يسر عبد الغني رئيسا لنادي السنطة الرياضي وسامي عبد المقصود نائبا (فيديو)    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    من 18 إلى 54 ألفًا.. زيادة تعجيزية تهدد مصدر رزق مزارعي بهادة بالقليوبية    شعبة المستوردين عن وقف استيراد السكر: لا توجد فجوة.. وعلى المواطن الشراء قدر احتياجاته    محمد موسى يهاجم الجولاني: سيطرتك بلا دور.. والسيادة السورية تنهار    بالأمر، ترامب يحدد الموعد النهائي لزيلينسكي لقبول خطة السلام في أوكرانيا    حدد الموعد، رئيس الاتحاد الفرنسي يتحدث عن اقتراب زيدان لتدريب منتخب الديوك    اختطاف واحتجاز أكثر من 200 تلميذ و12 معلما في هجوم مسلح على مدرسة كاثوليكية بنيجيريا    «قطايف 2».. عودة جديدة لسامح حسين بعد نجاح الموسم الأول    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    محلل سياسي عن لقاء السيسي ورئيس كوريا: مصر مركز جذب جديد للاستثمارات    شيكو بانزا يوضح سبب تأخر عودته للزمالك    «العشري» يدعو الحكومة للاجتماع بالمصنعين ومراجعة قرار فرض رسوم الإغراق على البليت    الصورة الأولى لعروس المنوفية التي لقيت مصرعها داخل سيارة سيارة الزفاف    مداهمة مفاجئة تكشف الإهمال.. جمعية زراعية مغلقة وقرارات حاسمة من وكيل الوزارة    فلسطين.. آليات الاحتلال تطلق نيرانها صوب المناطق الشرقية لمدينة خان يونس    مارسيليا يتصدر الدوري الفرنسي مؤقتا بفوز ساحق على نيس    ترامب: نعمل مع لبنان لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ونمارس ضغوطًا لنزع سلاح حماس    تعرف على أسعار اللحوم البلدي اليوم فى سوهاج    مصرع شابين وإصابة 3 في حادث تصادم على طريق بنها–كفر شكر بالقليوبية    الجيزة: تعريفة ثابتة للسيارة بديلة التوك توك ولون موحد لكل حى ومدينة    تعرف على حالة الطقس اليوم السبت فى سوهاج    ممداني: الدعم الأمريكي لإسرائيل يساهم في إبادة جماعية.. ويجب أن تكون الأولوية للمواطنين    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    وزير الثقافة يعلن ختام فعاليات الدورة السادسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ويُكرم الفائزين بمسابقاته    مى عز الدين تنشر صورا جديدة تجمعها بزوجها أحمد تيمور    مها الصغير أمام المحكمة بسبب انتهاك حقوق الملكية الفكرية | اليوم    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل العملية الانتخابية في الرياض وجدة    أخبار × 24 ساعة.. السياحة: 1.5 مليون سائح ألمانى زاروا مصر منذ بداية 2025    اكتشاف عجز 44 طن سكر داخل مضرب بكفر الشيخ.. وضبط أمين المخازن    رمضان صبحي أمام المحكمة في قضية التزوير| اليوم    بسبب ركن سيارة.. قرار هام في مشاجرة أكتوبر    مسئول إسرائيلى: سنحصل على الشرعية لنزع سلاح حماس إذا لم ينجح الأمريكيون    أحمد حسن يكشف أسباب عدم ضم حجازى والسعيد للمنتخب الثانى بكأس العرب    محلل أداء الأهلى السابق: الفريق استقبل أهدافا كثيرة بسبب طريقة لعب ريبيرو    قائمة بيراميدز - عودة جودة وغياب مصطفى فتحي أمام ريفرز    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: ممدانى رجل عقلانى جدا ونتفق فى الغاية وهو ليس جهاديا.. طوارئ فى فرنسا استعدادا لحرب محتملة مع روسيا.. وزيلينسكى عن الخطة الأمريكية للسلام: نواجه لحظة حاسمة    أحمديات: برنامج دولة التلاوة رحلة روحانية مع كلمات الله    محمد أبو سعدة ل العاشرة: تجميل الطريق الدائري يرتقى بجودة حياة السكان    صلاح بيصار ل العاشرة: أحمد مرسي علامة كبرى في الفن والأدب السريالي    تباطؤ إنفاق المستهلكين فى كندا خلال الربع الثالث بسبب الرسوم الأمريكية    إعدام كميات كبيرة من الأغذية والمشروبات غير الصالحة بالمنوفية    11727 مستفيدًا في أسبوع سلامة الدواء بالمنوفية    رئيس جامعة المنيا يناقش إعداد الخطة الاستراتيجية للجامعة 2026–2030    الترسانة يتعادل مع المنصورة في ختام الأسبوع ال13 بدورى المحترفين    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان 2012
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 08 - 2012

المفارقة فى عنوان المقال أننا لسنا فى رمضان 2012، لكننا فى رمضان 1433، والمحزن أن معرفة السنة الهجرية لم تعد من المسلمات، والمؤسف أن العنوان تصدر لافتات ملأت شوارع القاهرة وصحفها خلال الشهر المنصرم للإعلان عن الأنشطة المختلفة خلال رمضان، على نحو عكس إشكالية يقل الاهتمام بها فى زخم السياسة، وإن كانت فى حقيقة الأمر فى القلب منه.

•••

الإشكالية تتعلق بالهوية، والاضطراب بين الموروث والوافد باد فى التعبير بالشهر الهجرى والسنة الميلادية، وليست الإشكالية «دينية» (بالمعنى الفقهى على الأقل، فهى لا تتعلق بأحكام شرعية كالصوم وغيره) وإنما ثقافية تتعلق بالهوية، أى إدراك الذات، وتصورات الأمور التى تؤدى للتعبير عنها بصورة معينة، وهى من هذه الجهة شديدة الاتصال بإشكالية اللغة، التى ضعف الاهتمام بها وعز اتقانها، كما يظهر فى إعلانات رمضان وفى مسلسلاته، حتى التى تحاول استعمال الفصحى.

وقضية الهوية تصدرت المشهد السياسى منذ خلع مبارك ولا تزال، وينقسم الفواعل السياسيون بها إلى إسلاميين ومدنيين (مع التحفظ على المصطلحين) يتبنون مواقف تبدو مختلفة من قضية علاقة الدين بالدولة، يزعم كلاهما أن موقفه يعبر عن «الأصالة المصرية» (أحد الطرفين يتحدث عن الحفاظ على الأصل، وهو مصرية الدولة ومدنيتها، والآخر يتحدث عن العودة للأصل، وهو الإسلامية)، فى حين أن موقفهما من الموروث والوافد وهو لب موضوع الهوية محل النظر يبدو شديد التشابه.

•••

والجدل حول الموروث ليس جديدا، فهو مطروح منذ الحملة الفرنسية، محتدم منذ مطلع القرن العشرين، بسبب الهزيمة الحضارية التى عانتها الأمة عند مواجهة الاستعمار، والتى جعلتها وفق نظرية ابن خلدون أكثر قابلية للانسلاخ عن جذورها المعرفية، بسبب «ما يحصل فى النفوس من تكاسل» يجعلها «آلة لسواها وعالة عليهم»، فقل الاهتمام بالموروث وصار التطلع لا للبناء عليه وإنما للانفصال عنه، والوقوف على أرض جديدة، ليست أرضه (وربما ليست أرض الوافد أيضا، لكنها أرض خليط) واستدعاء بعضه منها، فتكون النتيجة هجينا بعيدا عن الأصالة والعمق.

والسؤال ذاته مطروح فى قضية اللغة، والتى تظهر الإعلانات تحريفها عن أصلها، وتحول الكتابة عنها للعامية، أو العامية المختلطة ببعض الألفاظ الإنجليزية، وكان هذا بداية فى المنطوق ثم صار فى المكتوب حتى وصل لبعض المطبوع من الصحف والكتب، والمشكلة هنا متعددة الأبعاد، فهى أولا تعنى ضعف التمكن من إدراك اللغة قراءة، الأمر الذى يؤدى لمزيد من الإضعاف للصلة بالموروث الذى وصلنا بهذه اللغة، فيزداد التشوه الثقافى الذى يخيرنا بين يسير ضيق من الموروث وترك له بالكلية.

ثم إن اللغة ليست أداة للتخاطب فحسب، بل وعاء يحوى الثقافة والقيم فى مفرداتها أو تراكيبها، وما فى اللسان العربى من مجاز وكنية فهم منه البعض لما انقطعت صلتهم به غير ما يفهمه منه متقن العربية، فكان لهذا الأمر بالغ الأثر على الثقافة، بل وعلى فهم الدين، وهو ما عبر عنه الثعالبى قبل ألف سنة حين اعتبر الإقبال على تفهم اللغة «من الديانة» كونها أداة العلم ومفتاح التفقه فى الدين، كما اعتبره «سبب إصلاح المعايش والمعاد، ثم هى لإحراز الفضائل، والاحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب، كالينبوع للماء، والزند للنار» لما تحويه من قيم وثقافة، وإدراك ماهية ومرامى ومقاصد الموروث يتعذر فى ظل التشويه اللغوى، الذى يقطع عن الموروث ولا يوصل بالوافد.

•••

ومجرد التخيير بين الموروث والوافد كما يقول المستشار البشرى يفيد انفصالا عن الأول، «فنحن عندما نتحدث عما نأخذ وما ندع من الموروث والوافد نكون قد سوينا بينهما، كما لو كنا بعيدين وخارجين عنهما معا، نكون قد وضعناهما معا كالسلع فى واجهات المحال، ونكون قد غفلنا عن علاقة الصراع والحوار القائمة بينهما، وعن أننا متضمنون فى واحد من أطراف هذه العلاقة، فيتأكد السؤال عمن نكون نحن إذن؟»

وهذا السؤال- الذى ظل مطروحا مدة تقارب قرنين- أعادت الثورة طرحه بقوة، بعد أن حررت المجتمع من أسر السلطة (ولو جزئيا)، فوجد نفسه فى مواجهة قرن على الأقل من تعطل الإنتاج القائم على أسس منضبطة من الموروث (فى العلوم الشرعية والآداب والفنون وغيرها)، ومن هيمنة الوافد على دوائر وطبقات صغيرة ولكنها متنفذة، على نحو أدى لانفصال دوائر الحكم وأدوات التأثير عن الثقافة المحلية، فنشأت فى المساحة بينهما ثقافات متباينة، لا تقبل هذه ولا تلك، ولا تعرف على أرض أيهما تقف.

جاءت ردود أفعال ما سبق متباينة، جلها يقف على الأرض الخليط فينتقى بغير منهجية من الموروث، وبغير نقد ولا كفاية دراية من الوافد، فتكون النتيجة تضييق واسع الموروث بقصره على بعضه (ك «الحل الإسلامى» التى يصور الإسلام دليلا تفصيليا للسياسة والاقتصاد، وادعاء الإجماع فى المختلف فيه من الشرع، وقصر التأريخ على ما كان فى بعض القصور من دماء مع تجاهل ما كان فى المجتمعات من رقى وعلم)، أو استقباح حسنه (كالأحكام الشرعية التى حافظت على قيم المجتمع وتماسكه، أو «السنن الحسنة» التى انتشرت ويرى فيها البعض الآن بدعا)، أو رفض الوافد المتسق معه.

•••

الأسئلة التى تطرحها الثورة، سواء المتعلقة بالنظم السياسية، أو بالثقافة، أو بغيرها، لا توجد لها إجابات حاضرة، لأن الثورة أطلقتها فجأة بعدما ظلت تتراكم عقودا، والإجابة قد تستغرق أجيالا، وهى لن تأتى من «النخب» و»المثقفين»، وإلا فسيكون ذلك ترحيلا آخر يؤجلها لانفجار جديد، وإنما جل المطلوب لئلا نخطئ الإجابة أن نتخير أرضا صلبة نقف عليها وننطلق منها، وأنا منحاز لأن تكون هى أرض الموروث، إذ لابد للثورات أن تعيد بعض الثقة للشعوب لتقف على أرضها وتنطلق منها، وتسعى لدمقرطة المعرفة، ولكسر احتكار «النخب» والأموال على إنتاجها، والإبداع فى التدابير التى تجعل انتشار الفكرة نابعا من قبول الناس لها من حيث هى، لا لاستنادها إلى ذوى المال والنفوذ، أو ذوى المصالح والنفوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.