تحظي قضية العنف ضد النساء باهتمام كبير سواء علي المستوي الدولي أو المحلي, فهي ظاهرة يعتقد البعض أنها مقصورة علي المجتمعات العربية, ولكن تقارير منظمة العفو الدولية. أشارت أخيرا إلي أن مليار امرأة في العالم يتعرضن للعنف بشتي صوره, أي بما يعادل ثلث نساء العالم. والأخطر هو أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر, كما لاحظ كثير من الخبراء أنها غير مرتبطة بمستوي التقدم الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي, فالمجتمعات الغربية تعاني ايضا من ممارسات العنف بأنواعه المختلفة, مما دفع كثيرا من المؤسسات الدولية لتفجير هذه القضية ووصفها علي أجندة مؤتمراتها المختلفة نظرا لانعكاساتها الخطيرة علي المجتمع ككل.. من هنا نقول إن قضية العنف ضد المرأة لم تعد مشكلة اجتماعية أو أسرية خاصة, بل أصبحت قضية حقوقية, فهي تمس كرامة المرأة بنيانها النفسي والاجتماعي والصحي, ولها مردودها الخطير علي جميع أفراد الأسرة, فالطفل الذي يشب في بيئة قوامها ومنهاجها العنف, يعتبرها قضية مسلما بها في حياته المستقبلية, إذ يتأصل داخله كذكر أو أنثي هذا السلوك العدواني باعتباره نمط الحياة الذي نشأ في ظله واعتاده كسلوك خاصة في ظل غياب الوعي والتعليم الجيد, مما يؤدي إلي نشر ثقافة الاستسلام للأمر الواقع, كما يؤدي ايضا إلي توارث المشكلة وانتقالها من جيل الي آخر, بل وأنتقالها من داخل المجتمع المحدود وهو الأسرة إلي المجتمع الخارجي, فالطفل الذي يحيطه العنف داخل البيت ينعكس ذلك في سلوكه داخل المدرسة بين زملائه, ثم تنتقل تلك الممارسات خارج أسوار المدرسة وهكذا.. تتزايد المشكلة وتتفاقم ويوما بعد يوم, ولعل ذلك قد يكون أحد تفسيرات تزايد العنف داخل المجتمع المصري أخيرا. ونحن حين نتحدث عن العنف ضد المرأة في مصر, لانقصره علي الاعتداء البدني أو الجسدي فقط, بل نتحدث عن قضايا عديدة تدخل في دائرة هذه الممارسات مثل التحرش بأنواعه( لفظي أو جسدي), والاغتصاب( سواء للنساء أو الاطفال), والحرمان من الميراث خاصة في الصعيد, والتفرقة في المعاملة بين الذكر والانثي, إلي زواج القاصرات أخيرا باغنياء الخليج. جميع هذه الممارسات تعد انتهاكا للقيم الثقافية والدينية, وهي تنبع من تلك النظرة الدونية التي ينظر بها البعض للمرأة العربية عامة والتي تفرض عليها ضغوطات ومعوقات أمام ممارسة حقوقها, فهناك كثير من المفاهيم المغلوطة في المجتمع التي تقلل من شأن الفتاة وتفرض عليها ادوارا معينة تبعدها عن الثقة بالنفس, وتقلص من رغبتها في ممارسة حقوقها, ناهيك عن التفسيرات الخاطئة للدين, وسيطرة العادات والتقاليد البالية ونقص الوعي الديني والتشريعي والقانوني لدي النساء والرجال, وربما يفسر ذلك تراجع دور المرأة في الآونة الاخيرة, وتراجع إسهاماتها في المجال السياسي بصفة خاصة, كما أن أن الرفض الذي أثار الجدل أخيرا حول تعيين المرأة قاضية في مجلس الدولة إن دل علي شئ فهو تلك النظرة المجتمعية الضيقة للمرأة المصرية وتحجيم دورها وهو مايجب أن تدافع عنه المرأة بشراسة لأن أحد أشكال العنف الاجتماعي يتمثل في الحد من انخراط المرأة في المجتمع, وعدم السماح لها باتخاذ قراراتها, أو إجبارها علي التنازل عن حقوقها, مما يصيبها بالاحباط أو الاستسلام بل ويشعرنا ذلك بالتناقض بين الانظمة والتشريعات والتطبيق. وهنا نتوقف لنتساءل: هل توفر القوانين المصرية الحماية القانونية المناسبة للنساء ؟ وهل حظيت قضية العنف ضد المرأة بالتغطية الإعلامية الواجبة والدائمة ؟ لا يمكن أن ننكر في هذا المجال جهد المجلس القومي للمرأة سواء بطرح القضية علي جدول مؤتمرات وندوات عديدة, او من حيث تبني قانون محاكم الأسرة, وتخصيص مكتب خاص بالشكاوي لبحث الحالات التي ترد اليه ومساعدتهن في الحصول علي حقوقهن, كما لا يمكن تجاهل جهد بعض الجمعيات الأهلية مثل جمعية تحسين الصحة, ولها باع طويل في معالجة تلك القضية, ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في نقص الوعي داخل المجتمع المصري وإستسلام المرأة أمام عنف الرجل.. ويحضرني هنا بعض التفسيرات التي قبلت في تفسير انتشار ارتداء النقاب بين الفتيات وما قيل عن محاولة الهروب من التعرض للتحرش في الشوارع والذي أضحي سلوكا يوميا لبعض الشباب, ونحن نتذكر جميعا واقعتي التحرش الشهيرتين في شارع جامعة الدول العربية ومنطقة وسط البلد, والتي وقف البعض منها مع الاسف موقف المتفرج. أما القوانين, فقد كفل القانون المدني للمرأة حقها في الذمة المالية المستقلة بعد الزواج مثلا, وهو حقها الشرعي, ولكن القانون لا يقدم اي ضمانات او تدابير خاصة لتأمين هذا الحق, وتحت تأثير الضغوط الاجتماعية والأسرية, كثيرا ما تتخلي النساء عن حقهن, ويسيطر الزوج علي دخل الأسرة. وأخيرا يأتي دور أجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية, التي لعبت دورا لا بأس به في هذا المجال وإن كانت مطالبة ببذل جهد أكبر لتعريف المرأة بحقوقها وتمكنها من العيش في بيئة آمنة خالية من العنف. فذلك المسلسل الذي عرضه التليفزيون وهو اكثر وسائل الإعلام انتشارا وتأثيرا عن الاغتصاب ساعد بلاشك علي تقبل المجتمع لتغليظ العقوبة علي المغتصب, بينما سقط الإعلام في هفوة لا تغتفرحين سارع بإلقاء الذنب علي الفتاتين اللتين قتلتا في حادث شهير بمنطقة الشيخ زايد فقط لكونهما تعيشان وحدهما في المنزل.. كما لابد للإعلام أن يمارس دورا أكبر في التصدي لنبرة التشدد الديني السائدة مؤخرا والتي تتضمن الكثير من المفاهيم المغلوطة عن المرأة, تدفعنا للرجوع إلي عصر الحريم وغياهب التخلف التي لا تري من المرأة إلا كونها مصدرا للمتعة. إن رفع مكانة المرأة وتمكينها من ممارسة جميع حقوقها بحرية يعد من الأمور الأساسية لتنمية المجتمعات, وهي ايضا من المبادئ الأساسية التي تنظمها الاتفاقات الدولية التي تلزم بها مصر, ولكن.. هل تتمسك المرأة المصرية بتلك الحقوق وتدافع عنها, أم تلجأ إلي ثقافة الاستسلا م ؟! لنترك المستقبل الأن ليحكم.