يحقق القلم فلاحا بقدر مايعبر عن واقع الجماهير وطموحاتها.. ويتحدد مدي تأثيره بحسب إقبال القراء علي مايكتب واستجابة المسئولين لما يعرضه واقعا وما يطرحه من أفكار وتصورات مستقبلية. واذا كانت عقيدة الكاتب هي المتوارثة عن الحكيم المصري القديم ان الكتابة هي أقدس مهنة في الوجود.. فهل يمتثل الآخرون المسئولون تحديدا لأول فعل أمر هبط به الوحي علي الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم) وهو: إقرأ..؟ إننا بصراحة شديدة نشك ونرتاب, ونري ان مهمة المستشار الاعلامي للسيد المسئول, علي كل مستوي هي الحرص علي نشر أخباره وإذاعتها دون أدني اهتمام بمتابعة ماينشر من مقترحات وآراء وعرضها علي صانع القرار لعلها تسهم في حل مشكلة.. وفي صناعة مستقبل! وأعطي هنا مثالا محددا وهو تلك العاصفة التي صنعتها وثيقة نائب رئيس الوزراء الدكتور علي السلمي حول محددات صياغة الدستور المقبل ورسم ملامح المستقبل المصري, فقد أثارت جدلا عنيفا إلي حد المطالبة بإقالته.. ودون الدخول في تفاصيلها ونحن علي أية حال نؤيد بعض مافيها ونرفض الآخر فإن اعتراضنا الأساسي عليها هو انها خرجت من المجهول فلم يهتم الذين أعدوها بما سطره القلم أعني أقلاما عديدة في منابر عديدة ومنها هذا المنبر الأهرامي العريق ومنها وآخرها هذا القلم حيث سطرنا وكتبنا عن المستقبل وحاجتنا إلي مشروع نهضوي لمصر.. وتعددت ندوات ناقشنا فيها هذه القضية ومقالات كانت آخرها منذ أسبوعين في هذا المكان 29 اكتوبر تحت عنوان رؤية مستقبلية لمصر, وكان هدفنا ان يتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو الحكومة, الدعوة إلي حلقة نقاشية محدودة تتناول ماهو مطروح بالحوار ثم تعد ورقة يعاد عرضها علي مؤتمر أوسع يضم عددا اكبر.. ثم يطرح المشروع المستقبلي للنقاش العام.. وبعدها تعاد صياغته في ورقة عمل تعبر عن أهل الخبرة والرأي وتصلح لكي تكون أساسا للبناء. وبديهي ان هذه الورقة التي نادينا بها.. كان يمكن ان تكون أفضل من وثيقة الدكتور السلمي مع كل الاحترام له ليس فقط لأنها ستكون معبرة عن عقول عديدة وليست محدودة.. وانما أيضا لأنها كانت وهذا ماطرحناه في مقالات سابقة ستتجاوز الشكل إلي المضمون بمعني انها كانت ويجب ان تناقش المحاور الأكثر حيوية وأهمية.. ومن ذلك مثلا وتحديدا هوية الدولة.. وهل تكون رئاسية أم برلمانية ام بين هذا وذاك؟ وكيف يكون نظامها الاقتصادي بما يتلاءم مع طبيعتها وخصوصياتها ويصل بها إلي ماتصبو من طموح؟. وكيف تتحقق العدالة الاجتماعية التي كان غيابها أحد أهم أسباب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير وكانت أحد أبرز مطالبها, كما كانت هي نفسها أحد الجذور الأساسية لثورة الثالث والعشرين من يوليو.. وعلي رأس أولوياتها ونتائجها..؟ وماهي النظرة إلي التعليم ومجانيته.. والي العلم والبحث العلمي وفي أي أيد يكون؟ ثم.. ماذا تعني لنا الثقافة.. ماهو مفهومها ودورها.. وكيف يكون التعامل معها بعد أن غابت عن برامج الحكومات السابقة.. ونفس المنهج ينطبق علي الفن.. والاعلام؟ ولهذا وحتي لا أكون مثل المسئولين لايقرأون.. واذا قرأوا.. ينكرون فإنني أوجه التحية للدكتور جودة عبدالخالق وزير العدالة الاجتماعية والتضامن, الذي عبر علنا عن اعتراضه علي وثيقة السلمي.. وأحيي الذين اعترضوا وناقشوا.. ولكن دون تحية الذين اعترضوا وسكتوا(!!) أو.. الذين اعترضوا.. لأسباب وأغراض شخصية وحزبية!! ووسط حمي الكلام.. فإن ثمة سؤالا يدمي رأس القلم ويدقه.. لمن نكتب.. إذا لم يكن أحد يقرأ؟!! إننا في هذه المرحلة أشبه ما نكون في ساحة الوغي.. فاذا كانت حرب اكتوبر قد عبرت الهزيمة بمصر العظيمة.. فإنه يجب علينا الآن ان نعبر بمصر من النفق المظلم إلي الطموح المشرق.. وتلك معركة لايجوز فيها الخطأ ولاتحتمل ترف المجاملة والمناورة و.. ترحيل المشكلات!! وبناء علي ماتقدم بلغة أهل القانون فإنني أدعو الدكتور علي السلمي وهو عالم فاضل إلي سحب وثيقته.. وتشكيل لجنة تحضيرية واعية تعد إعدادا جيدا لحلقة نقاشية تناقش المطلوب تمهيدا لمؤتمر أوسع كما أوضحنا.. لكي تخلص إلي مشروع معبر.. وثيقة أفضل. وأعود فأقول.. ليت المسئولين يقرأون.. ويتابعون أصحاب الأقلام.. ومايسطرون! المزيد من مقالات محمود مراد