في زمن شديد الاضطراب علي المستوي الدولي, ولدت حركة جديدة ضد أشكال العولمة والرأسمالية المستغلة لمقدرات الشعوب والتي خلقت خللا كبيرا في توزيع الثروة عالميا إلا أن مشوار الإحتجاجات يبدو طويلا وقاسيا. بشكل واقعي, ليست الشركات والمؤسسات المالية العالمية هي التي تدافع عن موقفها وحدها فقد برز علي مستوي الولاياتالمتحدة تيار يري فيما يحدث عصيانا وتخريبا وعملية هدم لصرح الرأسمالية. فلم يكن مستغربا أن يخرج مرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري واصفا المعتصمين في ميادين عديدة في مختلف الولايات بأنهم عناصر فوضوية ولا يمكن وصفهم بأنهم من الباحثين عن فرص عمل وقال أن الساعين وراء وظائف يجتهدون للحصول عليها ولا وقت لديهم للإعتصامات أو تقليد الربيع العربي! الاتهام لحركة الاحتجاج احتلال وول ستريت في إتساع مع مظاهر لعمليات عنف تعطي مسوغا لليمين الأمريكي بإدانتها في وسائل الإعلام حتي أن مفكرا وسياسيا بارزا قال أنها ردة إلي' الإشتراكية' وهي صراع بين الحرية والنزوع إلي تساوي الفرص بشكل مطلق في المجتمع الأمريكي وربما يكون الأمر علي المستوي العالمي أيضا وهو يعني أن هناك من يبحثون بحق أو بدون وجه حق عن المساواة مع الأخرين في الفرص دون مجهود أو اعتبار للفروق في المهارات. وما نطق به بات بوكانين المفكر المحافظ هو لب الخلاف بين المؤيدين والمعارضين حيث التيار الليبرالي يبحث عن إصلاح للنظام المالي والمؤسسات المصرفية الكبري لوقف' التكويش' علي الثروة لمصلحة حفنة قليلة1% من المجتمع بينما يري التيار المحافظ أن القيود علي المؤسسات سوف يهدد الحرية الإقتصادية وتقوض دعائم الإقتصاد الرأسمالي ويعيد الفكر الشمولي تحت زعم عدالة توزيع الثروة. ويشير التيار المحافظ إلي أن اصابع الإتهام يجب أن توجه إلي البيت الأبيض والرئيس أوباما لأنه لم يفعل الكثير لإنتشال النظام المالي أو إيجاد فرص عمل جديدة في ثلاث سنوات بينما المؤسسات العملاقة هي المحرك الرئيسي للإقتصاد العالمي لعقود طويلة ومرت بعمليات تصحيح كثيرة ويمكن أن تشهد إصلاحات لكن دعوات' إحتلال وول ستريت' مدمرة. ورغم مساندة اتحادات نقابية للإحتجاجات إلا أن الشكوك حول القدرة علي إستمرارها أو إتساعها تتزايد نتيجة غياب القوة الدافعة ووجود مناخ إعلامي لا يسهم في تصعيد مستوي الإحتجاج نظرا لسيطرة الشركات الإعلامية العملاقة علي سوق الميديا وغياب الإعلام الليبرالي بعيدا عن وسائل الميديا الإجتماعية التي هي صوت المحتجين ووسيلة الحشد إلا أنها وحدها غير كافية لتحقيق قفزة في مستوي وصول الإحتجاج إلي درجة تقلق صناع القرار. في المقابل, يتعاطف البيت الأبيض مع المحتجين دون أن يعبر خطا واضحا وهو مصالح الحكم مع طبقة البيزنيس التي لا تعرف سوي لغة المال في الحملات الإنتخابية ولو لم يحسبها أوباما جيدا ربما يزداد موقفه سوءا في الشهور القادمة قبل إنتخابات2012. في تلك الأجواء, سوف يبقي المحتجون في خيامهم في الميادين لأمد غير معلوم بعد السماح للحركة الأم في نيويورك بتمديد البقاء في الحديقة المواجهة لحي المال والأعمال إلا أن صبر السلطات علي المتظاهرين ربما لن يستمر طويلا حسب ما تؤكد مصادر الشرطة, و كالعادة, غالبية الأمريكيين ضد الإنقلاب علي الرأسمالية وهو ميراث طويل من الشك في الايديولوجيات المنافسة التي كلما أطلت مسألة التوزيع العادل للثروة برأسها في الولاياتالمتحدة تحسست الطبقة السياسية الحاكمة والطبقة الاقتصادية أو المالية المسيطرة أسلحتها خشية انقلابات غير مرغوب فيها وهو أمر يمثل جبلا شاهقا علي الأغلبية المأزومة صعوده أولا!