فنان أمريكي متعدد المواهب, فهو مخرج سينمائي يحمل في يمناه جائزة أوسكار لبراعته في الأفلام التسجيلية الطويلة, ويحمل في يسراه كتبا ألفها وصارت فور نشرها من أكثر الكتب مبيعا, وكان آخرها كتاب سماه مايكل مور من هنا تأتي المتاعب, ويرصد فيه أطيافا مثيرة وممتعة من سيرته الذاتية وربما ماحفزه علي اصداره بلوغه السابعة والخمسين من عمره. واللافت للانتباه أن مايكل مور يشير الي أن النظام الرأسمالي الأمريكي هو سبب متاعبه ويفصح ربما من قبيل السخرية انه وقع تحت وطأته منذ ولادته عام1954, فقد كان الأطباء آنذاك ينصحون الأمهات بمن فيهن أمه أن يرضعن أطفالهن بحليب صناعي محلي اسمه كارنيشن بدلا من الرضاعة الطبيعية وهو مايعني أن الشركات الرأسمالية تمارس سطوتها علي المجتمع بقصد ترويج منتجاتها بغض النظر عن صحة الأطفال. وقد حظي مايكل ابان طفولته بأجواء تخيم عليها السعادة, وكان والده عاملا ولما شب عن الطوق وصار صبيا يافعا كانت تبهره مسيرات الاحتجاج السلمي التي يقودها القس الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينج زعيم حركة الحقوق المدنية, وكان مايلفت انتباهه مشاركة القساوسة السود في تلك المسيرات وتعرضهم للاعتقال.. واستحوذ هذا المشهد علي خياله, وسعي لأن يصبح قسيسا والتحق عام1968 بمعهد لاعداد رجال الدين, غير أن المسئولين في المعهد طردوه لأنه كان يطرح أسئلة كثيرة. واستهل مايكل حياته العملية بالعمل في الصحافة, وأصدر مجلة نصف شهرية صوت ميتشيجان نسبة الي ولاية ميتشيجان التي كان يعيش فيها غير أن المجلة لم تستمر طويلا لتعثر تمويلها, ومما لا شك فيه أن فترة عمله في الصحافة بلورت أفكاره الاجتماعية والسياسية. وكان يؤرقه دوما طرد الشركات والمصانع للعاملين فيها, وكان هذا تحديدا موضوع فيلمه التسجيلي الأول الذي أخرجه وأطلق عليه روجر وأنا وتم عرضه في دور السينما عام.1989 وحقق الفيلم نجاحا كبيرا, وصار مايكل مور مخرجا مرموقا للأفلام التسجيلية الطويلة التي تعني بالقضايا الاجتماعية والسياسية, وتجمع أفلامه بين الأفكار الانتقادية لسلبيات المجتمع والبراعة الفنية, واكتسب شهرته السياسية باعتباره مشاغبا ومعارضا.. ومن أبرز أفلامه التي انتقد فيها سياسات الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن فيلم فهرنهايت9/11 الذي علق فيه علي هجمات11 سبتمبر2001. وكان آخرها فيلم عنوانه يبدو مثيرا الرأسمالية قصة حب وتم عرضه في دور السينما عام.2009 وكشف في سياقه أسباب تعثر الرأسمالية وتحولها الي رأسمالية الكازينو, وهو ماأدي الي كارثة الانهيار المالي العالمي في سبتمبر.2008 غير أن مايكل مور برغم انتقاده العنيف للرأسمالية الأمريكية, إلا أنه لا يدعو في سياق الفيلم الي نظام آخر مثل الاشتراكية الديمقراطية علي النمط السائد في أوروبا خاصة في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. ويشير الكاتب الأمريكي بروس هيدلام في مقال نشره في صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر2009 في معرض تعليقه علي الفيلم إلي أن مايكل أصبح النسخة الحديثة للممثل والمخرج البريطاني الشهير شارلي شابلن1889 1977, وكان شابلن بطل السينما الصامتة في أمريكا ونجمها الساطع في العالم بأسره. وهنا قد يمكن القول إن شابلن كان في طليعة الفنانين المشاغبين الذين ابدعوا فنا سينمائيا رائعا وجميلا وملهما, ومن تحت عباءته الفنية والفكرية خرج مايكل مور والمخرج السينمائي الأمريكي أوليفر ستون, ولعل فيلم ستون وول ستريت الذي تم عرضه في دور السينما عام1987 شاهد علي ذلك. وكان بمثابة نبوءة لما حدث ابان الانهيار المالي العالمي. وينضم الي كوكبة هؤلاء المخرجين الكبار باقتدار المخرج المصري يوسف شاهين, فقد كان مشاغبا نبيلا ومعارضا سياسيا في أفلامه, كما كان بارعا في لغته السينمائية. وأيا مايكن الأمر فان شارلي شابلن الذي قد يطلق عليه الأب الروحي لهؤلاء المخربين المشاغبين النبلاء قد دفع في سنوات عمره الأخيره ثمنا باهظا لمواقفه الفكرية والسياسية التي بدت واضحة في أفلامه. فقد أرغمت القوي اليمينية الأمريكية شارلي شابلن علي مغادرة أمريكا في أعقاب حملات شعواء اتهمته بالتعاطف مع الشيوعية والشيوعيين. وقد بدأت موجة الهجوم عليه بسبب فيلمه الدكتاتور العظيم1940, والذي سخر فيه من النازي الألماني أدولف هتلر. ولم يجد مهربا من هذا العداء الأهوج سوي مغادرة أمريكا والعودة الي بريطانيا, وكان شابلن قد وصل الي أمريكا عام1907 وعمل في استوديوهاتها طويلا وكثيرا.. وأبدع عام1914 شخصية المتشرد أو الصعلوك, وانتقد من خلالها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية, وكان المتشرد يبدو منسحقا في عالم مخادع يتفشي فيه الجشع والفساد. وبلغ هذا الانتقاد ذروته في فيلم الأزمنة الحديثة.1936 ومن الجدير بالذكر أن معظم أفلام شابلن السبعين صارت من تراث السينما الصامته, غير أن الأفلام الثلاثة الأخيرة منها كانت ناطقة. وقد لفظ شارلي شابلن أنفاسه الأخيرة في بريطانيا عام1977, وكانت الملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا كرمته عام1975 بمنحه لقب الفارس. ومن حق مايكل مور أن يزهو باعتباره النسخة المعاصرة لشارلي شابلن. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي