لو أن المخرج السينمائي الشهير الذي اسمه الفريد هيتشكوك والذي شاهدنا له أفلاما تشيب لها الولدان وتقشعر من هولها الأبدان.. أراد أن يصور فيلما سينمائيا عنوانه: رحلة إلي الجانب المظلم من القمر.. يسجل فيه أبشع ما في النفس البشرية من شر وخسة وانحطاط وقسوة لا تعرف الرحمة وانتهاك حرمة الإنسان وإذلاله ودس أنفه في وحل الطريق.. ليصبح فرجة لخلق الله.. عاريا ذليلا.. جسدا وروحا ونفسا ذاقت طعم الطين والعفن.. لما وجد استوديو سينمائي جاهز للتصوير بما فيه من أبطال يتحركون علي الهواء مباشرة أفضل من ميدان التحرير قمر هذا الزمان.. ومنارة الدنيا في الحرية والكرامة لكل شعوب الأرض عندما يرتدي في آخر الليل أقنعة الخبث والخباثة ويجري داخله وقائع أبشع مشهد تحرش جماعي لفتاة لا حول لها ولا قوة.. شاء لها قدرها أن تكون ضمن البنات المدافعات عن الثورة.. لا يهم هنا اسمها أو سنها أو حتي من تكون ومن أين جاءت.. ولكن المهم أن قدرها التعس قد ساقها إلي وكر الذئاب من الشباب العابث الذي لا نعرف من أين أتوا؟ ومن أرسلهم؟ ومن دفع لهم؟ ليصطادوها ويتجمعوا حولها كما الذئاب النهمة ويجردوها بأسلحة بيضاء من ملابسها.. وسط صراخ المسكينة التي أوقعها قدرها بين أيديهم في حلبة الميدان ليلتهموها في واحدة من جرائم التحرش والاغتصاب الجماعي.. الذي قد يصل عددها كما في كل الحالات التي تم رصدها من قبل جماعات حقوق الإنسان مصرية وأجنبية في أرقام غير رسمية إلي نحو36 حالة حتي الآن.. وقعت كلها في ميدان التحرير ومحيط وزارة الداخلية وخلف التليفزيون في ماسبيرو ومساكن حي بولاق, وشارع محمد محمود, وميدان عبدالمنعم رياض, وميدان سيمون بوليفار! ............... ............... جاءني من يقول وأرجو ألا يسألني أحد من هو؟ ومن أرسله إلي؟: أتريد أن تشاهد بعينيك حفل تحرش واغتصاب جماعي لفتيات في قلب ميدان التحرير في مليونية من جمع الغضب والكرامة والرحيل؟ قلت لمحدثي: بصراحة كده.. أنا لا أصدق ما يتردد علي ألسنة العامة عن حفلات التحرش والاغتصاب هذه.. أتصور أن الأمر كله لا يعدو أن يكون نوعا من الدعاية المغرضة لشرف ومكانة وكرامة ميدان التحرير.. فمن غير من المعقول أن الميدان الذي كان له شرف إنزال آخر الطغاة البغاة من فوق كرسيه وتخليص مصر من دولة الفساد والإفساد والبغي والنهب والقهر والفقر المبين.. أن يشهد بعد أن أصبحنا أحرارا هذه الحفلات الماجنة الداعرة التي لا يرضاها ثائر أو جماعة ثورية.. ويكفينا وقائع كشف عذرية البنات التي جرت تحت حكم العسكر! قال محدثي: تعال ولن تندم ولعلمك لقد جرت حتي الآن نحو36 حادثة تحرش واغتصاب جماعي لفتيات شاء قدرهن أن يذهبن إلي الميدان بصحبة الثوار في مجموعة جمع الغضب والرحيل.. والكرامة.. والخلاص. قلت: لقد قالوا مرة في الصحف والمحطات الفضائية إنها قاربت خمسين حالة.. ثم قالوا الرقم الذي قلته وهو36 حالة, وآخرون قالوا: بل إنها16 حالة فقط.. علي أي حال حتي لو كانت ست عشرة حالة تحرش واغتصاب فقط لا غير فهو رقم مؤلم ويدمي القلب.. بل حتي لو كان الرقم مجرد حالة واحدة لا أكثر! قال محدثي: تعال.. بعد التاسعة مساء.. وستري بعينيك كيف يتحرشون بالفتيات.. بل وكيف يتطور الأمر في حالات كثيرة إلي اغتصاب وحشي للفتاة التي ساقها قدرها لتقع فريسة لهذه الذئاب البشرية النهمة لطعم ومذاق اللحم البشري الأنثوي! ............... ............... ولأنني مؤمن تماما أن الشر هذه الأيام كما في كل عصر وحين يركب بغلته السوداء منطلقا بها في كل الدور والصدور.. في بلد اسمه الفوضي لا ضابط فيه ولا رابط.. ولا حتي عسكري أو شاويش بشريطة واحدة من تحت السلاح.. يزعق في أنصاف الليالي زعقة عسكري الداورية بتاع زمان مين هناك.. لترتعد فرائص اللصوص ويقول القتلة والمجرمون يا فاكيك! فقد ولملمت حالي ومحتالي وذهبت إلي ميدان التحرير.. لأشاهد الوجه المظلم من القمر.. أقصد من ميدان التحرير الذي أصبح اسمه الآن: ميدان الحرية والكرامة والخلاص من حكم الفاسدين الظلمة الذين حكمونا عقودا طويلة بالحديد والنار والقهر والفقر والفساد المبين! في الميدان قال لي بائع فانلات وتي شيرتات مكتوب عليها شعار ثورة25 يناير.. بعد أن اشتريت منه ثلاث فانلات دفعة واحدة: لاولادي وأحفادي تعرف يا سعادة البيه.. الأولاد اللي في الميدان دلوقتي.. لم يتغيروا أبدا! أسأله: إزاي؟ قال لي: هؤلاء الشباب الذين تراهم أمامك ينادون بسقوط النظام ويرددون صيحات: انزل.. انزل.. كثير منهم هم أنفسهم الذين كانوا ينادون للرئيس مبارك: آسفين ياريس.. وكانوا يشترون مني قمصان وتي شيرتات عليها صورة مبارك! قلت له بدهشة: يا راجل ازاي عرفتهم؟ قال: وهو الواحد يتوه عن زباينه اللي بيشتروا منه وينفعوه! قلت له: يعني عاوز تقول شباب الحزب الوطني يلبس الآن ثيات الثوار.. قال: أيوه.. قلت له: الثوار يا عزيزي أنا عارفهم كويس دول خرجوا من طين الأرض وهما اللي قاموا بالثورة.. وإحنا النهاردة يوم11 فبراير يوم ذكري تنحي مبارك قبل عامين.. اللي قدامك دلوقتي ثوار بحق وحقيق.. لكن اللي أنا عاوز أشوفه.. الجماعة دول المتخصصة في التحرش واغتصاب البنات في الميدان! قال لي: اديني موبايلك وأنا أقولك ساعة ما يحصل.. موش حاناخذ كما في ثلاثة فاعلات؟ قلت له: لما أرجع! ................... ................... انشغلت بالحوار مع شباب الثورة الذي أعلن عصيانه ونزوله إلي الشارع مرة أخري.. وعدم اقتناعه بما يقدمه النظام حتي الآن.. وعلي حد تعبير واحد منهم: يا سيدي الفاضل.. لم يحقق لنا النظام ولا شعارا واحدا من شعارات الثورة وهي أربع كلمات: عيش+ حرية+ عدالة اجتماعية.. وكنا ننتظر منه الكثير.. ولكن! أسأله: ولكن ماذا؟ قال: ترك كل من هب ودب يفعل ما يشاء.. حتي تحولت البلد إلي فوضي.. والأمن غائب واخد تعسيلة والحكومة في واد والشعب الغلبان في واد آخر! قبل أن أرد عليه سمعت صوت الموبايل في جيبي.. وجاءني صوت بائع التي شيرتات: تعالي بسرعة يا حضرة إلي ناصية شارع محمد محمود مع شارع قصر العيني. سألني محدثي عن شباب الثورة: هو فيه إيه؟ قلت: بيقولوا فيه حادث تحرش لفتاة في شارع محمد محمود! قال: أنا جاي معاك.. ومعايا شلتي كمان من شباب الثورة.. كانت الساعة تقترب من التاسعة مساء.. حاولنا اختراق الزحام وإبعاد الخلق والباعة والمتظاهرين بأيدينا.. كان الوقت يسرقنا.. سبقني شباب الثورة.. ووصلت أنا ألهث بحكم وهن العمر.. كان في انتظاري بائع التي شيرتات الثورية الذي بادرني بقوله: انت فين يا راجل.. انت اتأخرت ليه؟ سألته: هي فين البنت اللي قلت إنهم بيتحرشوا بيها؟ قال: دول لسه مخلصين من دقايق عملية التحرش بها بالقوة.. هما موش ثوار.. لكن ناس من بره الميدان.. جايين مخصوص متأجرين.. أنا عارف جماعة منهم ماسكين مطاوي وسكاكين ونزلوا ضرب في البنت الأول وبعدين بالمطاوي قطعوا هدوم المسكينة لحد ما خلوها زي ما ولدتها أمها! قلت في فزع: يعني عريانة ملط قدام الخلق! قال: أيوه.. وهات يا ضرب وتقطيع في لحمها والباقي ما يتحكيش ياحضرة! سألته: وانتم إيه.. واقفين تتفرجوا؟ يخرج من وسط الزحام الشاب الثائر الذي سبقني عدوا إلي هنا وهو يلهث: الحمد لله.. خلصناها من إيدين ولاد الأبالسة دول.. وعربية الإسعاف خدتها لقصر العيني.. أسأله: وهي هناك دلوقتي؟ قال: زمانها وصلت.. أسأله: مين دول اللي بيرتكبوا الجرائم في حق بنات الثورة؟ قال: دول أكيد من الفلول.. من أعضاء الحزب الوطني التقال ومعاهم رجال اعمال بيمولوا الجماعة دي عشان تشويه صورة الثوار.. وكسر عين بنات الثورة والناشطات السياسيات وتشويه صورة ميدان التحرير! سألته: ما مسكتوش حد من اللي اعتدوا علي البنت الغلبانة؟ قال: هما مسلحين بالأسلحة البيضاء وكلهم عيال بلطجية مبرشمين.. واحنا موش عاوزين نخش معاهم في معارك بنفس سلاحهم.. دي موش شغلتنا ودي موش سكتنا! قلت له همسا في أذنه: ممكن أزور البنت في المستشفي؟ يسألني: دلوقتي؟ قلت له: أيوه دلوقتي علي طول! ................ ................ حاولنا أن نعثر علي تاكسي يحملنا وسط الزحام من التحرير إلي قصر العيني.. ونحن نجري خارج الميدان علي طريق الكورنيش.. وفجأة وجدنا إلي جوارنا اثنين من المتظاهرين يقود كل واحد منهما دراجة نارية يعني موتوسيكل.. قالا لنا: ممكن تركبوا ورانا.. إحنا رايحين نشوف المسكينة زميلتنا جرالها إيه؟ ولأنه ما باليد حيلة.. ركبنا كل واحد خلف سائق الموتوسيكل.. ووصلنا إلي مستشفي قصر العيني.. وبحثنا في كشوف الداخلين بحثا عن فتاة التحرير المغتصبة.. حتي قال لنا غلام في العاشرة: انتم بتدوروا علي البنت اللي لسه جاية من الميدان علي نقالة؟ قلنا: أيوه.. قال: دخلت من شوية عنبر الطواريء. وجدناها أخيرا كما ولدتها أمها.. ملفوفة في ملاءة بيضاء ودموعها تبلل وسادتها.. قال لنا الطبيب المناوب: اتركوها.. ارحموها الآن.. إنها رافضة الكلام لأي حديث.. حتي اسمها لم تبح به لنا بعد! مكثنا إلي جوار سريرها الشاب الثائر وأنا حتي ما قبل منتصف الليل بقليل.. مكتئبة. هي. حزينة حزن العالم كله.. مكسورة العينين والنفس معا.. رفعت المسكينة جفونها مثقلة بهموم الدنيا كلها.. وسألت زميلها ورفيقها علي درب النضال والثورة همسا: مين اللي معاك ده ياباشا؟ قال لها همسا برضه وأنا يا دوب أسمع: بيقولوا عليه ده كبير قلم كتاب مصر كما ينادونه! قالت بفزع: صحفي يعني.. والنبي موش عاوزة حد يكتب عني أو يعرف عني أي حاجة.. كفاية ما جري لي.. حتي أهلي موش عاوزاهم يعرفوا حاجة.. أي حاجة.. أنا قلت لأمي في الموبايل: أنا لسه في الميدان ما تخافيش عليا يا ست الكل.. بنتك بميت راجل! قلت لها مطمئنا: سلامتك يا ست البنات.. أنا جاي بس عشان أطمن عليكي وموش هأكتب عنك أي حاجة هو أنا حتي أعرف انت مين.. واسمك إيه؟ أقرأ بعيني تقرير الطبيب المناوب المكتوب علي ظهر مسند سريرها الألومنيوم يقول بالحرف: سجحات وكدمات وجروح سطحية من أثر آلات حادة في كل أجزاء الجسم.. وتمزقات أسفل البطن.. من أثر آلة حادة ومحاولات الاعتداء لم تتم.. وكل شيء قابل للشفاء والعودة كما كان.. وصدمة عصبية ونفسية حادة من أثر الهجوم عليها وتمزيق ملابسها حتي العري الكامل! سألت الطبيب المناوب: امتي ممكن بنتنا العزيزة بنت ثورة25 يناير.. تروح بيتها؟ قال: ثلاثة أيام كده.. لحد ما تفوق من الصدمة.. عندها صدمة نفسية وعصبية حادة.. أما الجروح والكدمات فأمرها هين ومحتاج إلي وقت.. قبل أن نودع المهرة المنهارة التي تحمل هم مصر كلها فوق رأسها.. أشارت إلي أن أقترب منها.. همست في أذني قائلة: انت باين عليك راجل طيب.. نتقابل يوم الجمعة اللي جاي بعد صلاة العصر.. أسألها: فين يا بنت ثورة25 يناير؟ قالت: إن شاء الله.. لو كان لي عمر.. في مقام السيدة زينب بنت بنت النبي! قلت: الفاتحة ليكي يا طاهرة. .............. .............. تري ماذا قالت لي هذا الحمل الوديع بنت الثورة؟ وماذا حكت من عاشت تحت رحمة الذئاب في قلب ميدان التحرير منارة الحرية في الدنيا كلها الآن وقبلة أحرار العالم.. والذي حوله المأجورون المغتصبون القساة إلي الجانب المظلم من القمر؟ ولكن ذلك حديث آخر..{