خلال أقل من ثلاثة أسابيع تدحرجت مسيرات حركة احتلوا وول ستريت من خبر تجاهلته معظم الصحف الأمريكية إلي القصة الرئيسية في صفحاتها الأولي وبرامج التوك شو التلفزيونية. وهو إنجاز لا يمكن تجاهله لحركة كانت موضع سخرية المتهكمين الذين اعتبروها حركة بلا قيادة وبلا قضية تستحق الدفاع عنها. الحركة التي نظمت مسيرات احتجاج ضمت المئات إن لم يكن الآلاف خلال نهايات الإسبوع علي مدي ثلاثة أسابيع في قلب حي المال مانهاتن في نيويورك وفي عدة مدن رئيسية منها بوسطن وواشنطن وسان فرانسيسكو وشيكاجو ولوس أنجلوس جذبت انتباه الكثيرين وعلي رأسهم المخرج المتمرد ميكل مور والممثلة البارزة سوزان ساراندون والمفكر نعوم تشومسكي وديفيد باترسون الحاكم السابق لولاية نيويورك وحظت بتأييد علني من بعض نقابات العمال المحلية. الكثيرون يتحدثون الآن عن الخريف الأمريكي الغاضب إسوة باحتجاجات الربيع العربي ومظاهرات الاحتجاج ضد سياسات التقشف في اليونان وإسبانيا والبرتغال وارتفاع أسعار المساكن في اسرائيل, ولكن هناك من يقللون من شأن الحركة ويقولون أن المطالب التي ترفعها لا رأس لها ولا ذيل, وأنها حركة غير منظمة سرعان ما يتلاشي تأثيرها وينتقدون إسلوب تعامل الشرطة معهم التي منحتهم انتباها لا يستحقونه خاصة بعد مشاهد المصادمات علي جسر بروكلين التي اعتقل فيها700 من أعضاء الحركة في نهاية الإسبوع الماضي. أوجه المقارنة لها مبرراتها. فالحركة تضم عناصر من كل فئات المجتمع بألوانها وأجناسها ومعتقداتها السياسية المتعددة, وهي أيضا اعتمدت علي مواقع التواصل الاجتماعي علي الانترنت لتجميع أفرادها وتنظيم حركتها, وهي علي عكس المعتقد لم تكن عفوية بل قسمت صديقة زوكوتي الذي حولته إلي معسكر ثوري ليضم مركز استقبال ومكتب إعلامي ومركز طبي ومكتبة وكافتيريا بنية الاعتصام لأسابيع وربما شهور. ولكن ماذا تريد الحركة؟ علي موقعها علي الانترنت تقول الحركة أنها تمثل ال99% من الأمريكيين الذين لا يملكون شيئا وأنهم يناضلون ضد التفاوت في مستويات الدخول وتوزيع الثروات وضد جشع وفساد والنفوذ السياسي وعدم الخضوع للمحاسبة لنسبة ال1% الذين يملكون كل شئ وهم رجال البنوك ومؤسسات الاستثمار, ومؤسسات الرهن العقاري, وشركات التأمين التي تتغذي علي برامج الرعاية الصحية, ورؤساء الشركات الكبري الذين يمارسون الضغط علي الإدارت المتتالية وأعضاء الكونجرس لخدمة مصالحهم, والسماسرة ومالكي الأسهم في وول ستريت, ويرفضون استخدام الإدارة لمليارات الدولارات من أموال الضرائب لإنقاذ البنوك المتسببة في الأزمة المالية العالمية والذين يحققون الآن أرباحا طائلة في حين يعاني الفقراء وأفراد الطبقة المتوسطة من تدهور دخولهم وتلاشي فرص العمل, وفقد مساكنهم بسبب عدم القدرة علي سداد أقساط الرهن العقاري وقروض التعليم. مثل هذه الشعارات رغم صدقها تحتاج إلي من يبلورها في شكل مطالب محددة وعادلة ومقنعة تحظي بقبول عام دون أن تنزلق إلي حالة فوضي تفقد الحركة بريقها. فعلي سبيل المثال يمكن للحركة أن تشكل جماعة ضغط قوية وراء المطالبة بفرض ضريية علي كل معاملة مالية تجريها البنوك بهدف الحد من المضاربة التي تحدث التقلبات الحادة في الأسواق. هذا الاقتراح طالب به الاقتصادي الأمريكي الحائز علي جائزة نوبل جيمس توبين وتتجه الدول الأوروبية نحو تطبيقه لكن إدارة أوباما ترفضه استجابة للضغط الذي يمارسه عليها أساطين المال في وول ستريت. هناك أيضا جهد يمكن أن تبذله الحركة لكشف كل الثغرات التي يستفيد منها الأغنياء للتهرب من دفع الضرائب وفضحهم علنا وهو بالمناسبة أمر لا يعترض عليه حتي غلاة الجمهوريين. الأمر الثالث يتعلق بإرغام البنوك علي حماية نفسها بنفسها من خلال الالتزام بشروط بازل فيما يتعلق بالموازنة بين حجم أصول البنوك وماتتحمله من مخاطر وفرض ضريبة علي البنوك وفقا لحجم عملياتها والمخاطر التي تتحملها تستخدم حصيلتها لإنقاذ البنوك من أزماتها دون اللجوء إلي أموال دافعي الضرائب, واخضاع البنوك ومؤسسات وول ستريت لنظام رقابي يفرض عليها أن تتفرغ لدورها الأساسي وهو توجيه رؤوس الأموال إلي أفضل استخدام يحقق أهداف المجمتع كله في الارتقاء بمستوي معيشته. لقد استطاعت حركة احتلوا وول ستريت أن تجذب الانتباه وعليها أن تثبت الآن أن دورها مفيد.