قواعد الإضراب من بين كل المظاهر الاحتجاجية الفئوية التي تشهدها مصر حاليا يظل اضراب المعلمين هو الاكثر استفزازا والاشد تأثيرا علي حياة الناس, وفضلا عن الجوانب الاخلاقية فإن الإضراب تجاوز في مطالبه كل حدود القدرة علي التنفيذ, علي الاقل في جوانبه المالية.ومع التسليم بالحالة المزرية التي وصل إليها حال المعلم علي مر أجيال ومع تفهم الجميع لاهمية إصلاح دخله, إلا أن للإضرابات أيضا أصولا, وإذا جري تجاوزهذه الأصول تحول الأمر كله إلي فوضي عبثية لن يستفيد منها أحد. والقاعدة في تحديد مطالب الإضرابات أن تكون قابلة للتنفيذ وأن يحدد قادة الإضراب مطالبهم في ضوء الفهم العام للموقف المالي والإداري للإدارة, وفي حالة المطالب الفئوية الراهنة ينبغي أن يضاف الفهم السياسي لطبيعة المرحلة التي نمر بها وحدود قدرات ووظيفة الحكومة الانتقالية. وفي حالة المعلمين فإن المطالبة برفع الحد الادني للأجر إلي 3 آلاف جنيه معناه أن تلتهم أجور العاملين في التربية والتعليم نحو 75% من باب الأجور في الموازنة العامة للدولة, وهذا أمر يخرج عن حدود المنطق, أما مطالبتهم بإقالة رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم نفسه فهو أمر خطير لم يخطر ببال أي من المحتجين من الفئات التي تشعر بالظلم وتنشد الإنصاف. ربما كان الشطط الذي تعاني منه الإضرابات الفئوية في بلادنا هذه الأيام يعود إلي حداثة العهد بهذا اللون من النشاط الاحتجاجي, ولكن الإضرابات في كل دول العالم تحكمها قواعد ويسبقها دائما مشاورات مع مستشارين يوضحون للمضربين حدود الحركة وسقف المطالب ونقاط القوة والضعف في موقفهم التفاوضي لأن أي إضراب لابد وأن ينتهي بالتفاوض لتحقيق مايمكن تحقيقه من مطالب المضربين, وغير ذلك يصبح ضربا من العبث ينتهي بفوضي تضر بمصالح جميع الأطراف. المعلمون الذين تغني بهم الشعراء وبما يجب أن يتوافر فيهم من علم وحكمة هم أولي من غيرهم في ضرب المثل في استيعاب حرفية الإضراب وتعليمه لغيرهم حتي لاتصبح الإضرابات سلاحا لتفتيت المجتمع ونشر الفوضي بدلا من كونها أداة رشيدة لتصويب توجهات الإدارة كما في الدول التي سبقتنا علي طريق التقدم. المزيد من أعمدة عماد غنيم