يبدو أن الأمية الدينية لا تتوقف عند الغالبية العظمي من شعبنا في الأمية الهجائية كما أشرنا من قبل, وإنما تسحب الي مثقفيه أيضا, المثقفون ممن ينتمون الي الخط الديني أيضا هذه الأمية التي عبرت الهجائية الي الأمية الثقافية, وهو ما نعثر عليه في احداث امبابة الي ساحة ماسبيرو. وقبل هذا وبعده في هذه الفترة الزمنية التي تمتد الي بعيد زمانيا أو جغرافي.. بما يمكن أن نقول معه أن لدينا أمية ثقافية لا تخفي علي أحد.. فتنسحب خطوط الأميات بين أبنائنا في المحيط البعيد من أمية دينية إلي أمية هجائية إلي أمية ثقافية الي أمية سياسية لتعود بعدها.. مع توالي الأميات وتباينها الي الأمية الدينية.. ويشكل أكثر دقة نعود لنسأل: أين هي الثقافة التي تحول بيننا وبين عديد من علامات التجمد والتخلف في بدايات الألفية الثالثة..؟ أن نظرة عامة الي مثقفينا الذين هم خلفاء علماء الدين وأقرانهم ترينا مدي انسحاب هذه الأمية ليس علي أولئك المتعلمين والمثقفين وحسب, بل وتمتد الي بقية مساحات الطيف الديني, حتي تشغل كتابات الكثير من مثقفينا وعلمائنا وإعلاميينا وفقهائنا في الصحف والاعلام المرئي والافتراضي الي ما يتردد من أن هناك حملة لتشويه التيار الديني الاسلامي بفصائله من سلفيين وإخوان وجمعية انصار السنة والجماعة الاسلامية والاخوان... والقائمة لا تنتهي.. بل ولا تخلو الصحف هذه الأيام من حملات تكسير العظام بين ألوان الطيف التي لا تنتهي في المشهد الثقافي أمامنا, فهناك حملة في الداخل تمتد لمساحات شاسعة في العقل العربي ترينا هذه الالوان التي نتحدث عنها حين نتمهل عند الفتنة الطائفية التي نعيش فيها ليس بين مسلم ومسيحي وحسب وإنما بين أبناء الدين الواحد. هذا كله يتخذ أشكالا كثيرة لعل في مقدمتها هذه الأمية التي تمضي الي مساحات بعيدة في العقل المصري والعربي.. ونستطيع أن نري خطوط هذه الأمية الدينية لدي مثقفينا وعلمائنا وسلفيينا فيما يحدث حولنا تحت مسمي( الفتنة الطائفية), ويمكن أن نقترب أكثر من كتابنا وعارفينا ممن يتحدثون عن أسباب فتنة( كما حدث في أمبابة علي سبيل المثال) لندرك من تتبع الأقوال والحوارات ضآلة هذه المعرفية الدينية لدي الكثيرين, وهو ما دفع د. سليم العوا في أحد حواراته الأخيرة ليرفض ان يسمي ما حدث بأنه فتنة طائفية, وما تشهده مصر ليس فتنة طائفية, وإنما جرائم فساد أخلاقي برداء ديني, وهو ما نتفق فيه معه فلا يصح قتل مواطنين مصريين بسبب علاقة رجل بامرأة. نقول هذا كله ونحن نتابع معلومات النيابة العامة وأجهزة المخابرات عن ضبط جاسوس اسرائيلي أسهم بين ميدان التحرير وكنيسة امبابة في اشعال هذه الفتنة. وهو ما يصل بنا الي نوع آخر من الأميات أقصد الأمية المعرفية بما يحدث حولنا وفي حضور شباب التحرير وبين تهويمات العمل بدأب للخلاص من هذه الأميات.. لا أجد من يكتب بشكل مباشر عن علاقة الثورة بالمستقبل, أقصد عن الصراع العربي الاسرائيلي لا أعرف من يتنبه الي أن غزة ليست مجرد مدينة قريبة, وإنما هي حدودنا( الاستراتيجية) الي المشرق كله وليس الي فلسطين فحسب. لا أعثر علي من يعي طبيعة ما حدث في المنطقة وفي تاريخ المنطقة, وما يدبر لها لا أقترب مع من يعرف ماذا يحدث في المراكز البحثية الغربية وإدارات الرقابة الاعلامية والافتراضية هل نقترب من الملاحظة الأخيرة؟ حسن, فأنا أنقل من الأجهزة الغربية. ولا أجد من بيننا من يعي هذا أو يعمل معه وهو ما نتمهل عنده كمثال الي خطورة هذا العالم الافتراضي حولنا, رغم أن أهم وسائل الثورة تبلورت عبر الفيس بوك والتويتر.. فلا أجد من يتنبه الي حقيقة أن الرقابة المركزية الغربية وصلت الي أقصي تسلل لها بيننا, الي غير ذلك في وقت مازلنا غافلين فيه عما يحدث في الخارج مشغولين بما يحدث بيننا في الداخل هذا نوع من الأمية الفكرية بين شبابنا. الامية عندنا أيها السادة تبدأ من الأمية الهجائية لتنتشر بين العديد من الأميات: المعرفية والثقافية والسياسية والدينية والافتراضية.. الي غير ذلك من هذه الأميات التي تحاول النيل منا في بدايات ألفية جديدة, فإلي أين نحن ذاهبون؟.. الي أين؟ المزيد من مقالات د.مصطفى عبدالغنى