ملاحظات نقدية يطرحها بعض المثقفين العرب والمصريين علي أداء بعض المعلقين والخبراء المصريين في خطاباتهم الشفاهية حول عديد القضايا والظواهر والأزمات في العالم والمنطقة العربية. بعض ما يقال يتمثل في بروز ارتباكات بعضهم أمام الأسئلة التي تطرح أمامهم, أو ملاحظات الضيوف الآخرين معهم في هذا البرنامج أو ذاك, وتردد بعضهم في الحديث بين اللغة المحكية الأقرب إلي لغة عامة المصريين, وبين اللغة الفصحي, ومن تحويل الحوار من الموضوعي إلي الذاتي, وفقدان الترابط لدي بعضهم الآخر في بنية خطابهم الشفاهي, وضعف القدرة علي المحاججة في البرامج الحوارية, ونقص المعلومات. وعدم تركيز البعض الآخر مع لجوئه إلي اللغة العنيفة التي تدفع بالحوار إلي التراشق بالاتهامات. من ناحية أخري يطرح بعض المعلقين العرب تفوق بعض المتخصصين في العلوم الاجتماعية في بعض البلدان العربية الصغيرة, في نطق اللغة الفصحي, وفي التعبير عن آرائهم المدعمة بالمعلومات والأفكار, والتدليل عليها, والقدرة علي المحاججة والبرهنة, فضلا عن سعة الإطلاع علي الجديد في التخصص. ملاحظات باتت شائعة علي الألسنة عن ظاهرة عامة وخطيرة تتمثل في تراجع مستويات أداء بعض عناصر الصفوة السياسية والمثقفة والجماعات الأكاديمية والمهنية المصرية. يميل البعض الآخر إلي أنها لا تشمل التعليقات والتحليلات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية للمعلقين المصريين, وإنما يحاول مد الأوصاف السلبية لتشمل بعض الإنتاج العلمي والأكاديمي علي نحو ما يشاهد في بعض المؤتمرات, ومن لغة الأوراق البحثية التي يسودها التعميم والأحكام القيمية, أو الإحالات المرجعية لدراسات وبحوث قديمة تم تجاوزها وضعف المعالجات المنهجية والتحليلية. يبدو لي أن البعض منا يأخذ هذه الملاحظات النقدية في ضوء نظرية شاعت ولا تزال حول' كراهية مصر'! ويصل الأمر إلي حد وصف هذا النمط من الخطاب النقدي' بالحقد' إلي آخر هذا النمط من الردود وأحكام القيمة التي تحاول السكوت عن النقد وفحصه تحليليا, أو بحثيا, ومحاولة التواري وراء النزعة الوطنية المفرطة, والتخفي وراء الرأسمال التاريخي والرمزي لمصر وهيبتها, والمخيال التاريخي والحداثوي لإنجازاتها. السعي نحو الالتفاف حول النقد الموضوعي لأداء بعض المعلقين التلفازيين المصريين, أو عناصر داخل الجماعة الأكاديمية والبحثية, وربطه بأمور وتعلات شعورية ونفسية إزاء مصر, هو تعبير عن اعتلال وإحساس عميق بالأزمة, وإحالتها إلي مقولات عامة, قد تريح بعضهم نفسيا بعض الوقت, ولكنها لا تفسر شيئا, ولا تؤدي إلي التصدي لجذور وأسباب ظاهرة تراجع المستوي التكويني والثقافي والمهني لبعض' المعلقين' و'المتخصصين' المصريين في عديد المجالات في العلوم الاجتماعية. بعض مما يقال عن تراجع مستويات المعرفة والمتابعة لبعض الخبراء المصريين في تخصصات شتي, يبدو صحيحا, ومما يؤشر عليه بعض السرقات العلمية, من بعض المراجع دون الإشارة إلي ذلك, وتدني المستوي الفني لخطط البحوث, وفي مادتها, وفي المناهج المستخدمة, وفي ركاكة الصياغة واللغة والأساليب اللغوية والاصطلاحية... إلخ, بل وصل مستوي الجرأة لدي بعضهم إلي حد سرقة كتب كاملة لآخرين ونسبتها لهم, وفرضها علي الطلاب فرضا في إطار تسليع المعرفة وتحويلها إلي' بيزنس' خاص!, وهو ما أثير مرارا وتكرارا, وثمة تواطؤ علي الظاهرة الخطيرة من بعضهم! لا نستطيع تعميم الممارسات السلبية في مجال البحوث, والتعليقات عبر الاقنية التلفازية المصرية والعربية, علي كل السياسيين أو الخبراء أو الباحثين أو المثقفين أو الفنانين المصريين! من ناحية أخري لا نستطيع إغفال ظواهر شاعت ومنها: الفقر اللغوي وضعف البلاغة الخطابية والأطناب والميل إلي الثرثرة اللغوية, والأخطر اللغو السياسي, أو السوسيولوجي, أو القانوني... إلخ, في مجال رصد وتحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. لا نستطيع الدفاع تحت راية مصر_ الإنجاز والتاريخ والأمة/ الدولة_ عن غلبة النزعة الفهلوية, وشيوع الانطباعات وأحكام القيمة الأخلاقية في خطاب بعضهم الشفاهي أمام الكاميرات. يمكن للمتابع للبرامج الحوارية, وغيرها أن يلحظ ذات الانتقادات علي بعض الخبراء والكتاب والإعلاميين.. إلخ العرب, من حيث فقر المعالجات من حيث المحتوي المعرفي والمعلوماتي وضحالة التحليل, وذلك علي الرغم من الفصاحة اللغوية الإنشائية, التي تميل إلي تسييد لغة الكلاشيهات العامة التي تفسر كل شيء ولا تفسر شيئا في آن! ظاهرة مقلقة وخطيرة, ودلالة علي تدهور في مستويات التكوين التعليمي والتخصصي والمهني في عديد التخصصات في العلوم الاجتماعية, وضعف الممارسة البحثية والتدريبية والتأهيلية, وهو ما يظهر في معلقي ومعدي ومقدمي بعض البرامج الحوارية وغيرها مصريا وعربيا, بل إن الميل إلي اللغة المحكية هو تعبير عن عدم التمكن والكفاءة اللغوية, ومحاولة التغطية علي هذا الخلل بمقولة الميل إلي مخاطبة أوسع القطاعات الجماهيرية من مستهلكي المواد التلفازية المرئية والمنطوقة! لا نستطيع كيل الانتقادات إلي الجميع, وإنما ملاحظات علي أداءات اتسمت ولا تزال بالضعف, وخطورتها أنها تشيعه وسط الجمهور والأجيال الشابة التي تري في بعض هؤلاء أمثلة تستلهم منها النجاح والتفوق الإعلامي والمالي!! يبدو بعض السياسيين المصريين في البرامج الحوارية متهافتي الخطاب حول الموضوع الذي يتحدثون حوله, وبعضهم الآخر لا يعرف كيف يحلل أو يفسر بعض الظواهر والمشكلات المصرية السياسية أو الاجتماعية أو يحدد عديد أسبابها وعواملها وتطوراتها, بما يعكس غفلة عن الواقع الموضوعي, وضعف الرؤية التاريخية, وغياب تكوين وتدريب سياسي في أطر حزبية, ومدارس للفكر. يبدو أن ظاهرة اللا تسييس أو موت السياسة أثرت ولا تزال في مرحلة التعددية الشكلية المقيدة في مرحلتيها الثانية والثالثة, ولا تزال لغة الانطباعات المعممة والشعارات الكبري والهتافات الفارغة هي لغة ومنطق تفكير وخطاب بعض' رجال السياسة' من نخبة القوة المصرية, والمعارضة. قارن علي سبيل المثال بعضهم هنا وبعض النخبة السودانية_ علي ما قارفته من أخطاء فادحة!-, أو اللبنانية أو العراقية أو الأردنية أو المغربية في مجال الخبرة السياسية والخطاب والملكات السياسية واللغوية والقدرة علي ممارسة الجدل والحوار. خذ بعض أطراف المعارضة المصرية, وآخرين من أشباههم ونظائرهم عربيا, سوف تصاب بدهشة ما عن بعض من الخفة التي لا تحتمل إذا شئنا استعارة كونديرا. يبدو لي أن وراء ذلك أمورا أخري تعود إلي تراجع مستويات التكوين والخبرة والممارسة المهنية في تخصصات شتي, لصالح التبسيط. وثمة أيضا أثر سلبي للتعليم التلقيني, وتداخله مع بعض الأكلشيهات الدينية الوضعية التي يستخدمها بعضهم لمغازلة تدين الجمهور, أو كقناع لإخفاء تهافت الجوانب الثقافية والمعرفية والتخصصية للخطاب, وهي أمور تعود إلي سيطرة المنهج التلقيني في التعليم علي المنهج التحليلي والنقدي والتاريخي. استخدام الأحكام المعيارية والقيمية الشائعة ولغة الانطباعات السانحة في تقويم الظواهر. تدني مستويات تعليم اللغة العربية, وهو ما يظهر في ضعف قدرة المعلقين في إنتاج خطاب متخصص وفق لغة سلسة وشيقة وتتسم بالدقة في تحديد المعاني. إن ظاهرة تدني وتسطح مستويات الخطاب السياسي والاجتماعي التحليلي... إلخ هي تعبير أمين عن فجوة بين السياسة والمعرفة, وتراجع الطلب السياسي والاجتماعي علي المعرفة ومنتجيها في بلادنا. إنها حالة خوف من المعرفة لأنها قد تؤدي إلي الكشف والنقد والفضح للضلالات والأكاذيب الشائعة في الحياة المصرية, والتي لفرط تداولها وشيوعها أصبحت تبدو وكأنها حقائق! وكأنها هي المعرفة والعلم. غالب أمراض الحالة المصرية السياسية والمعرفية والدينية تقود إلي تخلف وتدهور أنظمة التعليم ومناهجه وسياساته المولعة بالعقل الناقل ومنطق الحفظ والتلاوة للمرويات والنقولات والأحكام العامة والأمثولات الدينية الوضعية. أن تجاوز مستويات تدهور النخبة علي اختلافها, ومعها جمهور العوام لن يتم إلا انطلاقا من عمليات تطوير كيفي للتعليم وسياساته ومناهجه ولغته وتقنياته, انطلاقا من أن التعليم النوعي للجميع هو الحل!