ما يقرب من خمسة آلاف وحدة صحية منتشرة في ربوع مصر, من المفترض أنها تقدم الرعاية الصحية والعلاج شبه المجاني للمرضي, وتمد تلاميذ المدارس في مراحل التعليم المختلفة بالخدمات الصحية.. فماذا عن هذه المنظومة الصحية حاليا.. وهل اختلف واقعها بين الأمس واليوم.. وكيف يمكن النهوض بها؟.. تساؤلات أخري حول هذا الأمر تم طرحها من حيث معاناة المواطنين من مختلف المحافظات والعاملين بالتعليم والصحة في التحقيق التالي: بداية يقول مصطفي رزق- مزارع بقرية أشمون بالمنوفية, عندما سألته عن مستوي خدمة الوحدة الصحية لديهم: الوحدات الصحية علي مستوي المحافظة هي حقل تجارب للأطباء حديثي التخرج, ولن أنسي عندما فاجأ جارا لنا في القرية مغص شديد فذهبنا به إلي الوحدة الصحية, وهناك اكتفي طبيب الوحدة بإعطائه مسكنات, التي فشلت في تسكين الألم, فتوجهنا به إلي المستشفي العام, ونظرا لبعده عن القرية مات في الطريق, حيث اتضح أنه كان مصابا بالتهاب في الزائدة الدودية, والتي انفجرت بسبب جهل طبيب الوحدة بتشخيصه للالم. ومن قرية كفر شاهين بمحافظة الغربية يقول أشرف مصطفي حسن- موظف بالمعهد الازهري: الوحدة الصحية لدينا في كفر نواي التي تبعد عن قريتنا بمسافة تخدم حوالي خمسة كفور حولها ولكن الأهالي لا يعتمدون عليها في علاجهم أو إسعافهم, ودائما يلجأون إلي المستشفي العام في زفتي.. أما بالنسبة لمدرسة القرية أو مدارس القري المجاورة فليس هناك خدمات أو رعاية صحية بالمرة. ويجزم أيضا محمود عبد الحليم, مدير إحدي الشركات بمحافظة الأقصر, بأنه ليس هناك رعاية صحية علي الإطلاق لتلاميذ المدارس بقري المحافظة, ويستطرد قائلا: في قرية كوم امبو كانت الوحدة الصحية في الماضي أفضل حالا من اليوم, حتي الأمصال ضد لدغ الحشرات السامة كانت توزع ما بين الوحدة الصحية وبيت العمدة. وفي قرية الحاجر أبو ليلة- ساقلته بسوهاج, وأيضا القري المجاورة, كل الوحدات الصحية هناك لا ترقي لأي مستوي في علاج مريض أو حتي إسعافه.. هذا ما قالته سامية زايد, مديرة رعاية الشباب للمدن الجامعية بسوهاج, وأضافت: كنا نأمل أن تتغير هذه الأحوال إلي الأحسن بعد الثورة, ولكن دون جدوي.. ومن هنا أناشد وزير الصحة كمواطنة لي أبناء في المدارس وأهلي في القري من حقهم أن يحظوا بخدمة ورعاية صحية آدمية, فكم من حالات الكسور التي يتم التعامل معها بطريقة خاطئة, مما يسبب الكثير من العاهات المستديمة بسبب عدم وجود متخصصين في العظام أو غيرها من التخصصات الطبية اللازمة. ومن محافظة المنيا وبالتحديد مدرسة السادات الثانوية, يؤكد جمال الدفشي, مدرس اللغة الإنجليزية, أن الخدمات الصحية في المدارس معدومة, وإن كان بالمدرسة زائرة صحية فليس هناك أي مستلزمات للإسعافات الأولية, وإذا حضر الطبيب يحضر علي استحياء ولوقت قصير وبدون أي مواعيد محددة, ويتذكر قائلا: منذ فترة ليست ببعيدة أسعفنا طالبة عن طريق الخطأ عندما أصيبت بالإغماء, وأعطيناها ماء بالسكر, حيث كانت تعاني من ارتفاع سكر.. وربنا ستر وقتها. ويستطرد مدرس المنيا قائلا: مطلوب من الوزارتين, الصحة والتعليم, أن يتكاتفا في سبيل الاهتمام بمدارس القري والنجوع والكفور في محافظات مصر, التي تعاني من الإهمال منذعدة سنوات, وأتذكر عندما كنت مدرسا في مدرسة أبو هلال غرب المنيا.. كان يدخل علينا الفصل أثناء الحصة الكلب والحمار بدون استئذان بالطبع! ومن المنيا أيضا تؤكد أمل سيد محمود- مدرسة الأحياء بمدرسة البنات الثانوية- أن مسئولية هذه المنظومة الصحية تائهة بين وزارتي الصحة والتعليم, بل وضائعة أيضا بينهما.. حيث الحجرة الصحية ليست صحية بالمرة, والسرير الموجود بها يرثي له, والزائرة الصحية ترتدي البالطو الأبيض غير النظيف وغير المكوي إلا إذا كانت هناك لجنة متابعة إشراف وافدة من القاهرة.. وللنهوض بهذه الخدمة الصحية مطلوب عمل مسح تطهيري للمدارس بشكل يومي, تجنبا لأي مخاطر يتعرض لها الطلاب, كلدغ الحشرات السامة, خاصة في مناطق الصعيد, كما يجب وجود طبيب بالمدرسة بشكل دائم ويكون متفرغا حتي لا ينشغل بعيادته أو وظيفته في التأمين الصحي, وهوما يجعله يمر علي المدرسة مرة في الأسبوع كمرور الكرام! ويناشد طارق حماد, مدرس اللغة العربية بمدرسة عرابي للتعليم الأساسي بالقاهرة, هيئة التأمين الصحي المسئولة عن الوحدات الصحية والخدمة الصحية بالمدارس, الاهتمام بهذه المنظومة ويقول: هناك الكثير من الأطباء حديثي التخرج لا يجدون لهم عملا, فلماذا لا يعين في كل مدرسة طبيب من هؤلاء, حتي يكون هناك نوع من المتابعة الصحية في المدارس ومواجهة للبطالة في نفس الوقت. ويتذكر د.ابراهيم شبكة- رئيس قطاع التعليم الفني سابقا والخبير التربوي قائلا: الخدمة الصحية أيام زمان- عندما كنت تلميذا بالابتدائي- كانت تمر علينا الحكيمة في طابور الصباح ترتدي البالطو الأبيض, وتفحص وجوهنا وأيدينا, وإذا اكتشفت أن هناك من لم يغسل وجهه أو لم يقلم أظافره تخرجه من الطابور, وتستدعي ولي أمره في اليوم التالي.. فضلا عن الرعاية الصحية التي كنا نحظي بها سواء في المدرسة او الوحدة الصحية. ويؤكد د. شبكة ضرورة ملاءمة الوحدة الصحية مع البيئة المحيطة بها مع وجود الحد الأدني من اللوازم الطبية. ويوضح د. أمين أبو بكر- وكيل وزارة التعليم السابق والخبير التربوي بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد, أن من أهم المعايير التي علي أساسها يتم تقييم أي مدرسة أن يكون فيها علي الأقل تجهيزات زائرة صحية, وأن تكون الخدمة الصحية جاهزة لأي طواريء, وهذه من أبسط القواعد التي نتبعها في هيئة الجودة حاليا, مع الأخذ في الاعتبار أن الخدمة الصحية في المدرسة تتم بالاتفاق مع الإدارة الصحية التابع لها المدرسة وإدارة المدرسة, وكل مدرسة حسب إمكاناتها. ويقر د. سامي مصطفي بدوي- أستاذ الطب الشرعي والسموم بكلية الطب بجامعة المنوفية- بأن الوحدات الصحية بالقري كانت أحسن حالا في الماضي عن اليوم, ويقول: الوحدة الصحية حاليا أصبحت مجرد مكتب صحة لأنها ليست مجهزة بأي مستلزمات للعلاج أو حتي للإسعافات والطوايء, ورغم أن المسئول دستوريا عن صحة المواطنين هي وزارة الصحة فإنه منذ أن تم تسييس العلاج الطبي في السنوات الخمس عشرة الأخيرة أصبح المريض الذي لاحول له ولا قوة يتسول العلاج من نائب البرلمان, الذي يعتبرها فرصة للحفاظ علي عدد ناخبيه بل وزيادتهم, وانقلب حال المنظومة الصحية في مصر. وبوصفه أستاذ سموم.. أسأل د. سامي: وهل هناك ما يمنع من وجود أمصال ضد لدغات الحشرات السامة في الوحدات الصحية حتي لا تتكرر حالات الوفيات الناتجة عن لدغات تلك الحشرات بسبب عدم إسعافهم, نظرا لعدم وجود الأمصال اللازمة لذلك بهذه الوحدات كما حدث مؤخرا مع طفل قرية بلنصورة بالمنيا وطفل قرية عرب طاولة بأسيوط؟.. أجاب: ليس هناك أي مانع سوي عدم الاهتمام أو عدم إمكانات, لأن الوحدة الصحية خاصة في المناطق الجبلية لابد أن تكون مجهزة بهذه الأمصال كما كان في الماضي, وتكون مجهزة بكل المستلزمات العلاجية للأهالي هناك, لأنها تعتبر الملاذ الوحيد بالنسبة لهم, ولذا مطلوب من وزارة الصحة أن تهتم بهذا الأمر حرصا علي صحة وحياة المواطتين. وإذا كان إجمالي الإصابة بلدغات العقارب سنويا يتراوح ما بين8 و10 آلاف حالة.. فلماذا لا توجد أمصال الطواريء اللازمة لذلك في الوحدات الصحية؟.. سؤال وجهته لمساعد وزير الصحة للطب الوقائي د.عمرو قنديل, والذي قال: إذا كان من الممكن أن نلحق الوحدة الصحية برعاية مركزة فهنا نقول أنه من الممكن أن توجد الأمصال في الوحدة الصحية!.. وهذا بالطبع يعني استحالة وجود أمصال الطواريء في الوحدات الصحية نظرا لما تتطلبه من تجهيزات معينة كما فهمنا من كلام مسئول الصحة. ويؤكد أيضا د.محمد حلمي عبده- مدير تنظيم الأسرة بإدارة الوراق الصحية سابقا- أن الوحدات الصحية لا تقدم سوي التطعيمات الروتينية من عمر يوم وحتي الصف الثالث الابتدائي, ويقول: إذا مرض طفل ما وحولته مدرسته إلي الوحدة الصحية التابعة لمكانه الجغرافي هنا يعاني الطفل الأمرين, حيث يفاجأ بممارس عام والكشف بالفم دون سماعة, والعلاج عبارة عن انواع محددة من الادوية رخيصة الثمن.. وفي الغالب يعالج الطفل في مستشفي حكومي او تتكبد الاسرة الانفاق علي علاجه عند طبيب خاص. ويستطرد قائلا: اكثر ما يعيب الوحدات الصحية تطبيقها نظام طب الاسرة, الذي اعتبره بداية خصخصة للنظام الطبي في مصر منذ تولي د. حاتم الجبلي وزير الصحة السابق حيث كان الغرض منه تخفيف الاعباء علي وزارة الصحة وليس علي المرضي وكانت تذكرة الكشف للمريض بالوحدة الصحية قبل العمل بهذا النظام بجنيه فقط, والعلاج يصرف له مجاني من صيدلية الوحدة.. اما بعد العمل به اصبحت التذكرة بثلاثة جنيهات ويدفع المريض ثلث ثمن العلاج.. والتحليل ايضا كان يجري للمريض مجانا, ولكن حاليا اصبح بعشرة جنيهات, وهوما يقارب اسعار الخاص. ويعترف د.احمد ابراهيم, مدير ادارة مكافحة العدوي بوزارة الصحة بالاقصر, بانه ليس هناك نظام طبي مفعل لتلاميذ المدارس بالاقصر, حيث يفتقدون للكشف الدوري الذي من خلاله تدرك الامراض المتوطنة لديهم كالبلهاسيا والانيميا.. وللنهوض بالخدمة الصحية لتلاميذ المدارس يقول: لابد من عمل ملف صحي لكل تلميذ يتضمن حالته الصحية وطوله ووزنه وعمره والتاريخ المرضي للابوين, ويتم تحديث هذا الملف اسبوعيا.. مع وجود طبيب دائم بالمدرسة وصيدلية طواريء تحتوي علي القطن والشاش والسرنجات وكورتيزون كحقنة لتأجيل سريان السم, ولا يصل الي عضلة القلب اذا تعرض طفل الي تسمم ما... اما بالنسبة للنهوض بالوحدات الصحية, كما يقول طبيب الاقصر, فلابد ان يكون اكثر من طبيب متخصص في الوحدة بجانب الاطباء حديثي التخرج.. ويتم اختيار المسئول عن هذه الوحدة علي اساس الكفاءة والعلم وخطة سنوية يحاسب عليها في نهاية السنة.