لم تشكل عودة الرئيس صالح الي اليمن, بعد غياب أكثر من مائة وعشرين يوما للعلاج في السعودية, إثر محاولة الإطاحة به, واغتياله, في يونيو الماضي, مفاجأة, لا من العيار الثقيل ولا حتي الخفيف, بالنسبة للكثير من اليمنيين, ويمكن تحليل خطاب صالح, الذي ألقاه بمناسبة العيد التاسع والاربعين لثورة سبتمبر (ثورة اليمنيين في الشمال علي حكم الإمامة في اليمن 1962) الخطاب في مجمله كان ضعيفا, وفيه تكرار لمعظم القضايا التي تناولها في العديد من خطبه علي مدي الثمانية الأشهر الماضية, خصوصا فيما يتصل بقضايا الحوار, واحتكام الجميع الي ما يسميه الرئيس صالح, صناديق الاقتراع, غير أنه لابد من الاعتراف بأن الخطاب قد خلي من لهجة التهديد والوعيد, المباشرة والمبطنة, التي كانت تميز بعض خطابات صالح السابقة, احتوي الخطاب علي الكثير من عبارات الشكر التي وجهت للعديد من الدول الخليجية, خصوصا السعودية ودولة الامارات لما قدموه من رعاية واهتمام شخصي به, أثناء فترة مرضه, ولما قدموه لليمن من معونات مادية وعينية ساعدت علي تجاوز الأزمة. واتهم الرئيس صالح في خطابه من سماهم الخارجين علي القانون والشرعية الدستورية, بدعم شبكة القاعدة في اليمن, التي عجزت عن تحقيق أهدافها, إلا فيما يخص ترويع المواطنين, وتوجه بالشكر للمملكة العربية السعودية, والولايات المتحدةالأمريكية علي دعمهما قوات الحرس الجمهوري, ومشاركتهما الفاعلة في الحرب ضد تنظيم القاعدة في العديد من المحافظات اليمنية, اشتمل الخطاب كذلك علي صيغ أخري من عبارات الشكر, موجهة للداخل, الأولي بغرض استمالة المواطنين, والحصول علي رضاهم وتعاطفهم, خصوصا عند حديثه حول مسألة الاغتيال التي تعرض لها في أول جمعة من رجب, وما تسببه المظاهر الثورية, من قتل لأرواح الأبرياء, وما تخلفه كذلك من دمار وفوضي. وللخروج من الأزمة التي تعيشها اليمن, تناول في خطابه التزامه بالمبادرة الخليجية, من خلال تفويض نائبه بمتابعة الحوار مع المعارضة, وتوقيع المبادرة, وتنفيذ آلياتها, التي تتضمن انهاء كافة مظاهر العنف والتظاهر, وعودة الناس الي أعمالهم, والبدء في عملية البناء والتعمير, وإعادة الأمن والسكينة الي كل اليمن. تجدر الاشارة الي ان صقور المعارضة اعتبرت خطاب صالح بمثابة اعلان حرب في حين اعتبرته الحمائم إحدي الاعيب الرئيس في كسب المزيد من الوقت وتمييع الحالة في اليمن, بينما أشاد حزب المؤتمر الشعبي العام بالخطاب, واعتبره بمثابة الحل السحري والورقة الأخيرة التي يقدمها الحزب الحاكم للمعارضة للخروج بالأزمة إلي بر الأمان, والحق أن خطاب الرئيس صالح لم يقدم جديدا يمكن استحسانه أو الاشادة به, خصوصا فيما يتصل بالحوار, والتوقيع علي المبادرة الخليجية, لأن السؤال الذي بات يحير الكثير من المراقبين, ما هي المعضلة التي يمكن ان تسفر عن توقيع الرئيس صالح للمبادرة الخليجية, مادام وقد أصبح شديد الاقتناع بها الي هذه الدرجة؟!. علي أية حال, هناك العديد من المستجدات التي طرأت علي المشهد السياسي اليمني خلال الأيام القليلة الماضية التي تلت خطاب الرئيس صالح, لعل أهمها سقوط عدد من رموز تنظيم القاعدة, علي رأسهم المطلوب الأول للولايات المتحدةالأمريكية, أنور العولقي, احد أبرز القياديين في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب, وهناك أمر آخر يتصل بالعشر حرمات التي أصدرتها جمعية علماء اليمن, وعلي رأسها حرمة المظاهرات والاعتصامات الحالية في الطرقات العامة, والأحياء السكنية, لما يحدث فيها من مفاسد كسفك الدماء, والتعدي علي الأمن, وقطع الطرقات, واقلاق السكينة العامة, وماتحمل من شعارات مخالفة للشرع, وهو ما يمنح السلطات قدرا من الحركة والقمع, استنادا إلي مثل تلك الفتوي, وأخيرا هناك التحركات المكوكية التي يقوم بها المبعوث الأممي جمال بن عمر, الذي لم يغادر اليمن منذ أكثر من نصف شهر, في محاولة أخيرة منه لفك رموز شفرة المبادرة الخليجية, خصوصا فيما يتصل بآلية تنفيذ بنودها, التزام مختلف الاطراف بكافة بنودها, خصوصا فيما يتصل بسرعة اجراءات نقل السلطة في اليمن. كل تلك المشاهد, يمكن ان تعزز من موقف الرئيس صالح تجاه المعارضة, لكن المشهد الأكثر سخونة يتمثل في اجندة الشباب الذين يرفضون المبادرة الخليجية, ولا يأملون خيرا في الحوار مع السلطة, ووفقا لأجندتهم, فانهم بصدد توسيع نطاق المظاهرات لتشمل شوارع أكثر حيوية, علي أن تتوسع, لتصل الي دار الرئاسة في العاصمة اليمنية صنعاء, حينها لن يكون أمام الرئيس صالح, سوي إطلاق النار علي رؤوس الأشهاد, أو الإذعان لمطالب الشباب بالرحيل.