قد كان ينقصني الرجال الأوفياء!! تلك جملة واحدة من النص المسرحي العبقري لكاتبه المبدع فاروق جويدة.. ففي مسرحية الخديوي أسرار كثيرة, تكشفت حين اقتنصتها قناة الحياة في عرض حصري.. من أسرارها, أن رأينا ما نعيشه يتجسد أمام أعيننا.. يفرض علي العين أن تدمع.. يفجر إرادة الحب والاحترام والتقدير للوطن.. يلزمنا أن نتعلم تاريخ مصر من جديد.. في المسرحية سر اغتيال كاتبها فاروق جويدة نفسه فهي تجعلك تفهم لماذا فرضوا عليه أن يتواري للكواليس.. وفرضوا علي كل الموهوبين والمبدعين أن يختفوا من علي المسرح.. حاولوا اغتيال كل العمالقة.. قدموا الأقزام والسفهاء والعرض مستمر بفشل ذريع وفهمنا من المسرحية سر اغتيال المسرح القومي المصري.. وتكشف المسرحية الفارق الكبير بين الخديوي الذي بني نهضة وتحديثا لمصر, رغم كل محاولات التعتيم علي إنجازاته الباقية.. شاخصة أمام أعيننا وفي الضمائر.. بقي الخديوي.. وقدمت المسرحية مخلوعا في عز سطوته وجبروته.. حاولت أن تدق ناقوس الخطر, قبل أن يفهم الجميع الجرائم التي ارتكبها نظام المخلوع مع زبانيته.. فما كان منه إلا طمس الخديوي وكاتب مسرحية الخديوي والمبدعين الذين قدموا العرض.. بل تم نسف المسرح الذي دارت عليه حركة الأحداث!! تربصت بموعد عرض تلك المسرحية علي الشاشة.. جلست أتابعها كأنني في محراب المسرح القومي ذاته.. كل كلمة فيها.. وكل جملة كانت تحرك عقلي وتثير الشجن.. تفجر الفخر مع الحزن والألم.. تدفعني للتفاؤل رغم أن تاريخ اليأس المصري قديم وعريق.. فهذه رواية فاصلة في تاريخ مصر الحديث.. ليس لكونها عملا إبداعيا.. لكن لأنها كانت كلمة السر لاغتيال كل قيمة, وكل ما يبشر بغزوات الفساد الفاجرة.. المهم أن مسرحية الخديوي وقت عرضها قبل ساعات.. تفرض عليك أن تراجع أكثر من مائتي عام في تاريخ هذا الوطن.. تفرض عليك أن تقف مذهولا أمام ما حدث خلال ثلاثين عاما مضت فقط.. لا يجوز القول انها أربعون أو ستون عاما.. فالذين يخلطون زمن عبد الناصر مع السادات مع مبارك.. لهم مآرب في ضمائرهم.. فزمن جمال عبدالناصر كان عظيما رغم ما شابه من سلبيات وزمن أنور السادات كان رائعا بكل ما شهده من تجاوزات وأخطاء أما زمن ما قبل ثورة يوليو.. فقد كان حافلا بما يجعلنا نفخر به في تاريخ أفرز لنا مصطفي النحاس وسعد زغلول ومصطفي كامل وأحمد عرابي.. ثم عودة إلي زمن الخديوي وما قبله عند محمد علي الذي أسس لمصر الحديثة. تلك مسرحية يصعب أن أتناول مغزاها, أو أشير إلي قيمتها وأهميتها.. في مساحة ضيقة أعيش مخنوقا فيها بفعل فاعل.. لكن الإشارة مع صدق إحساسي وفهمي لقيمة التاريخ.. تجعلني قادرا علي القول أنها يجب أن يستمر عرضها علي شاشة قناة الحياة لفترة طويلة في استثناء لأداء التليفزيون كوسيلة إعلامية.. صحيح أنه لم يسبق أن عرضت شاشة مسرحية يوميا.. لكن الصحيح هو الاستثناء الذي يجعلني أطالب الصديق محمد عبد المتعال رئيس شبكة تليفزيون الحياة أن يقدمها لفترة طويلة من الزمن في موعد محدد يوميا.. ربما باعتبار أن المسرح القومي تم حرقه, ثم تحديثه وحرقه.. واعتقادي الجازم أن السبب في ذلك هو أنه قدم مسرحية الخديوي!! مهما قلت فلن أستطيع أن أشرح ما يمكن أن يفهمه أي مواطن, يحاول أن يشاهد تلك المسرحية علي الشاشة بتركيز وهدوء شديدين.. ففيها علاج لكثير من الأمراض المتوطنة, التي زرعها فينا زمن المخلوع.. ولنتعلم أن الخديوي رغم كل ما قدم اعترف في النهاية في المسرحية بأنه أخطأ.. لكن المخلوع ينكر كل جرائمه راقدا علي سرير خلف القضبان.. وأطلق علي الوطن زبانيته أملا في هدمه, بعد ما تهدم خلال عصره.. وإن كان الخديوي قد عاش مبذرا.. فالمخلوع عاش مع أسرته وزبانيته, يجودون تهريب الأموال وغسلها عبر بنوك لا نعلمها ولكن الله يعلمها تختفي فيها ثروات مصر المنهوبة من أولئك اللصوص الذين يرفضون الاعتراف بما ارتكبوه من جرائم في حق وطن عظيم. المزيد من أعمدة نصر القفاص