تثير واقعة التحقيق مع الكاتب الروائي يوسف زيدان بسبب ما ورد في كتاباته, والذي اعتبره البعض ازدراء متعمدا للأديان, إشكاليات واسعة حول حدود حرية التعبير, وماهية المقصود تحديدا بازدراء الاديان, ومدي ارتفاع سقف الابداع في ظل الدستور الجديد لمصر ما بعد25 يناير. وبداهة, فإن الفكر ينبغي ألا يواجه إلا بالفكر, وليس باستخدام أداة القانون لترهيب العقول وارهاب الأفئدة أو استثارة مشاعر البسطاء أو دفع بعضهم لأعمال انتقامية, علي غرار ما جري لنجيب محفوظ. النكوص عن ذلك يكرس التخلف فنغدو مجتمعا يتغول يوما بعد يوم في تخلفه, فيعامل فيه المفكرون معاملة المجرمين والمحتالين!!!. فلو كان يوسف زيدان قد اشطط- عمدا أو جهلا, فكان ينبغي الرد عليه فكريا لدحض رؤاه وتبيان هزال تصوراته. فلم يمسك يوسف زيدان عصاه لكي يجبر أحدا علي شراء كتبه, أو زعم يوما أنه يحتكر الحقيقة الأدبية أو التاريخية أو الدينية!!!. فأسلوب كتابته ليس سهلا مبسطا كي يفهمه العامة, بل إن به قدرا من الثقل مما يجعله حكرا علي ذوي المستوي الثقافي المرتفع. وهؤلاء يملكون عادة نواصي عقولهم, فلم نسمع أن أحدهم أرتد عن هذا الدين أو ذاك بعد قراءة احد كتبه. هؤلاء القراء أيضا ليسوا بحاجة إلي وصاية من أحد, كي يحدد لهم ما يجب أن يطالعوه أو يمتنعوا عنه مثل الأطفال القصر.!! وما ينبغي تأكيده والتيقن منه أن الله تعالي لم يخول أحدا سواء أكان فردا أو جماعة أو هيئة كي يسبر أغوار النفس البشرية ويعلم مكنوناتها, فلربما أجتهد الكاتب فأحسن, ولربما سعي فأخطا. كل الأمور المحتملة. ولكن من المزعج أن يتصور أحدهم أنه حامل مفاتيح هذا الدين أو ذاك, وأنه الأدري بالسقف الذي يجب ألا يتعداه الإبداع الفكري لأي شخص!!!. والبادي أنه صار من العبث في زمن الإنترنت والسماوات المفتوحة, أن يظن البعض أن بمقدروهم منع أفكار معينة من الانتشار والذيوع, فإعدام سيد قطب في الستينيات لم يحل دون تنامي وانتشار فكره في المجتمع. المعروف للقاصي والداني. كما أن كل شئ بات متاحا للاطلاع بدءا من الجنس وحتي أسرار بناء القنابل الذرية. تلاشت إذن التابوهات وانعدمت الحدود.. ومن ثم, فإن مثل هذه البلاغات وبعضها قد يكون لأهداف شخصية لاستجلاب شهرة أو سمعة تعمل علي تأجيج فضول الناس للاطلاع علي ما ورد بهذا الكتاب أو تلك الرواية, وليس العكس.. فكأنما أراد هؤلاء خدمة الكاتب وليس النيل منه مثلما توهموا!!! الدفع هنا بأن العالم الغربي لا يتقبل نقدا للمحرقة اليهودية أو تمجيدا لهتلر قد يحمل جزءا من صواب, ولكنه اقتداء بما لا يجب الاقتداء به, كما أن تلك الحالات هي محدودة للغاية مقارنة بالحرية المتاحة بالغرب. ثم لماذا نقتدي بالآخرين ولدينا الإسلام الذي حمل رسالة حرية شاملة, ومنع العبودية لغير الله. وتبقي كلمة أخيرة أنه وسط الظروف القلقة وشديدة التوتر التي تمر بها مصر خلال المرحلة الحالية, والتهديدات التي تحيق بها خارجيا والتقلبات التي تكاد تزعزع استقرارها الداخلي, يصبح التطرق إلي مثل تلك الأمور غير الجادة دلالة علي سوء التقدير وهزاله. فالأفضل هو ترك جهات التحقيق القانونية للتفرغ لأكثر الأمور أهمية وضرورة مثل الأموال المنهوبة أو قتل المتظاهرين أو سحل هذا واغتصاب تلك, وهكذا.