نعم ولا وممتنع! هذا العمود قلته وكتبته مرارا وتكرارا خلال فترة النظام السابق, ولكن لا بأس وقد تغيرت الأحوال أن نطرح أمرا مرة أخري. والمسألة ليست من القضايا الكبري في البلاد, ولكن كما أن النار تأتي من مستصغر الشرر, فإن أعظم المسائل هي في النهاية مجموعة من الأمور الصغري. والقضية الكبيرة هنا هي الديمقراطية, أما صغيرها فهو التصويت في البرلمان والذي لا يخرج عن حالات ثلاث: نعم أوافق, ولا أعترض, وممتنع عن التصويت لأنه ليس لي رأي في المسألة أو أنني لم أكون رأيا بعد أو أن الموضوع لا يستحق الاهتمام. السؤال هنا كيف يعبر عضو مجلس الشعب أو الشوري عن رأيه البسيط هذا؟ جرت التقاليد في البلدان الديمقراطية أن يكون لكل عضو مكان عليه اسمه, وأمامه تحت اسمه ثلاثة مواقع صغيرة فيها نعم ولا وممتنع, يضغط علي أي منها ساعة التصويت فيتم إلكترونيا ولحظيا تحديد رأي الأغلبية القابلة, والأقلية الرافضة, والجماعة الممتنعة التي لم تقبل ولم ترفض. ومجلسا الشعب والشوري لدينا بهما شاشات إلكترونية كبيرة يفترض أنهما يقومان بهذه المهمة, ولكنهما لم يقدر لهما الاستخدام أبدا لسبب سياسي هو أن رئيس المجلس سوف يحدد الأغلبية علي طريقة' موافقون' و'موافقة' برفع الأيدي التي لا يعلم أحد أبدا عددها. ولكن السبب السياسي يستند إلي سبب فني, وهو أنه لا توجد مقاعد كافية ومحددة وعليها اللوحة المعهودة' نعم ولا وممتنع' تحت اسم العضو الموقر أو المحترم حسبما تري هيئة المجلس. فمجلس الشعب قامت قاعته الرئيسية حتي يقوم360 عضوا بمهامهم التشريعية, أما مجلس الشوري الذي كان مجلسا للشيوخ في أزمنة قديمة فإن قاعته تتحمل160 عضوا. الآن صدر القرار السيادي بأن يكون عدد أعضاء مجلس الشعب498, أما أعضاء مجلس الشوري فقد بلغوا270 عضوا بعد أن كانوا264 في العهد البائد. ولكن قضية العهد الذي مضي سوف تظل معنا مع العهد الذي أتي ما لم نجد حلا يسمح بأن يكون لكل عضو مقعد ولوحة إلكترونية تعمل, وإلا فإننا سوف نعود لنفس التقاليد التي ثار الناس عليها من قبل, ويكون لرئيس المجلس من السطوة والغلو في السيطرة ما يشاء طالما أنه الوحيد الذي سوف يقرر من رفع يده ومن لم يرفع. معذرة إذا كانت القضية بسيطة, ولكنها ليست مجرد مقاعد, إنها قضية الديمقراطية كلها. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد