمر لا يعدو كونه إفسادا للمناسبة, مقابل ما سوغه البعض من أصحاب النيات الطيبة في كونها محاولة عملية من التوجهات الدينية لنفي ما رميت به من موقف حيال الآثار. فإن الأمر بوجهيه السلبي و الإيجابي بفرض صحته فإنما يدل علي عبثية بلغت منتهاها بالطرح في ذاته. أما ثالثة الأثافي فترتبط بأعجوبة ما سمي بالعرض الخاص بحق الانتفاع بالآثار لخمس سنوات علي طريقة نظم الBOT و أخواتها مقابل مبلغ يسيل له لعاب الفقر مالا أم ثقافة, و كيف تم تداول الأوراق الرسمية من وزارة المالية إلي اللجنة الدائمة للآثار صاحبة القرار الفني في أي موضوع يخص العمل الأثري. و لن نردد بالطبع ما جاء كردود أفعال حيال الأمر برمته لأن القضية عندي أبعد من الجدل الثائر, ليبقي عندي تساؤل آمل أن يحظي بالإجابة, وهو هل للعرض علاقة بالمكتب التجاري( لأولاد العم) في الدولة( الشقيقة) و الذي غردت به خارج سرب المقاطعة العربية يوما ما؟؟. و هل هذه المحاولات مناورة التفافية من نوع جديد, منذ أن كانت( الشقيقة) رأس حربة جديد لحفائر أولاد العم بتل العمارنة إبان الفترة( الحواسية), و هم الذين يستقدمون الخبراء حتي لرصف شوارعهم إذا بهم يتقدمون صفوف التنقيب الأثري في العرض المستباح للمحروسة ؟. ما يستنفرنا اليوم يرتبط في الأساس بالمنظومة الكلية لتراثنا المعنوي والمادي علي حد سواء ولا سيما الأثري منه, إذ الأمر يحتاج منا إلي وقفة لا تقل في وطنيتها عن وقفات القصاص و المطالب العادلة, لأننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام اغتيالنا معنويا باستنحار مفردات التراث الأثري لكونها علي قول أمل دنقل( أشياء لا تشتري). فلو نظرنا للموقف نظرة الطائر العلية و ليس مثلهم بنظرة الصائد للطائر لوجدنا أن الأمر حيال هذه القضية يتخذ منحي تصاعديا من الفردية للجماعية ومن الشخصية إلي الرسمية. فمن دعوة للهدم إلي أخري للتجمع ومن دستور يؤكد الصيانة والحفظ دون استمرار العمل الكشفي, ومن ثم التوسع المتحفي, إلي طرح إقتصادي وإذا كانت الدعاوي الفردية قد تمثل بالونات إختبار فإن التوجهات الرسمية تكشف موقف الدولة منها, و هو موقف يعكس قيمة الوعي الأثري لدي صانعي القرار وعدم القدرة علي التوظيف الأمثل لهذه الثروة ثقافيا وإقتصاديا. و لعل المثال الخاص بالإنفتاح علي السياحة الإيرانية ليؤكد ما نقول وإن أثار بالذهن ذلك التناقض بين الموقف السني والسلفي من الأضرحة بعامة والمشهد الحسيني علي وجه التخصيص و بين تشجيع السياحة الإيرانية. و مما لا شك فيه أن الأمر جد خطير ولم يعد يحتمل السكوت استغلالا لوعي مغيب عن الشعب في حاضر يصاغ بعيدا عنه لمستقبل ليس له فيه سوي مقعد المشاهدة, فما بالك بماض لم يشارك فيه أصلا.